إسهامات العلماء المسلمين في مجالات الطب
لقد لعب العلماء المسلمون دوراً بارزاً في مجال الطب، حيث لم يقتصروا على تقليد الآخرين، بل مارسوا الترجمة والنقل والتجربة والابتكار. كانت معرفتهم قائمة على التجربة والاختبار والملاحظة المتكررة، مستندين في ذلك إلى الشريعة ودراسة الاحتمالات، مما ساعدهم على تطوير معارفهم حتى حققوا منافع جليلة وجميلة.
اعتبر هؤلاء العلماء الطب علماً مقدساً يرتبط بحماية الإنسانية، والعمل على الحفاظ على النفس التي أمر الله -سبحانه وتعالى- بحفظها. ولهذا السبب، ابتعدوا عن الطمع بمنافع مادية، واشترطوا أن يكون الطبيب ذو مظهر حسن، ونظيف، وذو رائحة طيبة، ومتمسكاً بالقيم الدينية، ويعمل وفقاً لأحكام الشريعة.
في الوقت الذي كانت فيه أوروبا لا تعرف سوى الشعوذة والتعاويذ حتى القرن الثاني عشر الميلادي، كان الأطباء في العالم الإسلامي ينتشرون بكثرة، ويحظون باهتمام الحكومات الإسلامية وتقدير المجتمعات. وقد كان لهم قدرة فائقة ومساهمات هامة في تطور علم الطب.
تطور علوم الطب في عصر النهضة الإسلامية
شهدت علوم الطب تحولاً حقيقياً في بداية عصر النهضة الإسلامية في الأندلس والعراق والشام، ومن أبرز إسهاماتهم في هذا الصدد:
- تطوير الفحص السريري من خلال استفسار المريض عن حالته وفحص التنفس والبول، وتشخيص الأمراض بناءً على لون الجلد وملتحمة العين.
- تأسيس المستشفيات، حيث أنشأ عبد الملك بن مروان أول مستشفى في دمشق عام 88 هـ.
- تأسيس مدارس لتعليم الطب أثناء الدولة العباسية في البصرة والكوفة وبغداد ودمشق، حيث كانت هذه المدارس فريدة من نوعها في تلك الفترة.
- وضع قواعد لتخصص طب العيون، وتأليف كتب حول هذا الموضوع، مثل “المنتخب في علم طب العين وعللها ومداوتها” لعمار بن علي الموصلي.
- وضع أسس علم الجراحة وتنفيذ العمليات الجراحية في البطن والجهاز البولي وشق الصدر لعلاج الأوعية الدموية ووقف النزيف.
إسهامات العلماء المسلمين في مجال الفلك
جاء الاهتمام بعلم الفلك عند المسلمين من الأمر الإلهي بالتفكر في خلق السماوات والأرض، وكان لبغداد دور كبير كمركز علمي لهذا العلم، حيث انتشرت المراصد الفلكية لاحقاً في دمشق والقاهرة وسمرقند وقرطبة.
توجد أهم مدارس الفلك في بغداد والقاهرة والأندلس، حيث كان الخلفاء العباسيون يشجعون دراسة الفلك والرياضيات والعلوم المختلفة. وقد قاموا بترجمة كتب إقليدس وأرشميدس وبطليموس، وعملوا على ترجمة عديد من النصوص اليونانية. كما قاموا بتحديد ساعات اليوم، ووقت الاعتدال الشمسي، وطول السنة بدقة، وقياس خط نصف النهار، والعديد من الاكتشافات الأخرى.
من أبرز علماء الفلك المسلمين، محمد بن جابر البتاني الذي كتب “الزيج الصابئ”، الذي يُعتبر من أفضل المؤلفات في علم الفلك في عصره. كما كانت لابناء موسى بن شاكر الثلاثة في القرن التاسع الميلادي إسهامات مميزة في تحديد الاعتدالات الصيفية والشتوية، ووضع تقاويم لمواقع النجوم.
إسهامات العلماء المسلمين في الكيمياء
يُعتبر علم الكيمياء من العلوم الهامة التي طوّرها المسلمون، حيث اعتمدوا على التجربة والملاحظة الدقيقة. ومن أبرز إنجازاتهم في هذا المجال:
- اختراع تقنيات التصفية، والتبخير، وعمليات التقطير والترشيح.
- اكتشاف بعض المركبات الكيميائية، مثل الكحول من المواد السكرية والنشوية.
- اكتشاف القلويات، والنشادر، ونترات الفضة، وحامض الطرطير.
- تحضير حامض الكبريتيك، وحامض النتريك، والماء الملكي (حامض النتر وهيدروكلوريك).
- تحضير ماء الذهب، والصودا الكاوية، وكربونات البوتاسيوم وكربونات الصوديوم.
- استخدام مواد مثل الزرنيخ والإثمد في صناعة الأدوية والأصباغ.
أثر علم الكيمياء عند المسلمين في العلوم الأخرى
إن الإنجازات التي حققها المسلمون في الكيمياء تعتبر أساسياً في الصناعات الحديثة، حيث تم استخدام علم الكيمياء في مجالات الطب، والصناعات المختلفة، وصنع العقاقير، وتركيب الأدوية، وتنقية المعادن، وتحضير الروائح العطرية، ودبغ الجلود.
إسهامات العلماء المسلمين في الرياضيات
أبدى العلماء المسلمون اهتماماً خاصاً بعلم الرياضيات، وخصوصاً علم الجبر، حيث يُنسب إليهم اكتشافه. وقد كلف المأمون في القرن التاسع الميلادي محمد بن موسى الخوارزمي بكتابة كتاب في الجبر، الذي تُرجِم لاحقاً وأصبح مرجعاً أساسياً للأوروبيين في هذا المجال. وفيما يلي بعض إسهاماتهم في الرياضيات:
- إدخال المماس في علم المثلثات، وهو الخط الذي يلامس المثلث عند نقطة معينة.
- استخدام الجيوب بدلاً من الأوتار.
- تطبيق علم الجبر على الهندسة.
- حل المعادلات المكعبة والتعمق في دراسة المخروطات.
- حساب المساحات والأحجام لأشكال هندسية معينة.