قصائد مختارة من الشعر الأندلسي

قصيدة إذا لم تجد إلا الأسى لك صاحبًا

يقول ابن شهيد:

إذا لم تجد إلا الأسى رفيقًا

فلا تمنع الدموع أن تسكب بحرقة

سقطت شمس من التقوى بوفاة أبي العباس

وأصبح شهاب الحق في الغياب حائرًا

ظننا أن من نادى حقيقتًا بمماته

لعظمة الذي أنقذ من الفاجعة مخدوعًا

واعتقدنا أن صباح الفرج جاء ليلاً، وكأننا

نزلنا إلى مظلة من الحزن ضائقًا

فقدنا الهالة عند الغياب، ورغم ذلك

فقدناك يا أعظم البرية صوتًا بكاءً

لم تذهب عند دخولك القبر، بل

ولكن إسلامنا قد ابتعد مخلفًا غائبًا

وعندما أصرّ على أن يتحمل وحده

أعطيناه أعناق الكرام وسيلة

يتقدم به النعش الأغر وحوله

أقارب لهم بالمصاب يراكضون

عليه يتحدث صوت الملائكة

تصافح شيخًا ذاكرًا الله متذكرًا

تخيل جموع الناس حول ضريحه

مختلطين كقطا هاربًا من الشريعة

فمن يملك فصل القول ليشرق نوره

إذا عزمنا على مواجهة الأعداء الأشاوس

ومن يربي المسلمين ويعتني بهم

إذا كانت الناس تخدعهم برؤى كاذبة

فيا أسف قلبي، آه حطمت أضلع قلبي

ذهب مدافعنا عنا ضد نوائب

ومات الذي غاب الفرح عند وفاته

فليس من العائد رغم طول المسير

كان عظيمًا يحضر الجمع حوله

ولقد كان رئيس الكتيبة خائفًا أمامه

وذاك الكلام حاد كسيف بشكل صارم

يحمي عن الدين بل يحارب به

يا أبا حاتم، تريث حتى تصبر، فإنني

شاهدت أن الجميل في الصبر له حلاوة

وما زلت بيننا تثير قلق الدهر

وصعبًا به أتوصل لأخبار المصائب

سأستعطف الأيام لكي تساعدني

لعلها تكون لصحة ذاك الجسد سعيًا.

قصيدة كفاني شكوى أن أرى المجدَ شاكيًا

يقول ابن خفاجة:

كفاني شكوى بأن أرى المجد شاكياً

وحسب الرزايا أن تراني باكيًا

أداري قلبًا، يصدع الصدر بأنين،

ورجوع أنين يحلب الدمع ساكنًا

وكيف أستطيع الخلاص من نارٍ وجدتها

له صادراً عن منهل الماء صادرًا

وها أنا أواجه الليالي بملئها

خطوباً وأنطق بالعويل الليالي

تطوي على قلوب الجروح عواصفًا

توالت رزايا لا ترى الدمع شافياً

ضمانٌ عليها أن ترى القلب خافقًا

طوال الليالي أو ترى الطرف داميًا

وأن صفاء الود والعهد بيننا

يكره لي أن أستمتع بالماء الصافي

وكم قد لحظتني العاذلات جهالة،

ويأبى المعنى ألا يطيع الباحي

فقلت لها: إن البكاء هو الراحة،

به يشتفي من ظن أنه لا يتلاقى

ألا إن دهراً قد انتزع شبابي

وصحبي لدهرٍ قد انتزع المآسي

وقد كنت أهدي المدح، في بلد غريبة،

فكيف بإهدائي إليه المراثيا

أأحباؤنا بالعادتين صممتم،

بحكم الليالي أن تجيبوا المنادي

فقيدت من شكوى، وأطلقت عبرتي،

كمن خفّضت صوتي هناك شاكياً

وأكبرت خطبًا أن أرى الصبر باليًا،

وراء ظلام الليل والنجم خافياً

وإن عُطلت النادي به من حلاكُم،

وكان على عهد التفاوض حاضراً

وما كان أحلى مقتضى ذلك الجنى،

وأحسن تلك المرامي مرامياً

وأندى محيا ذلك العصر مطلاً

وأكرم نادي ذلك الصحب ناديًا

زمانٌ تولى بالمحاسن عاطر،

تكاد لياليه تسيل غوالياً

تقضى وألقى بين جنبي لوعة

أبكي بها، أخرى الليالي، البواكي

كأني لم أنس إلى اللهو ليلةً

ولم أتصفح صفحة الدهر راضية

ولم أستقبل الريح تندى على الحشايا،

شذاءً ولم أطرب إلى الطير شادياً

وكانت تحايانا، على القرب والنوى،

تطيب على مر الليالي تعاطياً

فهل من لقاء معرّض، أو تحيّة

مع الركب يغشى أو مع الطيف سارياً

فها أنا والرزاء تقرع مروة

بصدري وقلبًا بين جنبي حانيا

أحن إذا ما عَسعَس اللّيل حنة

تذيب الحوايا أو تفض التراقي

وأرخِص أعلاق الدموع صبابة،

وعهدي بأعلاق الدموع غوالياً

فما بنت أيكٍ بالعراء مرنة

تنادي هديلاً قد أضلته نائبا

وتندب عهداً قد تقضّى برامة

ووكراً بأكناف المشقر خالياً

بأخفق أحشاءً وأنبا حشية

وأضرم أنفاسًا وأندى مآقياً

فهل قائلٌ عني لوادٍ بذي الغضا

تأرّج مع الأمساء حُيّيت واديًا

وعلّل بريّا الرند نفسًا عليلة،

مع الصبح يندى، أو مع الليل هادياً

فكم شاقني من منظرٍ فيك رائقٍ

هزّزت له من معطف السكر صاحية

وضحكني ثغر الأقاحي ومبسم

فلم أدرِ أي بانٍ ثم أقاحي

ودون حلى تلك الشباب الشيب،

جلبت بها غمّاً ولم أكن خالياً

وإن أجدى الوجد وجد بأشمطٍ،

تلدد يستقري الرسوم الخواليا

واهفُ صبا نجدٍ به طيب نفحة،

فيلقى صبا نجد بما كان لاقياً

فقُل لليالي الخيف: هل من معرّجٍ

علينا ولو طيفاً سقيت لياليا

وردّد بهاتيك الأباطح والرّبَى

تحيّة صب ليس يرجو التلاقي

فما أستسيغ الماء، يَعذُب ظامئاً،

ولا أستطيب الظلّ، يبرُد ضاحياً.

قصيدة الحقُ أبلجُ واضحُ المنهاجِ

يقول ابن عبد ربه:

الحقُ أبلجُ واضحُ المنهاجِ

والبدر يُشرقُ في الظلام الداجي

والسيف يعدل مايل كل مخالفٍ

عميت بصيرته عن المنهاج

وإذا كانت المعاقل أُرتجت أبوابها

فالسيف يفتح قفل كل رتاج

نشر الخليفة للخلافة عزيمةً

طوت البلاد بجحفلٍ ريجاج

جيشٌ يلفّ كتائب بكتائبٍ

ويضمّ أفواجاً إلى أفواج

وتراه يفرّ بالقنابل والقنا

كالبحر عند تلاطم الأمواج

متقاذف العبريين تخفق بالصبا

راياته، متدافع الأمواج

من كل لاحقةٍ الأباطل شدافٍ

رحب صدور أمنية الأثباج

وترى الحديد فتقشعر قلوبها

خوف الطعان غداة كل نهيج

دهم كأَسدفة الظلام، وبعضها

صفر المناظر كاصفرار العاج

من كل سامي الأخدعان كأنما

نيطت شكائمُه بجذع الساج

لما جفلن إلى “بلاي” عشيّةً

أقوت معاهدها من الأعلاج

فكأنما جاست خلال ديارهم

أسد العرين خلقت بَسرب النعاج

ونجى ابن حفصون، ومَن يكن الردى

والسيف طالبُه فليس بناج

في ليلةٍ أسرت به، فكأنما

خيلت لديه ليلة المعراج

ما زال يلقح كل حرب حائلٍ

فالآن أنتجها بشرّ نتاج

فإذا سألتهم: موالي مَن هم؟

قالوا: موالي كل ليل داج

ركب الفِرارُ بعصبة قد جرّبوا

غِبّ السُرى وعواقب الإدلاج

وبقيةٌ في الحصن أُرتج دونهم

باب السلامة أيّما ارتاج

سدّت فجاج الخافقين عليهم

فكأنما خُلقا بغير فجاج

نكصت ضلالتهم على أعقابها

وانصاع كفرهم على الأدراج

من جاء يسأل عنهم من جاهلٍ

لم يروَ سغباً من دم الأوداج

فأولئك هم فوق الرصيف وقد صغى

بعضٌ إلى بعض بغير تناج

ركبوا على باب الأمير صوافناً

غنيت عن الإلجام والإسراج

أضحى كبيرهم كأن جبينه

خضبت أسرّته بماء الزاج

لما رأى تاج الخلافة خانهُ

قام الصليب له مقام التاج

هذي الفتوحات التي أذكت لنا

في ظلمة الآفاق نور سراج

قصيدة فروع سمت بالمجد من دوحة العليا

يقول ابن شهاب:

فروع سمت بالمجد من دوحة العليا

لها الصب يصبو لا لهند ولا ميا

فأكرم بها من دوحة طاب أصلها

ومن سلسبيل الوحي طاب لها السقيا

زكا تربها في ربوة المجد فانتهت

إليها معالي قسمي الدين والدنيا

وطابت لطيب الأصل أغصانها التي

ببهجتها تزهو كأن لبست وشياً

ارج إرجاء البلاد وضوع العوالم

من أزهارها الطيب والريا

وهل أثمرت إلا قطوفا جنية

بها أنفس الموتى بداء الهوى تحيا

سرى سرّها في الكائنات وقارنت

كما أخبر المختار في هديها الوحي

إذا اشتد قيظ النائبات على الورى

تغشاهم من ظلها وارف الأفيا

هي العصمة الكبرى لمن حام حولها

من الغمّة السوداء والفتنة الدهيا

ولا غرو فاستمدادها من محمد

أجل الورى قدراً وأحسنهم هديًا

أقام لها بيتًا من المجد شامخًا

وورثها نشر المعارف والطيا

ومن حيدر أعني ابن فاطمة الذي

إذا صال لم يغلب وإن قال لم يعيا

وفاطم والريحانتين ومن جرى

من النسل جري الأصل أكرم به جريا

أولئك حزب الفضل من آل هاشم

بناة العلى ليسوا عدياً ولا طيا

ولا زال منهم من به يقتدى وعن

ضلالتهم يهدي به الخالق العميا

وعنهم حديث المجد يروي وفيهم

مواريث طه العلم والحلم والفتيا

عليهم مدار الحق بل وبهديهم

تناط أمور الشرع إثباتاً أو نفياً

عليهم سلام زائر روح من مضى

وأزكى تحيات تحيا بها الأحياء

قصيدة اخطب فملكك يفقد الإملاكا

يقول ابن زيدون:

اخطب فملكك يفقد الإملكا

واطلب فسدك يضمن الإدراكا

وصل النجوم بحظٍ من لو رامها

هجرت إليه زهرها الأفلاكا

واستهدِ من أحمى مراعيها المها

فالصعب يسمح في عنان هواكا

يا أيها الملك الذي تدبيرهُ

أضحى لمملكة الزمان ملاكا

هذه الليالي بالأماني سمحة

فمتى تقول هاتي تقول لك هاكا

فاعقل شوارِدها إزاء عقيلةٍ

وافَت مبشرّة بنيل مناك

أهدى الزمان إليك منها تحفةً

لم تعد أن قرّت بها عيناكا

شمسٌ توارت في ظلام مضيعةٍ

ثم استطار لها السنا بسناك

قُرِنَت ببدر التم كافلةً له

أن سوف تُتبع فرقَدين سماك

هي والفقديدة كالأديم اختارته

فقددت إذ خلق الشراك شراكا

فاصفح عن الرزء المعاود ذكره

واستأنف النعمى فذاك بذاكا

لم يبق عذر في تقسم خاطرٍ

إلا الصبابَة من دماء عداكا

كفار أنعمك الألى حلّيتهم

أطواقهم سيتطوقون ذباكا

أعرض عن الخطرات إنك إن تشأ

تكن النجوم أسنّةً لقناك

هُصر النعيم بعطف دهرِكَ فانثنى

وجرى الفرند بصفحتي دنياكا

وبدا زمانك لابسًا ديباجةً

تجلو لعيني المجتلي سيماكا

دنيا لزهرتها شعاعٌ مذهّبٌ

لو كان وصفًا كان بعض حلاكا

فتملّ في فرش الكرامة ناعمًا

واعقد بمستوى السرور حباكا

وأطِل إلى شدي القيان إصاخةً

وتلقّ مترعة الكؤوس دراكا

تحتثّها مثنى مثاني غادةٍ

شفعَت بَحثّ غنائها الإمساكا

ما العيش إلا في الصبوح بسحرةٍ

قد جاسدت أنوارها الأحلاكا

لك أريحيّة ماجد إن تعترض

في لهو راحك تستهل لُهاكا

من كان يعلق في خلال ندامته

ذمٌ ببعض خلاله فخلاكا

أسبوع أنسٍ محدثٌ لي وحشةً

علماً بأني فيه لست أراكا

فأنا المعذب غير أني مشعرٌ

ثقةً بأنكَ ناعم فهناكا

إني أقوم بشكر طولكَ بعدما

ملأت من الدنيا يديك يداكا

بردت ظلال ذراك واحلولى جنى

نعماكَ لي وصفَت جِمامُ نداكا

وأمنت عادية العدا الأقتال مذ

أعصمت في أعلى يفاع حماكا

جَهدَ المقِل نصيحةً مَمحوضةً

أفردت مهديا فلا إشراكا

وثناء محتفلٍ كأن ثناؤهُ

مِسكٌ بأردان المحافِل صاكا

ولتدعني وعدوّكَ الشاني فإن

يرمِ القراع يجد سلاحي شاكاً

لا تعدمن الحظ غرساً مطلعاً

ثمر الفوائد دانيًا لجناكا

والنصر جارٍ لا يحاول نقلةً

والصنع رهناً لا يريد فكاكا

وإذا غمام السعد أصبح صوبهُ

درك المطالب فليصل سُقياكا

فالدهر معترفٌ بأنّا لم نكن

لنُسرّ منه بساعةٍ لولاكا

قصيدة أَبِشرك أم ماء يسح وبستان

يقول ابن خفاجة:

أَبِشرُكَ أَم ماءٌ يَسُحُّ وَبُستانُ

وذكرُكَ أَم راحٌ تُدارُ وَرياحانُ

وإلا فما بالي وفودي أَشمَطٌ

تَلَوَّيتُ في بُردي كأني نَشوانُ

وهل هي إلا جملةٌ من محاسنٍ

تغايَرَ أَبصارٌ عليها وآذانُ

بأمثالها من حكمةٍ في بلاغةٍ

تحلّل أضغانٌ وترحل أظعانُ

وتُنظَم في نحر المعالي قلادةٌ

وتُسحب في نادي المفاخر أردانُ

كلامٌ كما استشرفت جيد جدائَةٍ

وفُصِّل ياقوتٌ هناكَ ومُرجانُ

تدفّق ماء الطبع فيه تدفقاً

فجاءَ كما يصفو على النار عقيانُ

أتاني يرفُّ النور فيه نضارةً

ويكرع منه في الغمامة ظمآنُ

وتأخذ عنه صنعة السحر بابلٌ

وتلوى إليه أخدَعَ الصبّ بغدانُ

وجدتُ به ريح الشباب لدونةً

ودون صبا ريحِ الشبيبة أزمانُ

وشاقَ إلى تفاحِ لبنان نفحتهُ

وهَيْهَات من أرض الجزيرة لبنانُ

فهل تَرِدُ الأُستاذَ منّي تَحيةٌ

تسير كما عاطى الزجاجةَ ندمانُ

تَهَشَّ إِلَيها رَوضَةُ الحزن سحرَةً

ويثني إليها من معاطفِهِ البانُ

تحمّلَها حمل السفير بنفسجٌ

تحمّلهُ حمل السرير سوسانُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top