أروع أشعار نزار قباني في الحب
- سأخبرك أنني أحبك
سأقول لكِ “أحبكِ”..
عندما تنتهي جميع لغات الحب القديمة
فلا يتبقى للعشاق ما يقولونه أو يفعلونه..
عندها ستبدأ مهمتي
في تغيير أحجار هذا العالم
وفي إعادة تشكيله
شجرةً تلو الأخرى
وكوكباً بعد كوكب
وقصيدةً بعد قصيدة
سأقول لكِ “أحبكِ”..
وتقترب المسافة بين عينيكِ ودفاتري
ويصبح الهواء الذي تتنفسينه يمر في رئتيّ
وتصبح اليد التي تضعينها على مقعد السيارة
هي يدي أنا..
سأقولها، عندما أكون قادراً
على استحضار طفولتي، وخيالي، وعساكري،
ومراكبي الورقية..
واستعادة الزمن الأزرق معكِ على شواطئ بيروت
عندما كنتِ ترتعشين كسمكة بين أصابعي..
فأغطّيكي عندما تَنعمين
بشَرشفٍ من نجوم الصيف..
سأقول لكِ “أحبكِ”..
وسنبلة القمح حتى تنضج بحاجة إليكِ..
والينابيع حتى تتفجر..
والحضارة حتى تتحضر..
والعصافير حتى تتعلم الطيران..
والفراشات حتى تتعلم الرسم..
سأقول لكِ “أحبكِ”..
عندما تسقط الحدود نهائياً بينك وبين القصيدة
ويصبح النوم على ورقة الكتابة
ليس بالسهولة كما تتصورين..
خارج إيقاعات الشعر..
ولا أن أدخل في حوار مع جسد لا أعرف كيف أتهجاه
كلمةً كلمة..
ومقطعاً مقطعاً…
إنني لا أعاني من عقدة المثقفين
لكن طبيعتي ترفض الأجساد التي لا تتحدث بذكاء
والعيون التي لا تطرح الأسئلة
إن شرط الشهوة عندي مرتبط بشرط الشعر
فالمرأة قصيدة أموت عندما أكتبها..
وأموت عندما أنساها..
سأقول لكِ “أحبكِ”..
عندما أتعافى من حالة الفصام التي تمزقني..
وأعود شخصاً واحداً..
سأقولها، عندما تتصالح المدينة والصحراء في داخلي.
وترحل كل القبائل عن شواطئ دمي
الذي حفره حكماء العالم الثالث فوق جسدي
الذي عانيتُ منه على مدى ثلاثين عاماً…
فشوّهتُ ذكورتي..
وأصدرت حكماً بجلدكِ ثمانين جلدة
بتهمة الأنوثة…
لذلك، لن أقول لكِ “أحبكِ” اليوم..
وربما لن أقولها غداً..
فالأرض تحتاج لتسعة أشهر كي تنبت زهرا
والليل يتعذب كثيراً ليموّد نجمه..
والبشرية تنتظر آلاف السنين لتحتضن نبيّاً..
فلماذا لا تنتظرين بعض الوقت
لتصبحي حبيبتي؟
- أحبك أحبك والبقية تأتي
حديثك سجادة فارسية..
وعيناك عصفورتان دمشقيتان..
تطيران بين الجدران..
وقلبي يسافر كحمامة فوق مياه يديك،
ويأخذ قيلولة تحت ظل السوار..
وإنني أحبك..
لكنني أخاف التورط فيك،
أخاف الاتحاد فيك،
أخاف الاندماج معك،
فقد علمتني التجارب أن أتجنب عشق النساء،
وموج البحار..
أنا لا أتناقش في حبك.. فهو نهاري
ولست أناقش شمس النهار
أنا لا أتناقش في حبك..
فهو يقرر في أي يوم سيأتي.. وفي أي يومٍ سيذهب..
وهو يحدد وقت الحوار، وشكل الحوار..
دعيني أصب لك الشاي،
أنت رائعة الحسن هذا الصباح،
وصوتك نقش جميل على ثوب مغربي
وعقدك يلعب كالطفل تحت المرايا..
ويرتشف الماء من شفة المزهرية
دعيني أصب لك الشاي، هل قلت إنني أحبك؟
هل قلت إنني سعيد لأنك جئت..
وأن حضورك يسعد مثل حضور القصيدة
ومثل حضور المراكب، والذكريات البعيدة..
دعيني أترجم بعض كلام المقاعد وهي ترحب بك..
دعيني أعبّر عما يدور في بال الفناجين،
وهي تفكر في شفتيك..
وبالملعقة، والسكرية..
دعيني أضيفك حرفاً جديداً
على أحرف الأبجدية..
دعيني أناقض نفسي قليلاً
وأجمع في الحب بين الحضارة والبربرية.
- أحبك حتى ترتفع السماء
كي أستعيد عافيتي
وعافية كلماتي.
وأخرج من حزام التلوث
الذي يلف قلبي.
فالأرض بدونك
كذبة عظيمة..
وتفاحة فاسدة…
حتى أدخل في دين الياسمين
وأدافع عن حضارة الشعر…
وزرقة البحر…
واخضرار الغابات…
أريد أن أحبك
حتى أطمئن..
لا تزالين بخير..
لا تزالين بخير..
وأسماك الشعر التي تسبح في دمي
لا تزال بخير…
أريد أن أحبك..
حتى أتحرر من جفاف..
وملوحتي..
وتكلس أصابعي..
وفراشاتي الملونة
وقدرتي على البكاء…
أريد أن أحبك
حتى أستعيد تفاصيل منزلنا الدمشقي
غرفةً… غرفة…
بلاطةً… بلاطة..
حمامةً.. حمامة..
وأتحدث مع خمسين صفيحة فل
كما يستعرض الصائغ.
أريدك أن تكوني حبيبتي
في زمنٍ..
أصبح فيه الحب معاقاً..
واللغة معاقة..
وكتب الشعر، معاقة..
فلا الأشجار قادرة على الوقوف على قدميها
ولا العصافير قادرة على استخدام أجنحتها.
ولا النجوم قادرة على التنقل…
أريد أن أحبك..
من غزلان الحرية..
وآخر رسالة
من رسائل المحبين
وتشنق آخر قصيدة
مكتوبة باللغة العربية…
أريد أن أحبك..
قبل أن يصدر مرسوم فاشي
وأريد أن أتناول فنجان قهوة معك..
وأريد أن أجلس معك لدقيقتين
قبل أن تسحب الشرطة السرية الكراسي من تحتنا..
وأريد أن أعانقك..
قبل أن يلقوا القبض على فمي وذراعي
وأريد أن أبكي بين يديك
قبل أن يفرضوا ضريبة جمركية على دموعي…
أريد أن أحبك، يا سيدتي
وأغير التقاويم
وأعيد تسمية الشهور والأيام
وأضبط ساعات العالم..
على إيقاع خطواتك
ورائحة عطرك..
التي تدخل المقهى قبل دخولك..
إنني أحبك، يا سيدتي
دفاعاً عن حق الفرس في أن تصهل كما تشاء
وحق المرأة في أن تختار فارسها كما تشاء
وحق الشجرة في أن تغيّر أوراقها
وحق الشعوب في أن تغيّر حكامها متى تشاء….
أريد أن أحبك..
حتى أعيد إلى بيروت رأسها المقطوع
وإلى بحرها معطفه الأزرق
وإلى شعرائها دفاترهم المحترقة
أريد أن أعيد لتشايكوفسكي بجعته البيضاء
ولبول إيلوار مفاتيح باريس
ولفان جوخ زهرة دوّار الشمس
ولأراگون عيون إلزا
ولقيس بن الملوح أمشاط ليلى العامرية…
أريدك أن تكوني حبيبتي
حتى تنتصر القصيدة على المسدس الكاتم للصوت..
وينتصر التلاميذ
وتنتصر الوردة..
وتنتصر المكتبات على مصانع الأسلحة…
أريد أن أحبك..
حتى أستعيد الأشياء التي تشبهني
والأشجار التي كانت تتبعني..
والقطط الشامية التي كانت تخرمشني
والكتابات التي كانت تكتبني..
أريد.. أن أفتح كل الجوارير
التي كانت أمي تخبّئ فيها
خاتم زواجها..
ومسبحتها الحجازية..
التي بقيت تحتفظ بها
منذ يوم ولادتي..
كل شيء، يا سيدتي
دخل في (الكوما)
فالأقمار الصناعية
انتصرت على قمر الشعراء
والحاسبات الإلكترونية
تفوّقت على نشيد الإنشاد..
وبابلو نيرودا…
أريد أن أحبك، يا سيدتي..
قبل أن يصبح قلبي
قطعة غيار تباع في الصيدليات
فأطباء القلوب في (كليفلاند)
يصنعون القلوب بالجملة
كما تُصنع الأحذية….
السماء، يا سيدتي، أصبحت واطئة..
والغيوم العالية أصبحت تتسكع على الأسفلت..
وجمهورية أفلاطون،
وشريعة حمورابي،
ووصايا الأنبياء،
صارت دون مستوى سطح البحر
ومشايخ الطرق الصوفية نصحوني
أن أحبك..
حتى ترتفع السماء قليلاً….
نزار قباني
نزار قباني، ديبلوماسي، وشاعر، وناشر سوري، وُلِد في 21 مارس 1923 في دمشق، وتوفي في 30 أبريل 1998 في لندن. يعتبر أحد أبرز الشعراء العرب وأكثرهم جدلاً في العصر الحديث. حصل على شهادة الثانوية من المدرسة العلمية الوطنية بدمشق، ثم التحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية. كان يتقن اللغة الإنجليزية، خاصةً أنه تعلمها بأسلوبها الأصلي خلال فترة عمله كسفير لسوريا في لندن بين عامي 1952-1955.
الحالة الاجتماعية لنزار قباني
تزوج نزار قباني مرتين في حياته، الأولى من سيدة سورية تُدعى زهرة، وأنجب منها ابنيه هدباء وتوفيق. توفي توفيق بمرض القلب وهو في السابعة عشرة من عمره كان طالبًا في كلية الطب بجامعة القاهرة، وقد رثاه نزار بقصيدة شهيرة بعنوان: “الأمير الخرافي توفيق قباني”، كما أوصى أن يُدفن بجواره بعد موته. المرة الثانية كانت من بلقيس الراوي، عراقية الجنسية، التي قُتلت في انفجار السفارة العراقية ببيروت عام 1982، وترك رحيلها أثرًا نفسيًا سيئًا في حياة نزار، ورثاها بقصيدة تحمل اسمها، وقد ألقى باللوم على الوطن العربي بكامله في قتلها. وله منها ولد يُدعى عمر وابنة تُدعى زينب. بعد وفاة بلقيس، رفض نزار أن يتزوج مرة أخرى، وعاش سنوات حياته الأخيرة في شقة بالعاصمة الإنجليزية وحيدًا.
شعر نزار قباني
بدأ نزار كتابة الشعر في سن 16 عامًا، وأصدر أول دواوينه “قالت لي السمراء” عام 1944، بينما كان لا يزال طالبًا في كلية الحقوق، وقد قام بطباعته على نفقته الخاصة. لديه عدد كبير من دواوين الشعر تصل إلى 35 ديوانًا كتبها على مدار أكثر من نصف قرن، ومن أهمها “طفولة نهد، الرسم بالكلمات، قصائد، سامبا، أنت لي”. بالإضافة إلى عدد كبير من الكتب النثرية، مثل: “قصتي مع الشعر، ما هو الشعر، 100 رسالة حب”.
غناء أشعار نزار قباني
على مدى أربعين عامًا، كان المطربون الكبار يتنافسون للفوز بقصائد نزار، ومن بين أهم المغنين الذين غنوا له:
- أم كلثوم: غنّت له قصيدتين هما: “أصبح عندي الآن بندقية، رسالة عاجلة إليك”.
- عبد الحليم: غنّى قصيدتين هما: “رسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان”.
- نجاة: غنّت له: “ماذا أقول له، كم أهواك، أسألك الرحيل”.
- فايزة أحمد: قصيدة واحدة هي: “رسالة من امرأة”.
- فيروز: غنّت له: “وشاية، ولا تسألوني ما اسمه حبيبي”.
- ماجدة الرومي: غنت له 3 قصائد هي: “بيروت يا ست الدنيا، مع الجريدة، وكلمات”.
- كاظم الساهر: غنّى 4 قصائد هي: “إنّي اخترتك فاختاري، زيديني عشقاً، علّمني حبّك، مدرسة الحب”.
- أصالة: غنّت له قصيدة “اغضب”.
أهم أعمال نزار قباني
- هل تسمعين صهيل أحزاني؟
- مئة رسالة حب.
- قالت لي السمراء.
- قاموس العاشقين.
- الرسم بالكلمات.
- أنت لي.
- أحبك والبقية تأتي.
وفاة نزار قباني
بعد مقتل بلقيس، ترك نزار بيروت وتنقل بين باريس وجنيف، حتى استقر به المقام في لندن، حيث قضى السنوات الخمسة عشر الأخيرة من حياته. ومن لندن، كان نزار يكتب أشعاره ويثير الجدل، خاصةً قصائده السياسية خلال فترة التسعينات، مثل: “متى يعلنون وفاة العرب، والمهرولون، والمتنبي، وأم كلثوم على قائمة التصدير”. وتوفي في لندن عام 1998 عن عمر يناهز 75 عامًا.
فيديو عن درجات الحب
شاهد الفيديو لتعرف ما هي درجات الحب: