قصيدة نشرتُ في موكب العشاق أعلامي
لقد نشرتُ في موكب العشاق أعلامي، وقد سبقني الكثيرون إلى هذا الحب. انطلقتُ في خضم هذا الشغف، ولم أغادر بلدي حتى عثرت على جيش من ملوك العشق. ومنذ أن وطأت قدمي هذه الجنة، وأنا في حيرة من أمري بين طقوس الإحرام والتجرد للحب.
لقد ألقاني هواكم في مجرى عشق نبيل، حيث لم أعلم ما هي جذور تلك الصلة، لكنني وجدت أعز الأصدقاء وأحبهم لي. قضيت وقتي هنا حتى جاء أجلي، عشت حتى سطعت شمس الأيام والخطوات.
يظن العذول أن عذلي سيفصيني عنكم، لكنني غفوت طويلاً في شوقي المفرط. إن كانت عبراتي هيّ ربيعي، فسأكثر من حسناتي في الحب! لو علمت أن نهاية هذا الحب هو الفراق، لما خالفت كلام العذول.
وأودعت قلبي عند شخص لا يعرف كيف يحفظه. ولقد استدرجني بعيونه السابحة، ليصيب قلبي برمشةٍ قاتلة. آه كم حلماً رائعاً أن ينظر إليّ برحمة، فهي غاية كل الأمان، إن شاء الله.
لقد شوقتني لديار الحبيب وما فيها من جمال، لكن المساء يسأل عني ولا يمتلكني. وأنا زائر في عالم الوصل، فلا أقدّم شيئاً سوى الشغف والأشواق.
وصلت دار السلام، إذ تقدمتُ من أبواب إيماني، يا رب، أريد رؤيتك عند حضوري، وعاملني بأحسان.
قصيدة لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي
لعينيكِ ما يلقا الفؤاد وما لقي،
وللحُب ما لم يبقَ مني وما بقي.
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه،
ولكن من يبصر جفونك يعشق.
وبين الرضا والسخط والقرب والنوى،
مجال لدمع المقلة المتراقص.
وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه،
وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقي.
وغضب من الإدلال سكرى من الصبى،
شفتُ إليها من شبابي برقيق.
وأشرب معسول الثنيات واضحًا،
سترت فمي عنه فقَبَّل مَفْرِقي.
وجياد غزلان كجيدك زروني،
فلم أتبين عاطلاً من مطوقي.
وما كل من يهوى يعف إذا خلا،
عفافي ويرضي الحب والخيل تلتقي.
سقى الله أيام الصبَى ما يسُرّها،
ويفعل فعل البابلي المعتق.
إذا ما لبست الدهر مستمتعاً به؛
تخرّقت والملبوس لم يتخرّق.
ولم أرَ كالألحاظ يوم رحيلهم،
بعثن بكل القتل من كل مشفق.
أدرن عيونا حائرات كأنها،
مركبةٌ أحْداقُها فوق زئبق.
عشيبة يعدونا عن النظر البكاء،
وعن لذة التوديع خوف التفريق.
نودعهم والبَيْنُ فينا كأنه،
قَـنَا ابن أبي الهيجاءِ في قلب فيلق.
قَوَاضٍ مواضٍ نسج داود عندها،
إذا وقعت فيه كنسج الخدرńc.
هوادٍ لأملاك الجيوش كأنها،
تخيّر أرواح الكُمَـاة وتنتقي.
تقدُ عليهم كل درع وجوشنٍ،
وتفرّ إليهم كل سور وخندق.
يغير بها بين اللقبان وواسط،
ويركُزُها بين الفرات وجلق.
ويرجعها حُمرا كأن صحيحها،
يُبكي دما من رحمة المتدقق.
فلا تبلِغاه ما أقول فإنّه،
شجاع متى يُذكرٌ له الطعن يشتق.
ضروب بأطراف السيوف بنانه،
لعبٌ بأطراف الكلام المشقق.
كسائليه من يسأل الغيث قطرةً،
كعاذليه من قال للفلك ارفق.
لقد جدتَ حتى جدتَ في كل ملة،
وحتى أتاك الحمد من كل منطق.
رأى ملك الروم ارتياحك للنقد،
فقام مقام المجتدي المتملق.
وخلى الرماح السمهريّة صاغرًا،
لأدرب منه بالطعان واحذق.
وكاتب من أرض بعيد مرامها،
قريب على خيل حوالك سبق.
وقد سار في مسراك منها رسولُه،
فما سار إلا فوق هامٍ مفلّق.
فلما دنا أخفى عليه مكانه،
شعاع الحديد البارق المتألق.
وأقبل يمشي في البساط فما درى،
إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي.
ولم يثنه الأعداء عن مهجاتهم،
بمثل خضوعٍ في كلامٍ منمّق.
وكنت إذا كاتبته قبل هذه،
كتبتَ إليه في قذال الدمسق.
فإن تعطه منك الأمان فساكنٌ،
وإن تعطه حدّ الحسام فاخترق.
وهل ترك البيضُ الصوارمُ منهم،
حبيسًا لفادٍ أو رقيقًا لمعتق.
لقد وردوا وردَ القطا شفراتها،
ومروا عليها رزدقًا بعد رزدق.
بلغتُ بسيف الدولة النور رُتبةً،
أنرتُ بها ما بين غربٍ ومشرق.
إذا شاء أن يلعب بلحية أحمقٍ،
أراهُ غباري ثمّ قالَ له الحقُ.
وما كمد الحسّاد شيء قَصدتُهُ،
ولكنّهُ من يزحم البحر يغرِق.
ويمتحن الناس الأمير برأيه،
ويُغضي على علمٍ بكل مخرج.
وإطراق طرف العين ليس بنافعٍ،
إذا كان طرف القلب ليس بمطرق.
فيا أيها المطلوبُ جاوره تمنع،
ويا أيها المحروم يمّمْهُ ترزق.
ويا أجبن الفرسان صاحبْهُ تجترىءْ،
ويا أشجع الشجعان فارقْهُ تفرق.
إذا سعَتِ الأعداءُ في كيد مجده،
سعى جدّه في كيدهم سعيَ مُحنق.
وما ينصر الفضل المُبين على العدَى،
إذا لم يكن فضل السعيد الموفق.
قصيدة قلبي يحدثني بأنّك متلِفي
قلبي يُحدثني بأنك متلِفي،
روحي فداكَ عرفتَ أم لم تعرفِ.
لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كنتُ الذي،
لم أقضِ فيه أسىً، ومثلي من يفي.
ما لي سوى روحي، وباذلُ نفسِه،
في حب من يهواه ليس بمسرف.
فلئن رضيتَ بها، فقد أسعَفْتَني؛
يا خيبةَ المسعى إن لم تسعفِ.
يا مانعي طيبَ المَنام، ومانحي،
ثوبَ السِّقامِ به ووجدي المتلف.
عطفاً على رمَقي، وما أبقيتَ لي،
من جسمي المُضنى، وقلبي المُدنَف.
فالوَجدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي،
والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي.
لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلا تضعْ،
سهَري بتَشنيعِ الخيال المُرجِف.
واسألْ نُجومَ اللّيلِ: هل زارَ الكَرَى
جَفني، وكيف يزورُ من لم يعرفِ؟
لا غروَ إن شَحّتْ بغُمض جُفونها
عيني وسحّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ.
وبما جرى في موقف التوديع من
ألمِ النوى، شاهَدتُ هَولَ الموقِف.
إن لم يكن وصل لديك، فعِدْ بهِ
أملي وماطلْ إن وعدتَ ولاتفي.
فالمطلُ منكَ لديَّ إن عزّ الوفا
يحلو كوصلٍ من حبيبٍ مسعف.
أهفو لأنفاس النسيم تعلّةً
ولوجه من نقلتْ شذاهُ تشوّفي.
فلَعَلَّ نارَ جَوانحي بهبوبها
أن تنطفي، وأودّ أن لا تنطفي.
يا أهل ودّي أنتمُ أملي ومن
ناداكُم يا أهل ودي قد كُفي.
عودوا لما كنتم عليه من الوفا،
كرماً فإنّي ذلك الخل الوفي.
وحياتكم وحياتكم قسماً وفي
عُمري، بغير حياتكم، لم أحلِفِ.
لو أنَّ روحي في يدي ووهبتها
لمبشري بقدومكم، لم أنصفِ.
لا تحسبوني في الهوى متصنعاً،
كلفي بكم خلقٌ بغير تكلُّفِ.
أخفيتُ حبَّكم فأخفاني أسىً،
حتى، لعَمري، كِدتُ عني أختفي.
وكتمتُهُ عنّي، فلو أبدَيْتُهُ
لوجدتُهُ أخفى من اللطف الخفي.
ولقد أقولُ لمن تَحَرّشَ بالهَوَى:
عرَّضتَ نفسكَ للبلا فاستهدفِ.
أنتَ القتيلُ بأيّ من أحببتهُ،
فاخترْ لنفسكَ في الهوى من تصطفي.
قل للعذول أطلتَ لومي طامعاً،
أنَّ الملامَ عن الهوى مستوقفي.
دعْ عنكَ تعنيفي وذقْ طعمَ الهوى،
فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ.
برح الخفاء بحب من لو، في الدجى
سفر اللثام لقلتُ يا بدرُ اختفِ.
وإن اكتفى غَيْري بطيف خياله،
فأنا الذي بوصالهِ لا أكتفي.
وقفاً عليهِ محبتي، ولِمحنتي،
بأقلّ مِن تلفي به، لا أشتفي.
وهواهُ، وهو أليّتي، وكفى به
قسماً، أكادُ أُجِلّهُ كالمُصحفِ.
لو قال تِيهاً: قِفْ على جَمْرِ الغضا
لوقفتُ ممتثلاً ولم أتوقفِ.
أو كانَ مَنْ يَرضَى، بخدّي، موطِئاً
لوضعتهُ أرضاً ولم أستنكفِ.
لا تنكروا شغفي بما يرضى وإنْ
هو بالوصال عليَّ لم يتعطفِ.
غَلَبَ الهوى، فأطعتُ أمر صبابتي
من حيث فيه عصيتُ نهي معنفي.
مني له ذل الخضوع، ومنه لي
عز المنوع وقوة المستضعف.
ألِفَ الصّدودَ، ولي فؤادٌ لم يزل،
مذ كنتُ، غير وداده لم يألفِ.
ياما أميلحَ كل ما يرضى به
ورضابهُ ياما أحيلاهُ بفي.
لو أسمعوا يعقوبَ ذكر ملاحةٍ
في وجههِ نسي الجمال اليوسفي.
أو لو رآهُ عائداً أيُوبُ في
سنةٍ الكرَى، قدماً، من البلوى شفي.
كل البدور إذا تجلّى مقبلاً،
تَصبُو إليه، وكُلُّ قَدٍّ أهيَفِ.
إن قُلتُ: عِندي فيكَ كل صبابةٍ؛
قال: الملاحة لي، وكل الحُسنِ في.
كمالتْ محاسنهُ، فلو أهدى السنا
للبدر عند تمامهِ لم يخسفِ.
وعلى تفنن واصفيهِ بحسنِهِ،
يفنى الزمان، وفيهِ ما لم يُوصَفِ.
ولقد صرفتُ لحبّهِ كلّي على
يدِ حسنهِ فحمدتُ حسنَ تصرُّفي.
فالعينُ تهوى صورةَ الحسنِ الَّتي
روحي بها تصبو إلى معنىً خفي.
أسعِدْ أُخَيَّ، وغنِّ لي بحديثهِ،
وانثُرْ على سمعي حِلاهُ، وشَنفِ.
لأرى بعين السمع شاهِدَ حسنه،
معنىً فأتحفني بذاكَ وشرّفِ.
يا أختَ سعدٍ من حبيبي جئتني
برسالةٍ أدّيتِها بتلطفِ.
فسمعتُ ما لم تسمعي ونظرتُ ما
لم تنظري وعرفتُ ما لم تعرفي.
إن زار، يوماً يا حشايَ تَقطّعي،
كَلَفاً به، أو سارَ، يا عينُ اذرِفي.
ما للنوى ذنبٌ، ومَنْ أهوى معي،
إن غابَ عن إنسان عيني فهوَ في.
قصيدة إنها تثلج نساءً
إنها تثلج نساءً، أنزع معطف المطر الذي أرتديه،
وأقفل مظلتي، وأتركهن يتساقطن على جسدي،
واحدةً.. واحدةً، ثماراً من النار،
وعصافير من الذهب.
إنها تثلج نساءً، أفتح جميع أزرار قميصي،
وأتركهن يتزحلقن على هضابي،
ويغتسلن بمياهي،
ويرقصن في غابات،
وينمن في آخر الليل كالطيور فوق أشجاري.
أخرج كالطفل إلى الحديقة،
وأتركهن يكرجن كاللآلئ على جبيني،
امرأةً.. امرأة،
ولؤلؤةً.. لؤلؤة،
أحملهن كالثلج على راحة يدي،
وأخاف عليهن أن يذبن كالثلج بين أصابعي،
من حرارة العشق.
إنها تثلج نساءً، البوادي تخرج،
والحواضر تخرج،
الأغنياء يخرجون، والفقراء يخرجون.
واحدٌ يحمل بارودة صيد،
وواحدٌ يحمل صنارة سمك،
وواحدٌ يحمل بطحة عرق،
وواحدٌ يحمل مخدةً وسريراً.
إنها تثلج نساءً، والوطن كله مستنفرٌ للهجوم على اللون الأبيض،
وواحدٌ يريد أن يتزوج الثلج،
وواحدٌ يريد أن يأكله،
وواحدٌ يريد أن يأخذه لبيت الطاعة،
وواحدٌ يسحب دفتر شيكاته من جيبه
ليشتري أي نهدٍ أشقر يسقط من السماء،
كي يجعله ديكوراً في حجرة نومه.
يسمع الثلج قرع الطبول، وخشخشة السلاسل،
ويرى بريق الخناجر، والتماع الأنياب،
يخاف الثلج على عذريته،
ويقرر أن يسقط في بلادٍ أخرى.
يسمع الثلج قرع الطبول، وخشخشة السلاسل،
ويرى بريق الخناجر، والتماع الأنياب،
يخاف الثلج على عذريته،
فيحزم حقيبته،
ويقرر أن يسقط في بلادٍ أخرى.
قصيدة أثر الفراشة
أَثر الفراشة لا يُرَى،
أَثر الفراشة لا يزولُ،
هو جاذبيّة غامضٍ،
يستدرج المعنى، ويرحلُ
حين يتَّضح السبيلُ.
هو خفَّة الأبديِّ في اليومي،
أشواقٌ إلى أعلى،
وإشراق جميلُ.
هو شامَة في الضوء تومئ،
حين يرشدنا إلى الكلماتِ،
باطننا الدليلُ.
هو مثل أُغنية تحاولُ
أن تقول، وتكتفي
بالاقتباس من الظلال ولا تقولُ…
أَثرُ الفراشة لا يُرَى،
أُثرُ الفراشة لا يزولُ!
قصيدة تجلد للرحيل فما استطاعا
تَجَلَّدَ لِلرَّحيلِ فَما اِستَطاعا،
وَداعاً جَنَّةَ الدُنيا وَداعا.
عَسى الأَيّامُ تَجمَعُني فَإِنّي،
أَرى العَيشَ اِفتِراقاً وَاِجتِماعا.
أَلا لَيتَ البِلادَ لَها قُلوبُ،
كَما لِلناسِ تَنفَطِرُ اِلتِياعا.
وَلَيتَ لَدى فُروقٍ بَعضَ بَثّي،
وَما فَعَلَ الفُراقُ غَداةَ راعا.
أَما وَاللَهِ لَو عَلِمَت مَكاني،
لَأَنطَقَتِ المَآذِنَ وَالقِلاعا.
حَوَت رِقَّ القَواضِبِ وَالعَوالي،
فَلَمّا ضُفتُها حَوَتِ اليَراعا.
Sأَلتُ القَلبَ عَن تِلكَ اللَيالي،
أَكُنُّ لَيالِياً أَم كُنَّ ساعا.
فَقالَ القَلبُ بَل مَرَّت عِجالاً،
كَدَقّاتي لِذِكراها سِراعا.
أَدارَ مُحَمَّدٍ وَتُراثُ عيسى،
لَقَد رَضِياكِ بينَهُما مَشاعا.
فَهَل نَبَذَ التَعصُّبُ فيكِ قَومٌ،
يَمُدُّ الجَهلُ بَينَهُمُ النِزاعا.
أَرى الرَحمَنَ حَصَّنَ مَسجِدَيهِ،
بِأَطوَلِ حائِطٍ مِنكِ اِمتِناعا.
فَكُنتِ لِبَيتِهِ المَحجوجِ رُكناً،
وَكُنتِ لِبَيتِهِ الأَقصى سِطاعا.
هَواؤُكِ وَالعُيونُ مُفَجَّراتٌ،
كَفى بِهِما مِنَ الدُنيا مَتاعا.
وَشَمسُكِ كُلَّما طَلَعَت بِأُفقٍ،
تَخَطَّرَتِ الحَياةُ بِهِ شُعاعا.
وَغيدُكِ هُنَّ فَوقَ الأَرضِ حورٌ،
أَوانِسُ لا نِقابَ وَلا قِناعا.
حَوالى لُجَّةٍ مِن لازَوَردٍ،
تَعالى اللَهُ خَلقاً وَاِبتِداعا.
يَروحُ لُجَينُها الجاري وَيَغدو،
عَلى الفِردَوسِ آكاماً وَقاعا.