أرغب في نسيانكم ولكن قلبي يرفض
أريدُ نسيانكم لكن قلبي يأبى،
وعتابكم يملؤني بالكآبة.
وأنا أفتقدكم، فيجرفني النعاس،
ويحيطني الظلام ألمًا وحزنًا.
وكلما رأيت شيئًا جميلاً،
يرتفع شوقي وتتوجع روحي.
أشكو من عذابي بسبب حبكم،
وأُكافئكم بالحب العذب.
وأعرف أن عادتكم الفراق،
فلماذا أردتُ أن أجعل الحب عادة؟
وربما كان الشكوى كما العيش،
وتمتلئ النفس بطلب العتب.
هل تكافئني على قربك بالهجر؟
لقد عاتبتك بالحب، ولقد كان يكفيك اعتذار.
كل مزايا الناس يعود ذنبًا،
إذا ما اعتُبر الفراق ذنبًا.
لقد استقبلت حبك بعيني وقلبي،
فقد دعتني عيني وأذعن قلبي.
وأنت من جمال الخلق مثال،
فديتك، لأنك في قلبي، هناك.
أحبك عندما تسير بتفاخر،
وأخشى أن يصبح الفخر عادة.
وقالوا: في البديل رضا وروح،
لقد سعيت إلى البديل، فوجدته صعبًا.
وراجعت الرشاد آملاً أن أشفى،
فما بالي مع السلوى أُعاني.
إذا لم تذهب الهموم بالكأس،
فقد قُدرت يد الساقي وضاعت.
على أنني أكرم من يشربها،
وأنا أسمى من كؤوس الدير.
ولي نفسٌ تفيض بالفرح كزهرة الورد،
ندعها تتميز بالندى.
مرقدكِ قد هجركِ وأشتاق لك
مرقدكِ قد هجركِ،
وأنا أفتقدك وأنتِ بعيدة.
قلبي حائر ومعذّب،
وجفني متألم.
ذهب حرفًا، إلا رمقًا،
يبقيه لديك وينفد.
تسحرني قطرات الندى،
وتذيب الصخور بأشجانها.
يتحدث إلى النجوم ويتعبه،
ويجعل الليل يمتد في الضلوع.
وأنتِ تعلمي كل نغمة،
ترددها في الدوح بهمسة.
كم قد تمادت أفكارك من السحر،
ويؤلمني وأقول ما سمع.
لعلّ تعبير شفتيك يعالج،
ولعلّ خيالكِ يعتبره راحة.
الحسن قد أقسمت بحُسن يوسف،
وفي الصورة إنكِ متفردة.
قد توددت جمالك قديمًا،
كأنك حوراء الخلد وأسراره.
تمنيت كل فرحة،
ويدها لو نشأت للإشهاد.
جحدت عيناكِ دمي الطاهر،
هل هكذا خدك ينكر؟
قد عزّ شهودي حين تهربين،
فأشرت إلى خدك لأشهد.
وهممت تجاه جيدكِ أوسعه،
فامتنع وتعفافه الصقر.
سبب لرؤيتك أمهدني،
ما بال الخصر يعقده؟
في الحب بيني وبينك،
لا يتحكم عذال في الفراق.
ما بال العاذل يفتح لي،
باب السلوى وأغلقه؟
ويقول: كأنك ستجن به،
فأقول: وأوشك أن أعبده.
مولاي وروحي بين يديه،
قد ضاعت بين أيديه.
قلب يدق له،
وأضلع تتسائل.
قسمًا بثنايا لؤلئك،
أقسم الياقوت حين يندم.
ورضاب يوعد كنهر كوتني،
مسجون بالعشق ومشاهدته.
وبخالٍ كاد يحج له،
لو كان يقبل حديقتك.
وقوامٍ يروي الغصن له،
نسبًا، والرمح يفتن دفتري.
وبخصرٍ أوهن من جلدي،
وعواصف الهجر تبعدني.
ما خنت هواك، ولا خطر بقلبي،
سلوى تلطف القلب.
يا ملاكي، كيف أشتاق إليك
يا ملاكي، كم أفتقدك وروحي فيك،
يا مأنسي قلبي لمن أشكيك؟
أشكيك لمن يقدر أن يهديك،
ويحقق أمل الصابرين.
حالي في بعدك لم يرضيك،
أين كان عقلك حين أحببتك؟
ولغير المنصف أحببت ودّك،
تنوي الفراق ورغم ذلك تشتاق.
يا قلب، ماذا فعلت بك؟
أهو سحري الذي يتجلى أم جننت؟
كيد العوازل يكافحني،
لكن اسمع، انظر.
أنت تسكن قلبي،
أو بالمعروف.
حبك يعذّبني، تعال وشاهد.
سطر العذول دائما مكشوف،
وأنا بالصبر أحقق أملي.
يا ما نسمع ونرى بكرة وبعده.
قلبكِ في حبي وشوقي إليك
قد أسرت قلبي، يا عيني،
فانظري، من ينجح في حله؟
النوم أسير بينك وبيني،
متى يأتي حتى أخبره؟
يا من تسهرني بقدرك،
تعالي لي أو أرسل لي طيفك.
تشتاقني وأنت معي،
وأنا أشتاق لك وعينيك في عينيا.
وأذلل والحق معي،
وأذهب لأعاتبك، فلا تهملي.
الدلال سجيّة وفن
يأتي الدلال سجية وتصنعاً،
وأراك في حال دلالكِ مبدعاً.
اصنع ما شئت، فما الجمال بحاكم،
حتى يُطاع على نمط الجمال.
لك أن تروعك الوشاة من الهوى،
وعليّ أن أعشق الغزال محتارًا.
قالوا: لقد سمع الغزال ممن وشّى،
وأقول ما سمع، ولا يعي.
أنا الذي يحبك في صمتك مؤنساً،
ويحب تيهك في عالمك مطمعًا.
قدّمتُ بين يدي أيام الهوى،
وجعلتها أملاً عليكِ عاجلاً.
وصدقت في حبي، فلست مفرطاً،
أن أمنح الدنيا بفضل ولا أمتنع.
يا من جرى من مقتك إلى الحب،
أصلاً، وأراكِ في وجنتيكِ مضيئاً.
الله في جهدٍ سقيت بأربع،
لو قلبوا رضا بها لتصدعوا.
أخبروا قلبي عند سلا وعودة
سلو قلبي غداة سلا وثابا،
لعل على الجمال له عتابا.
ويسأل في المستقبل ذو صواب،
فهل ترك الجمال له صوابًا؟
وكنت إذا سألت القلب يومًا،
تولى الدمع عن قلبي الجوابا.
ولي بين الضلوع دمٌ ولحم،
هم الواهي الذي ثكل الشباب قرب.
تسرب في الدموع فقلت: تولّى،
وصفق في الضلوع فقلت: ثابا.
ولو خلقت قلوبٌ من حديد،
لما حملت كما تحمل العذابا.
وأحبابٍ سقيت بهم سلافًا،
وكان الوصل من قصر حبابا.
ونادمنا الشباب على بساطٍ،
من اللذات مختلف شرابا.
وكل بساط عيشٍ سوف يطوى،
وإن طال الزمان به وطبّا.
كأن القلب بعدهم غريب،
إذا وافقته ذكرى الأهل ذابا.
ولا ينبيك عن خلق الليالي،
كمن فقد الأحبة والأصحابا.
أرى الدنيا أفعى،
تبدل كل آونة إهابًا.
وأن الرقط أيقظ هاجعات،
وأطرع في ظلال السلم نابا.
ومن عجب تشيب عاشقيها،
وتفنيهم وما برحت كعابا.
فمن يغتر بالدنيا فإني،
لبستُ بها فأبلت الثيابا.
لها ضحك الغواني إلى غبيٍ،
ولي ضحك اللبيب إذا تغابى.
جنِيتُ بروضها وردًا وشوكًا،
وذُقت بكأسها شهدًا وصابا.
فلم أَرَ غير حكم الله حكمًا،
ولم أَرَ دون باب الله بابا.
ولا عظمت في الأشياء إلا،
صحيح العلم والأدب اللطيفا.
ولا كرمت إلا وجه حر،
يقلد قومه المنن رغابا.
ولم أَرَ مثل جمع المال داء،
ولا مثل البخيل به مصابا.
فلا تقتلك شهوته وزنه،
كما تزن الطعام أو الشرابا.
وخذ لبنيك والأيام ذخراً،
وأعطِ الله حصته احتسابا.
فلوت طالعت أحداث الليالي،
وجدت الفقر أقربها انتيابا.
وأن البر خير في حياةٍ،
وأبقى بعد صاحبه ثوابا.
وأن الشر يصدع فاعليه،
ولم أَرَ خيرًا بالشر آبا.
فَرِفْقًا بالبنين إذا الليالي،
على الأعقاب أوقعت العقابا.
ولم يتقلدوا شكر الأيتام،
ولا ادّرعوا الدعاء المستجابه.
عجبت لمَعشرٍ صلوا وصاموا،
عواهِر خشيةً وتقًا كذابة.
وتلفهم حال المال صُمًّا،
إذا داعي الزكاة بهم أهابا.
لقد كتموا نصيب الله منه،
كأن الله لم يُحصِ النصابا.
ومن يعدل بحب الله شيئًا،
كحب المال ضل هوى وخابا.
أراد الله بالفقراء برًا،
وبالأيتام حبًّا وارتباكًا.
فرُبَّ صغير قومٍ علموه،
سما وحمى المسمومة العرابا.
وكان لقومهِ نفعًا وفخرًا،
ولو تركوه كان أذى وعابا.
فعلم ما استطعتَ، لعل جيلًا،
سيأتي يحدث العجب العجابا.
ولا ترهق شباب الحي يأسًا،
فإن اليأس يختارم الشبابا.
يريد الخالق الرزق اشتراكًا،
وإن يكن خص خص أقوامًا وحابا.
فما حرم المجد جنى يديه،
ولا نسي الشقي ولا المصابا.
ولولا البخل لم يهلك فريق،
على الأقدار تلقاهُمْ غضابا.
تعِبت بأهلِهِ لومًا وقبلي،
دعاة البر قد سئموا الخطابا.
ولو أني خطبت على جمادٍ،
فجرّيت به الينابيع العذابا.
ألم ترَ للهواء جرى فأفضى،
إلى الأكواخ واختراق القبابا.
وأن الشمس في الآفاق تغشى،
حِمى كسرى كما تغشى اليبابا.
وأن الماء تُروى الأُسدُ منه،
ويشفي من تلععلها الكلابا.
وسوى الله بينكم المنايا،
ووسدكم مع الرسل الترابا.
وأرسل عائلًا منكم يتيمًا،
دنا من ذي الجلال فكان قابا.
نبي البر بينه سبيلًا،
وسن خلاله وهدى الشّعابا.
تفرّق بعد عيسى الناس فيه،
فلما جاء كان لهم متابا.
وشافي النفس من نزاعات شر،
كشاف من طبائعها الذئابا.
وكان بيانه للهدي سُبلًا،
وكانت خيله للحق غابا.
وعلمنا بناء المجد حتى،
أخذنا إمرة الأرض اغتصابا.
وما نيل المطالب بالتمني،
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
وما استعصى على قوم منال،
إذا الإقدام كان لهم ركابا.
تجلى ميلاد الهادي وعمت،
بشائرُه البوادي والقُصُبَا.
وأسدَت للبرية بنت وهبٍ،
يدًا بيضاءَ طوّقت الرقباء.
لقد وضعتَه وهّاجًا منيرًا،
كما تلد السماوات الشهابًا.
فقام على سماء البيت نورًا،
يضيء جبال مكة والنقابا.
وضاعَت يثرب الفيحاء مسكًا،
وفاح القاع أرجاءً وطابا.
أبا الزهراء قد جاوزت قدري،
بمدحك لكن لي انتسابا.
فما عرف البلاغة ذو بيان،
إذا لم يتخذك له كتابا.
مدحت المالِكين فزدت قدرًا،
فحين مدحتكِ احتت سحابا.
سألت الله في أبناء ديني،
فإن تكن الوسيلة لي أجبا.
وما للمسلمين سواكَ حصنٌ،
إذا ما الضر مسهم ونابا.
كأن النحس حين جرى عليهم،
أطار بكل مملكة غُرابا.
ولو حفظوا سبيلك كان نورًا،
وكان من النحوس لهم حجابا.
بنيت لهم من الأخلاق ركنًا،
فخانوا الركن فانهدما اضطرابا.
وكان جنابهم فيها مهيبًا،
وللأخلاق أجدَرُ أن تُهابا.
فلولها لساوى الليث ذئبًا،
وساوى الصارم الماضي قِرابا.
فإن قُرنَت مكارمها بعلمٍ،
تذللتِ العُلا بهما صعابا.
وفي هذا الزمان مسيح علم،
يرد على بني الأمم الشبابا.