قصيدة للصداقة
- يقول الشاعر إيليا أبي ماضي:
ما عزّ من لم يصاحب الخذما
فأحطم دواتك، واكسر القلما
وارحم صباك الغضّ، إنّهم
لا يحملون وتحمل الألما
كم ذا تناديهم وقد هجعوا
أحسبت أنّك تسمع الرّمما
ما قام في آذانهم صمم
وكأنّ في آذانهم صمما
القوم حاجتهم إلى همم
أو أنت مّمن يخلق الهمما؟
تاللّه لو كنت (ابن ساعدة)
أدبا (وحاتم طيء) كرما
وبذذت (جالينوس) حكمته
والعلم (رسططا ليس) والشّيما
وسبقت (كولمبوس) مكتشفا
وشأوت (آديسون) معتزما
فسلبت هذا البحر لؤلؤه
وحبوتهم إيّاه منتظما
وكشفت أسرار الوجود لهم
وجعلت كلّ مبعّد أمما
ما كنت فيهم غير متّهم
إني وجدت الحرّ متّهما
هانوا على الدّنيا فلا نعما
عرفتهم الدّنيا ولا نقما
فكأنّما في غيرها خلقوا
وكأنّما قد آثروا العدما
أو ما تراهم، كلّما انتسبوا
نصلوا فلا عربا ولا عجنا
ليسوا ذوي خطر وقد زعموا
والغرب ذو خطر وما زعما
متخاذلين على جهالتهم
إنّ القويّ يهون منقسما
فالبحر يعظم وهو مجتمع
وتراه أهون ما يرى ديما
والسّور ما ينفكّ ممتنعا
فإذا يناكر بعضه نهدما
والشّعب ليس بناهض أبدا
ما دام فيه الخلف محتكما
يا للأديب وما يكابده
في أمّة كلّ لا تشبه الأمما
إن باح لم تسلم كرامته
والإثم كلّ إن كتما
يبكي فتضحك منه لاهية
والجهل إن يبك الحجى ابتسمت
جاءت وما شعر الوجود بها
ولسوف تمضي وهو ما علما
ضعفت فلا عجب إذا اهتضمت
اللّيث، لولا بأسه، اهتضما
فلقد رأيت الكون، سنّته
كالبحر يأكل حوته البلما
لا يرحم المقدام ذا خور
أو يرحم الضّرغامه الغنما؟
يا صاحبي، وهواك يجذبني
حتّى لأحسب بيننا رحما
ما ضرّنا، والودّ ملتئم
أن لا يكون الشّمل ملتئما
النّاس تقرأ ما تسطّره
حبرا، ويقرأه أخوك دما
فاستبق نفسا، غير مرجعها
عضّ الأناسل بعدما ندما
ما أنت مبدلهم خلائقهم
حتّى تكون الأرض وهي سما
زارتك لم تهتك معانيها
غرّاء يهتك نورها الظّلما
سبقت يدي فيها هواجسهم
ونطقت لما استصحبوا البكما
فإذا تقاس إلى روائعهم
كانت روائعهم لها خدما
كالرّاح لم أر قبل سامعها
سكران جدّ السّكر محتشما
يخد القفار بها أخو لجب
ينسي القفار الأنيق الرسما
أقبسته شوقي فأضلعه
كأضالعي مملوءة ضرما
إنّ الكواكب في منازلها
لو شئت لاستنزلتها كلما
قصيدة عن الصداقة الحقيقية
- يقول الشاعر عبد الرحمن العشماوي:
أعفو، إذا ركبَ الصديقُ الأصعب
وإذا رماني بالسِّهامِ وصوَّبا
وإذا تنكَّر للوفاءِ، ولم يدعْ
للودِّ في بحر اللَّجاجةِ مَرْكبا
إنِّي لأعرضُ عن صديقي، كُلَّم
أرغى وأزْبدَ بالخلافِ وأسْهبا
وأُحسُّ بالأسفِ الكبيرِ لأنَّهُ
أمسى منَ الذئبِ المخادِعِ “أذْأبا”
وأراهُ أحوجَ ما يكونُ إلى الذي
يحميهِ من أثر السقوطِ إذا كبا
قالوا: رماكَ بما يسوؤكَ صاحبٌ
واشْتدَّ فيما لا يسُرُّ وأغربا
وتغيَّرتْ أحوالُهُ، فغدا على
ما لا تُحبُّ تلوُّناً و” تثعْلُبا”
فأجبتُ من قالوا، بأنِّي لم أزلْ
أرجو له الغفرانَ فيما أذْنبا
قالوا: تطاول، قلت: كم متطاولٍ
أمسى رفيقاً للهمومِ مُعذَّبا
قالوا: تجنَّى، قلت: ذلكَ شأنُهُ
إنْ كانَ يرضى بالتَّجني مذهبا
قالوا: تنكَّر، قلت ما ذنبي إذ
رضي الصحيحُ بأنْ يكونَ الأجْربا؟!
قالوا: لقد كذبَ الحديثَ، فقلت: م
شأني بمن وضع الحديث وكذَّبا؟!
إنِّي أقولُ لمن جفاهُ صديقهُ:
كن أنت في ليل الجفاءِ الكوكبا
وإذا تقوقعَ في زوايا حقدِهِ
حَسَداً، فكنْ أنتَ الفضاءَ الأَرْحبا
وإذا تمادى في التَّطاولِ صاحِبٌ
فاعلمْ بأنَّ العقلَ عنهُ تغيَّبا
واهْجُرهُ حتى يستعيد صوابَهُ
فأنا أرى هَجْر المُكابِرِ أصْوبا
واثبتْ ثباتَ “شَدَا” و”حُزْنَةَ” كُلَّم
لاقيتَ مهزوزَ الفؤادِ مُذبْذَبا
إنِّي أقولُ لمن أماتَ ضميرهُ
وقضى على معنى الوفاءِ وذوَّبا:
كم من صديقٍ في الحياةِ جنى الأسى
وجَنَى انتكاسَ القلبِ حينَ تقلَّبا
قصيدة من ذكرى ووفاء
- يقول الشاعر إبراهيم ناجي:
ها هنا حفلٌ وذكرى ووفاء
لبّنا أنت ملبِّي الأصدقاء
يا لها من غربة مضنية
ليس تنجاب وأيام بطاء
ذهب الموت بأغلى صاحب
وثوى في الترب أوفى الأوفياء
لست أنساك وقد أقبلت لي
تشتكي غدر صديق قد أساء
آه من جرح ومن قلب على
ألم الجرح انطوى مر الاباء
كلما آلمك الجرح فأح
سست به لطّفته بالكبرياء
أيها الشاكي من الدهر استرح
كلنا يا أيها الشاكي سواء
الجراحات التي عانيتها
لم تدع أرواحنا إلا ذماء
برم العيش بها لم يشفها
وتولى الدهر سأمان وجاء
أذن الموت لها فالتأمت
وشفاها بعدما استعصى الشفاء
لست أرثيكَ أيرثى خالد
في رحاب الخلد موفور الجزاء
كيف أرثيك أيرثى فاضل
عاش بالخيرات موصول الدعاء
إنما الدنيا هي الخير على
قلة الخير وقحط العظماء
إنما الدنيا فتى عاش لكم
باذلاً من قوته حتى الفناء
فإذا مات فقد عاش بكم
فهو بالذكرى جدير بالبقاء
ذلك الشاعر قد واساكمُ
وبكى آلامكم كل البكاء
ذلك الشاعرُ قد غناكمُ
صادحاً في أيككم بشرى الهناء
وأولو الشعر المصابيح التي
حطمتهن رياح الصحراء
خلدت أنوارهم رغم البلى
وبها المدلج في الليل استضاء
سوف يفنى القول إلا قولهم
ويموت الناس إلا الشعراء
عد إلينا نسمة حائرة
ذات نجوى وحنين وولاء
ثم حلق بجناحين إلى
عالم نحن له جد ظماء
طِر مطارَ النسم واترك قدَما
ثقلت بالشوك في أرض الشقاء
قصيدة لنكن أصدقاء
- تقول الشاعرة نازك الملائكة:
لنكن أصدقاء
في متاهات هذا الوجود الكئيب
حيث يمشي الدمار ويحيا الفناء
في زوايا الليالي البطاء
حيث صوت الضحايا الرهيب
هازئا بالرجاء
لنكن أصدقاء
فعيون القضاء
جامدات الحدق
ترمق البشر المتعبين
في دروب الأسى والأنين
تحت سوط الزمان النزق
لنكن أصدقاء
ألأكفّ التي عرفت كيف تجبي الدماء
وتحزّ رقاب الخلّيين والأبرياء
ستحسّ اختلاج الشعور
كلّما لامست إصبعاً أو يداً
والعيون التي طالما حدّقت في غرور
ترمق الموكب الأسودا
موكب الرازحين العبيد
هذه الأعين الفارغات
ستحسّ الحياة
ويعود الجمود البليد
خلفها ألف عرق جديد
والقلوب التي سمعت في انتعاش
صرخات الجياع العطاش
ستذوب لتسقي صدى الظامئين
كأسة ولتكن ملئت بالأنين
لنكن أصدقاء
نحن والحائرون
نحن والعزّل المتعبون
والذين يقال لهم “مجرمون”
نحن والأشقياء
نحن والثملون بخمر الرخاء
والذين ينامون في القفر تحت السماء
نحن والتائهون بلا مأوى
نحن والصارخون بلا جدوى
نحن والأسرى
نحن والأمم الأخرى
في بحار الثلوج
في بلاد الزنوّج
في الصحارى وفي كلّ أرض تضمّ البشر
كلّ أرض أصاخت لآلامنا
كلّ أرض تلقّت توابيت أحلامنا
ووعت صرخات الضجر
من ضحايا القدر
لنكن أصدقاء
إن صوتا وراء الدماء
في عروق الذين تساقوا كؤوس العداء
في عروق الذين يظلّون كالثملين
يطعنون الإخاء
يطعنون أعزّاءهم باسمين
في عروق المحبّين..والهاربين
من أحبّائهم, من نداء الحنين
في جميع العروق
إنّ صوتا وراء جميع العروق
هامسا في قرارة كلّ فؤاد خفوق
يجمع الأخوة النافرين
ويشدّ قلوب الشقّيين والضاحكين
ذلك الصوت, صوت الإخاء
فلنكن أصدقاء
في بعيد الديار
ووراء البحار
في الصحارى وفي القطب في المدن الآمنه
في القرى الساكنه
أصدقاء بشر
أصدقاء ينادون أين المفر؟
ويصيحون في نبرة ذابله
ويموتون في وحدة قاتله
أصدقاء جياع حفاة عراه
لفظتهم شفاه الحياه
إنهم أشقياء
فلنكن أصدقاء
من بعيد
صوت عصف الرياح الشديد
ناقلا ألف صوت مديد
من صراخ الضحايا وراء الحدود
في بقاع الوجود
ألضحايا ضحايا العراك
وضحايا القيود
وصدى “هياواثا ” هناك
مثقلا بأنين الجياع
بأسى المصطلين لظى الحمّى
بالذين يموتون دون وداع
دون أن يعرفوا أما
دونما آباء
دونما أصدقاء
أشعار متنوعة في الصداقة
- يقول الشاعر محمود سامي البارودي:
لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ
بَلِ الصَّدِيقُ الَّذِي تَزْكُو شَمَائِلُهُ
إِنْ رَابَكَ الدَّهْرُ لَمْ تَفْشَلْ عَزَائِمُهُ
أَوْ نَابَكَ الْهَمُّ لَمْ تَفْتُرْ وَسَائِلُهُ
يَرْعَاكَ فِي حَالَتَيْ بُعْدٍ وَمَقْرَبَةٍ
وَلا تُغِبُّكَ مِنْ خَيْرٍ فَوَاضِلُهُ
لا كَالَّذِي يَدَّعِي وُدّاً وَبَاطِنُهُ
بِجَمْرِ أَحْقَادِهِ تَغْلِي مَرَاجِلُهُ
يَذُمُّ فِعْلَ أَخِيهِ مُظْهِراً أَسَفاً
لِيُوهِمَ النَّاسَ أَنَّ الْحُزْنَ شَامِلُهُ
وَذَاكَ مِنْهُ عِدَاءٌ فِي مُجَامَلَةٍ
فَاحْذَرْهُ وَاعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَاذِلُهُ
- يقول الشاعر ابن نباتة المصري:
يئستُ من الصداقة منكَ لما
تمادَى منك إعراضٌ وثيق
ومن عجب الزمان إذا اعتبرنا
خليلٌ ما يجي منه صديق