في هذا المقال، نستعرض آيات قرآنية تتعلق باتهام الناس بالباطل والبهتان، حيث يُستحسن لكل مسلم أن يتجنب اتهام أي شخص بالباطل.
إن هذا الفعل يحمل عقابًا جسيمًا من الله، وقد أوصانا الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بالعدل في الحكم بين الناس وعدم تجاوز حقوقهم. سنستعرض في مقالنا هذا حكم اتهام الناس بالباطل بمزيد من التفصيل.
آيات قرآنية تتعلق باتهام الناس بالباطل
قد وردت العديد من الآيات القرآنية في كتاب الله العزيز لتأكيد خطورة اتهام الناس بالباطل، وفيما يلي بعض الآيات التي تنهي عن تلك الأفعال:
- قال تعالى في سورة المائدة: “مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ”.
- وفي سورة النساء، قال الله تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتَلَا، انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا”.
- وفي سورة آل عمران، قال الله تعالى: “لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَنَقُولَنَّ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ”.
- وفي موضع آخر، قال تعالى: “وَمَن أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أَوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنَزِّلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ”.
- قال في سورة الأعراف: “وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”.
- قال تعالى: “فَمَن أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ” صدق الله العظيم.
اتهام الناس بالباطل
اتهام نوايا الآخرين
يعتبر اتهام النوايا بطريقة غير صحيحة من الأفعال اللائقة التي حذرنا منها. يجب على كل مسلم أن يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم”.
كما حذرنا الله سبحانه وتعالى من الوقوع في فخ الاتهام، كما ورد في قوله ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَن أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، مما يعني ضرورة التريث وعدم اتهام الآخرين ما لم يُظهروا نواياهم بوضوح.
اتهام أعراض الناس
تحدث الله عز وجل في كتابه المبارك عن عقوبة الذين يقذفون المحصنات ويذهبون في أعراض الناس بافترااءات باطلة، حيث إن ذلك يُعتبر من الكبائر ويستوجب عذابًا عظيمًا. قال الله عز وجل: “إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم”.
هذا يشير إلى لعن الله سبحانه وتعالى لأولئك الذين يفتكون بالنساء عبر الكذب، وعليه تجب الإحاطة بالحذر تجنبًا للاقتراب من هذه الخطيئة. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اجتنبوا السبع الموبقات”، وهو ما أكده النبي بتأكيده على أن قذف المحصنات أحد تلك السبع. لذا، يجب على كل مؤمن أن يبتعد عن هذه الأفعال السيئة.
وفي السياق ذاته، يجب على كل مسلم ومسلمة الابتعاد عن اتهام الناس بالباطل أو النميمة أو التحدث عن الغير في غيبتهم، فالله وحده هو الذي يعلم السرائر والأفعال.
البهتان وحكمه في الإسلام
يعني البهتان الافتراء أو الكذب، حيث إنه يعتبر من الظلم الأعظم وأشد المعاصي. يُشار إلى أن البهتان يعد أشد قبحًا من الكذب، وهو من كبائر الذنوب.
يجدر بالذكر أن البهتان قد يُعتبر افتراء حتى وإن كان الشخص المُستهدف موجودًا. فمن المهم أن نعلم أن الغيبة تعتبر من الكبائر، إلا أن البهتان يفوقها بكثير.
الفرق بين الغيبة والبهتان هنا هو أن الغيبة تحدث في غياب الشخص، بينما يمكن أن يحدث البهتان في وجود الشخص أو غيابه، حيث يتناول الناس في كلامهم أوصافًا ليست فيه. وبالنهاية، يُعتبر كل من البهتان والغيبة من الكبائر، ومن يغتاب الناس بالكذب يتحمل عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.
حكم اتهام الناس بالباطل
لقد حرم الله تعالى النميمة والحديث عن الناس بلا حق، وعلينا أن ننتبه لهذا الأمر كما يأنبنا الله في قرآنه الكريم.
هناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تنهى عن أفعال التقول والافتراء. كما ورد عن الله تعالى قوله: “اجتنبوا كثيرًا من الظن”.
وقد نقل عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث”.
ينبغي أن نتفهم أن البهتان يُعتبر من الكبائر، كما وصف النووي، وضرورة التحقق من الأخبار التي نسمعها. فمن الممكن أن تكون المعلومات مصدرها شخص غير جدير بالثقة، وقد يتسبب تسريب تلك الأخبار في افترااءات لاحقة.
ضوابط الحكم على الناس
لابد من إتباع بعض الضوابط قبل الحكم على الأشخاص، ومنها:
- يجب أن يكون الشخص الذي يبتغي الحكم على الآخرين عالمًا أو خبيرًا فيما يخص أحوالهم.
- التجرد لله تعالى في المواطن كافة أثناء الحكم.
- عليه أن يكون ناقدًا حقيقيًا ولديه قصد صحيح من الحكم وليس دافع للبهتان.
- ضرورة التحلي بالحكمة وعدم التعجل في الحكم.
- تجنب التجسس أو التحسس على الناس كما نهى عن ذلك ديننا.
- التزام العدل بين الأفراد في الأقوال والأفعال.
- ينبغي الحكم بناءً على ما يظهر للناس، وعدم مصادرة نوايا الآخرين.
- التأكد من صحة الأخبار والحصول على الأدلة الموثوقة.
اتهام الناس بالباطل بدون أدلة
- إن الاتهام الباطل للأشخاص بدون أدلة يعتبر من الكبائر في الإسلام.
- هذا الفعل يُسفر عن ضرر كبير للآخرين وللجماعة، ويؤدي إلى نشر الفساد والعداوة بينهم.
- قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ” (الحجرات: 12).
- هذا يُظهر أن الاتهامات التي تُبنى على الظنون دون حجة تعتبر من الإثم، ويدعو الإسلام للتحقق والتثبت قبل نشر الأقاويل أو اتخاذ أي حكم بشأنها.
لماذا شبّه الله الغيبة بأكل لحوم البشر؟
- شبّه الله تعالى الغيبة بأكل لحوم البشر في قوله: “وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ” (الحجرات: 12).
- يعكس هذا التشبيه المدان بشاعة الغيبة وقبحها في نظر الله.
- يوضح كيف أن الغيبة تُعد اعتداءً على كرامة الآخر، تمامًا مثل أكل اللحم الميت، وهو عمل ينفر النفس ويدعو للاحتقار.
دعاء كفارة الغيبة والنميمة
من أفضل ما يمكن الدعاء به عند التوبة من الغيبة والنميمة هو الاستغفار والدعاء للمستهدف، ومن أبرز الأدعية:
- “اللهم اغفر لي ولمن اغتبته، واجعلني من الذين يحفظون ألسنتهم عن الغيبة والنميمة، واجعلني من التائبين إليك يا أرحم الراحمين”.
- “اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من كل ذنب، وأعتذر إليك ممن اغتبته، فاغفر لي وله، وأجرني وأجره من كل سوء”.