قصائد شعرية تمتدح الآخرين

قصيدة مدح بني المهلب

يقول الفرزدق:

لأمدحَن بني المهلب مدحةً

غراءً ظاهرةً على الأشعارِ

مثل النجوم، أمامها قمرٌ لها

يجلو الدجى ويضيء ليل الساري

ورثوا الطعان عن المهلب والقرى

وخلاقاً كـتدفُق الأنهارِ

أما البنون، فإنهم لم يورثوا

كتراثه لبنيه يوم فخارِ

كل المكارم عن يديه تقسموا

إذ مات رزق أرامل الأمصارِ

كان المهلب للعراق سكينةً،

وحيا الربيع ومعقل الفرارِ

كم من غنى فتح الإله لهم به

والخيول مقعيّة على الأقطارِ

والنبل ملجمة بكل محدرجٍ

من رجل خاصةً من الأوتارِ

أما يزيد، فإنه تأبى له

نفس موطّنةٌ على المقدارِ

ورادةٌ شعب المنية بالقنا،

فيدُر كل معاند نعّارِ

شعب الوطين بكل جائشةٍ لها

نَفَثٌ يجيش فمه بالمِسْبارِ

وإذا النفوس جشأن طامن جأشها

ثقةً بها لحماية الأدبارِ

إني رأيت يزيد عند شبابه

لبس التقوى ومهابة الجبّارِ

ملكٌ عليه مهابة الملك التقى

قمر التمام به وشمس نهارِ

وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم

خضعَ الرقاب نَوَاكِسَ الأبصارِ

لأغرٍ ينحجب الظلام لوجهه

وبه النفوس يَقَعْنَ كل قرارِ

أيزيد إنك للمُهلب أدركتْ

كفّاك خيرَ خلاقِ الأخیارِ

ما من يدي رجلٍ أحقّ بما أتَى

من مكرمات عظامِ الأخطارِ

من ساعدين يزيد يقدح زندَه

كفّاهما وأشدّ عَقدٍ جوارِ

ولو أنها وُزنت شَمامِ بحلمه

لأمال كل مقيمٍ حَضْجارِ

ولقد رجعتَ وإن فارسَ كلّها

من كُردها لخَوائِفُ المِرارِ

فتركتَ أخوفها وإن طريقَها

لَيَجُوزَهُ النبطيّ بالقنطارِ

أما العراق فلم يكن يُرجَى به،

حتى رجعتَ، عواقب الأطهارِ

فجمعتَ بعد تفرقٍ أجنادهُ

وأقمتَ ميل بنائهِ المُنهارِ

وليَنزِلَنْ بجيل جيلي الذي

ترَكَ البحيرةَ، مُحصَدَ الأمرارِ

جيشٌ يسير إليه ملتمس القرى

غصباً بكل مسوّمٍ جَرّارِ

لَجِبٍ يضيق به الفضأُ إذا غدوا

وأرى السماء بغابةٍ وغبارِ

فيه قبائلُ من ذوي يمنٍ له

وقُضاعة بن معدّها ونزارِ

ولئن سلمت لتعطفن صدورَها،

للتُركِ، عِطفة حازمٍ مغوارِ

حتى يرى رتبيل من غارةٍ

شعواءَ غيرَ تَرجم الأخبارِ

وطئَتْ جِيادُ يزيد كل مدينةٍ

بين الرُدُمِ وبين نخل وبارِ

شعثاً مسوّمَةً، على أكتافها

أُسْدٌ هواسِرُ للكُمَاةِ ضوارِ

ما زالَ مذْ عقدَتْ يداه إزارهُ

فدنَا فأدركَ خمسةَ الأشبارِ

يدني خوافقَ من خوافقَ تلتقي

في كل مُعتبَطِ الغبارِ مُثَارِ

ولقد بَنى لبني المهلب بيتهمْ

في المجد أطول ذرعٍ وسواري

بُنيت دعائمُهُ على جبلٍ لهمْ

وعلت فوارعهُ على الأبصارِ

تلقى فوارسَ للعتيك كأنهم

أُسْدٌ قطعن سَوَابِلَ السفّارِ

ذكرينِ مرتدفين كل تقلّصٍ

ذكرٍ شديد إغارةٍ الإمْرارِ

حملوا الظُّباتِ على الشؤون وأقسموا

ليُقنعُن عمامةَ الجبّارِ

صرعوه بين دكادِكٍ في مزحفٍ

للخيل يُقحِمُهُنّ كل خبارِ

متقلدي قلعِيّةٍ وصوارمٍ

هنديةٍ، وقديمةِ الآثارِ

وعواصلٍ عسلَ الذئابِ كأنها

أشطانٌ بائنةٌ من الآبارِ

يقصمن إذ طعنوا بها أقارنهم

حَلَقَ الدروعِ وهن غيرُ قصارِ

تلقى قبائل أُمّ كل قبيلةٍ

أمُّ العتيك بناتقٍ مذكارِ

ولدتْ لأزهر كل أصيدٍ يبتني

بالسيف يوم تعانق وكرارِ

يحمي المكارم بالسيوف إذا علا

صوتُ الظبات يطرن كل شرارِ

من كل ذات حبائكٍ ومفاضَةٍ

بيضاء سابغةً على الأظفارِ

إن القصور بجيل جيلان التي

أعيت معاقلها بني الأحرارِ

فتحتْ بسيف بني المهلب، إنها

لله عادَتُهم على الكفّارِ

غلبوا بأنهم الفوارسُ في الوغى

والأكثرون غداةَ كل كثارِ

والأحلَمونَ إذا الحُلوم تهزّهزتْ

بالقوم ليس حلومهم بصغارِ

والقائدونَ إذا الجياد تروحَتْ

ومضين بعد وجىً على الحِزْوارِ

حتى يَرِعْنَ وهن حول مُعَمّمٍ

بالتاجِ في حلقِ الملوكِ نُضَارِ.

قصيدة مديحك خير مدح المادحين

يقول إبراهيم الأسود:

مديحك خير مديح المادحينا

وشكرك واجب ديناً ودینا

كأنّا والقوافي زاهرات

نفوق بها نظام الأولينا

وصغنا في مديحك من نجوم

سوائر مثلها عقداً ثميناً

ولكنّا وإن فَقنا الأوائل

ووصفك فاق وصف الواصفينا

فلم نبلغ مدى لك في الأعالي

فأنا عن مداك مقصرونا

ملأت جوانب الدنيا وقاراً

وكم علمتنا الحق المبيناً

فلولا نور علمك ما اهتدينا

ولولا غيث فضلك ما روينا

نزلت بمنزل الأرواح منا

وحل الرفق يوم حللت فينا

وكنت على الزمان لنا معيناً

وكان نداك للعافي معيناً

ألا سرح لحاظك في سراة

إليك لقد سعوا متيمنينا

ترى الأبصار حولك شاخصات

وهم غير الرضى لا يبتغونا

بنو لبنان هزّهم اشتياق

فطافوا في حماك مسلمينا

كما خفت بنو بيروت تبغي

رضاك فمد نحوهم اليمينَ

فدم للبطركية بدر ثم

ولم تبرح لها حصناً حصينا.

قصيدة أعيذك من هجاء بعد مدح

يقول الشريف الرضي:

أُعِيذُكَ مِنْ هِجَاءٍ بَعْدَ مَدْحِ

أعِيدُكَ مِنْ هِجَاءِ بَعْدَ مَدْحِ

فعذني من قتال بعد صلح

منحتك جل أشعاري فلما

ظفرت بهن لم أظفر بمنح

كبَا زَنْدِي بحَيْثُ رَجَوْتُ مِنْهُ

مساعدة الضياء فخاب قدح

وكنت مضافري فثلمت سيفي

وكنت معاضدي فقصفت رمحي

وكنت ممنعاً فاذل داري

دخولك ذل ثغر بع فتح

فيا ليثاً دعوت به ليحمي

حماي من العدى فاجتاح سرحي

ويا طِباً رجوت صلاح جسمي

بكَفّيْهِ، فَزَادَ بَلاءَ جُرْحي

ويا قمراً رجوت السير فيه

فَلَثّمَهُ الدُّجَى عَنّي بِجِنْحِ

سأرمي العزم في ثغر الدياجي

واحدو العيس في سلم وطلح

لبشرِ مصَفَّقِ الأخلاقِ عذبٍ

وجود مهذب النشوات سمح

وَقُورٍ ما استَخَفّتْهُ اللّيالي

ولا خدعتْهُ عن جدٍ بمزحِ

اذا ليل النوائب مد باعاً

ثَنَاهُ عَنْ عَزِيمَتِهِ بِصُبْحِ

وان ركض السؤال إلى نداه

تَتَبّعَ إثْرَ وَطْأتِهِ بِنُجْحِ

وأصرِفُ همّتي عن كل نكسٍ

أمَلَّ عَلى الضّمَائِرِ كُلَّ بَرْحِ

يهددني بقبح بعد حسن

ولم أرَ غير قُبْحٍ بَعْدَ قُبْحِ.

قصيدة مدح الأمير فتى شهابٍ خالد

يقول إبراهيم الأسود:

مدح الأمير فتى شهابٍ خالد

سأزين فيه ما حييت قصائدي

متفرع من دوحة كم أنجبت

من أروع حر كريم ماجد

من بيت مخزوم وهم من نبغة

قرشية تعزى لخير محاتد

تمشي أواخرها على خطوات ما

شاد الأوائل من علا ومحامد

آثارهم يروي الزمان حديثها

وهو الصحيح وما لها من جاحد

ورثوا الإمارة كابراً عن كابر

والألمعية طارفاً عن تالد

إن كان في ذا العصر خالدهم فكم

فيهم فتى جم الفخار كخالد

سل عنه لبناناً فكم من شاكر

فيه صنائعه وكم من حامد

وإذا سألت البرلمان فكم ترى

منه على أخلاقه من شاهد

يجلو بحكمته وصائب رأيه

فيه ظلام مصادر وموارد

أحببت منه كاللجين شمائلاً

ومآثراً كلئالئ وفراقد.

قصيدة لقينا يوم صهباء سريه

يقول عنترة بن شداد:

لقينا يوم صهباء سريّة

حناظلةً لهم في الحرب نِيّة

لقيناهُم بأسيافٍ حِدادٍ

وأُسدٍ لا تَفِرُّ مِنَ المَنِيَّة

وكان زعيمهم إذ ذاك ليثاً

هِزَبرًا لا يُبالي بالرَزِيّة

فَخَلَّفناهُ وسط القاع مُلقىً

وها أَنا طالِبٌ قَتْلَ البَقِيّة

ورحنا بالسيوفِ نسوقُ فيهِم

إلى رَبَوات مُعضِلَةٍ خَفِيّة

وَكَم مِن فارِسٍ مِنهُم تَرَكنا

عليه من صوارمِنا قَضيّة

فوارسُنا بنو عبسٍ وإنا

لُيوثُ الحرب ما بَينَ البَرِيّة

نُحسن الطعنَ بالسُمُرِ العَوالي

ونَضرِبُ بالسيوفِ المشرَفِيَّة

ونُنعِلُ خيلَنا في كُلِ حربٍ

من السادات أَقحافاً دميّة

ويومَ البذل نُعطي ما مَلَكنا

من الأموال والنعَمِ البهيّة

ونحنُ العادلونَ إذا حكمنا

ونحنُ المشفقونَ على الرعيّة

ونحنُ المنصفونَ إذا دُعينا

إلى طعنِ الرماح السَمهريّة

ونحنُ الغالبونَ إذا حمَلنا

على الخيل الجِياد الأَعَوَجِيّة

ونحنُ الموقِدونَ لكلِ حربٍ

ونصلاها بأفئدةٍ جَرِيّة

ملأنا الأرض خَوفاً من سَطانا

وهابَتنا الملوكُ الكِسرَويّة

سَلوا عَنّا دِيَارَ الشامِ طُرَّاً

وَفُرسانَ الملوكِ القَيصَرِيَّة

أنا العبدُ الذي بِدِيَارِ عَبسٍ

رَبيتُ بعِزَّةِ النفس الأَبِيّة

سَلوا النعمانَ عَنّي يومَ جاءت

فُوارسُ عُصبةِ النار الحَمِيّة

أَقمتُ بصارمي سوقَ المَنايا

وَنِلتُ بِذابِلي الرُتَبَ العَلِيَّة

قصيدة بسيفك يعلو الحق والحق أغلب

يقول أحمد شوقي:

بسيفكَ يعلو الحَقُّ والحَقُّ أغلبُ

وَيُنصَرُ دينُ اللَهِ أَيّانَ تَضرِبُ

وما السيفُ إِلّا آيَةُ المُلكِ في الوَرى

ولا الأمرُ إِلّا لِلَّذي يَتَغَلَّبُ

فَأدِّب بِهِ القومَ الطُغاةَ فإنّهُ

لَنِعمَ المَرَبي للطغاةِ المُؤَدِّبُ

وداوِ بِهِ الدولاتِ من كُلِ دائِها

فَنِعمَ الحُسامُ الطِبُّ والمُتَطَبِّبُ

تنامُ خُطوبُ المُلكِ إن باتَ ساهِراً

وَإِن هُوَ نامَ استَيقَظَت تَتَأَلَّبُ

أَمِنّا اللَيالي أن نُراعَ بِحادِثٍ

وَأَرمينيا ثَكلى وحَورانَ أَشيَبُ

ومملكةُ اليونانِ مَحلُولَةُ العُرى

رَجاؤُكَ يُعطيها وخوفُكَ يُسلَبُ

هَدَدتَ أميرَ المُؤمِنينَ كيَانَها

بِأَسطَعَ مِثلِ الصُبحِ لا يتَكَذَّبُ

ومازالَ فَجراً سيفُ عُثمانَ صادقاً

يُساريهِ من عالي ذَكائِكَ كَوْكَبُ

إذا ما صَدَعتَ الحادِثاتِ بِحَدِّهِ

تَكَشَّفَ داجي الخَطبِ وإِنجابَ غَيهَبُ

وهابَ العِدا فيهِ خِلافَتَكَ الَّتي

لَهُم مَأرَبٌ فيها ولِلَّهِ مَأرَبُ

سما بِكَ يا عَبدَ الحَميدِ أُبُوَّةٌ

ثَلاثونَ خُضّارُ الجَلالَةِ غُيَّبُ

قَياصِرُ أحيانًا خَلائِفُ تارَةً

خَواقينُ طَوراً والفَخارُ المُقَلَّبُ

نُجومُ سُعودِ المَلكِ أَقمارُ زُهرِهِ

لَوَ أَنَّ النُجومَ الزُهرَ يَجمَعُها أَبُ

تَواصَوا بِهِ عَصراً فَعَصراً فَزادَهُ

مُعَمَّمُهُم مِن هَيبَةٍ والمُعَصَّبُ

هُمُ الشَمسُ لَم تَبرَح سَماواتِ عِزِّها

وفينا ضُحاها والشُعاعُ المُحَبَّبُ

نهضتَ بِعَرشٍ ينهَضُ الدَهرُ بِهِ

خُشوعاً وَتَخشاهُ اللَيالي وَتَرهَبُ

مَكينٍ عَلى مَتنِ الوُجودِ مُؤَيَّدٍ

بِشَمسِ استواءٍ مالَها الدَهرَ مَغرِبُ

تَرَقَّت لَهُ الأَسواءُ حَتّى ارْتَقَيتَهُ

فَقُمتَ بِها في بَعضِ ما تَتَنَكَّبُ

فَكُنتَ كَعَينٍ ذاتِ جَريٍ كَمينَةٍ

تَفيضُ عَلى مَرِّ الزَمانِ وَتَعذُبُ

مُوَكَّلَةٍ بالأَرضِ تَنسابُ في الثَرى

فَيَحيا وَتَجري في البلادِ فتُخضِبُ

فَأَحيَيتَ مَيتاً دارِسَ الرَسمِ غابِراً

كَأَنَّكَ فيما جِئتَ عيسى المُقَرَّبُ

وشدتَ مَناراً للخلافةِ في الوَرى

تُشَرِّقُ فيهِم شَمسُهُ وَتُغَرِّبُ

سَهِرتَ وَنامَ المُسلِمونَ بِغَبطَةٍ

وَمَا يُزعِجُ النُوّامَ وَالساهِرُ الأَبُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top