عتاب العاذلين حول قلبي الضائع للمتنبي
عتاب العاذلين يدور حول قلبي الضائع
ويظهر فيه شغف الأحبة بين سحابه
يستشكي الملام من حر مشاعره
ويرد حين يلومون على ذكرياته
وعن روحي، يا عاذلي، الملك الذي
جعلتني أتجاوز عن رغباتي في رضاه
إن كان قد ملك القلوب، فإنه
ملك الزمان في أرضه وسماواته
فهل الشمس من أعدائه؟ والنصر من
أصدقائه، والسيف مما يذكره
أين الثلاثة من خصاله الثلاث
من حسنه، وكرامته، ومآثره؟
مرت الأعوام ولم نجد مثله
ولقد أتى فقرأنا على نظرائه
أصبح الفراق بديلاً عن لقائنا لابن زيدون
أصبح الفراق بديلاً من تقاربنا
وحلّ بديلاً عن لطافة لقائنا
ألا وقد حان صبح الافتراق، فأصبحنا
حينها، وجاءنا نعي الحزن
من يبلغ الغائبين عنا، بعيدين؟
حزناً، مع مرور الزمن الذي لا ينسى
إنّ الزمان الذي كان مضحكاً لنا
وأنسنا بقربهم، عاد يبكينا
أثارت عداوة لمن يسقينا الهوى فدعوا
بأن نغصّ، فقال الزمن: آمين
ففُكُ عُقد ما كان مُشَدداً في أنفسنا
وانقطع ما كان موصولاً بأيدينا
وقد نكون، وما يُخشى تفريقنا
فاليوم نحن، وما يُرْجى تلاقيانا
يا ليت شعري، ولم نعتب أعاديكم
هل نالوا حظاً من العتاب عايدينا؟
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم
رأياً، ولم نتقلّد سواه ديناً
ما حقنا أن تُقرّوا عينَ ذي حسدٍ
بنا، ولا أن تُسِروا كاشحاً فينا
كنا نرى اليأس يُسْلينا عوارضه
وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا
أنتم وبنا، فما ابتلت جوانحنا
شوقاً إليكم، ولا جفّت مآقينا
نکاد، حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تأسّينا
حال فقدكم أيامنا، فغدت
سوداً، وكانت بكم بيض ليالينا
إذ كانت حياة الطلق من تألفنا
ومربع اللهو صافٍ من تصافينا
وإذا حصرنا فنون الوصل دانية
قطافها، فحصدنا منها ما شئنَا
لتبقى عهودكم في السعادة فما
كنتم لأرواحنا إلا رياحيننا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيّرنا
أن طالما غيّر النأي المحبين!
والله ما طلبت أهوانا بديلاً
منكم، ولا انصرفت عنكم أمانينا
يا ساري البرق، غادر القصر وآتٍ به
من كان صرف الهوى والود يسقينا
واسأل هناك: هل عنا تذكّرنا
إلفاً، تذكّره أمسّى يعنّينا؟
ويا نسيم الصبَا، بلّغ تحيّتَنا
من لو على البعد حيا كان يحيينا
أندلسية لأحمد شوقي
يا نائح الطلح، أشباه عوادينا
نشجى لواديك أم نأسى على وادينا؟
ماذا تخبرنا غير أن يداً
قصت جناحك جالت في حواشينا
بعنا البين يأتيك، غير سامرنا
أخي الغريب: وظلوا غير نادينا
كلكم رمى النوى: ريش الفراق لنا
سهمًا، وسلّ عليك البينُ سكينًا
إذا دعا الشوق لم نبرح بمنتصف
من الجناحين عي لا يلبيننا
فإن يكن الجنس يابن الطلح فرقنا
إن المصائب يجمعن المصابين
لم تأل ماءك تحنانًا ولا ظلمًا
ولا نسيانًا، ولا شجوا أغانينا
تجري من فننٍ ساقًا إلى فنن
وتستحب الذي ترتاد المؤاسين
أساتُ جسمك شتى حين تطلبهم
فمن لروحك بالنطق المداوين؟
آه لنا نازحي أيكة بأندلس
وإن حللنا رفيقًا من روابين
وقفنا على رسم الوفاء له
نجيش بالدمع، والإجلال يثنينَا
لفتيه لا تنال الأرض أدمعهم
ولا مفارقتهم إلا مصلين
لو لم يسودا بدين فيه منبهة
للناس كانت لهم أخلاقهم دينا