ما المقصود بالآية القرآنية: “آتى أمر الله”؟
في مستهل سورة النحل، يقول الله -تعالى-: (أَتى أَمرُ اللَّهِ فَلا تَستَعجِلوهُ سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشرِكونَ). وقد فسر ابن كثير هذه الآية الكريمة على أنها إخبار من الله -تعالى- بقرب قيام الساعة. ومن الدلائل التي تعزز هذا المعنى هو استخدام الفعل بصيغة الماضي، كما في قوله: (اقتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُم وَهُم في غَفلَةٍ مُعرِضونَ)، وعبارة (فَلا تَستَعجِلوهُ) تشير إلى طلب عدم استعجال العذاب. وقد أورد الضحاك في تفسيره أنّ (أتى أمر الله) تعني فرائضه وحدوده، بينما علق ابن جرير بأننا لا نعرف أي شخص استعجل الفرائض قبل أن تُفرض، بينما العذاب فهو ما استعجله الكثيرون قبل ذكره.
وأشار الطبري في جامع البيان إلى الاختلاف بين المفسرين بشأن الأمر الذي أخبر الله -تعالى- عن قربه، حيث اعتبر البعض أن “أمر الله” تشير إلى فرائضه وأحكامه، بينما رأى آخرون أن الحديث يدور حول اقتراب الساعة، وهو إنذار لأهل الكفر بأن عذابهم قد اقترب. ووفقاً لرواية عن ابن جريج، عندما نزلت الآية (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)، سخر بعض المنافقين منها قائلين أنهم يرون أن شيئاً لم يحدث. وقد جاء الرد القرآني على استهزائهم في (وَلَئِن أَخَّرنا عَنهُمُ العَذابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعدودَةٍ لَيَقولُنَّ ما يَحبِسُهُ أَلا يَومَ يَأتيهِم لَيسَ مَصروفًا عَنهُم وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ). وقد رجح الطبري أن ذلك يتماشى مع التهديد الموجه لأهل الكفر.
اقتراب الساعة
توجد العديد من العلامات التي تشير إلى قرب قيام الساعة، منها ما قد حدث بالفعل، ومنها ما يزال موجوداً، ومنها ما لم يظهر بعد. ومن بين هذه العلامات، نجد علامات الساعة الصغرى، إذ ذكر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بعضاً منها في قوله: (اعددْ ستاً بين يديْ الساعةِ: مَوْتِي، ثمّ فَتْحُ بيتِ المقدسِ، ثمّ موتانِ يأخذ فيكم كقُعَاصِ الغنمِ، ثمّ استفاضةُ المالِ حتى يُعْطَى الرجلُ مئةُ دينارٍ فيظَلُّ ساخطاً، ثمّ فتنةٌ لا يَبْقَى بيتٌ من العربِ إلّا دخلتْهُ، ثمّ هُدْنَةٌ تكونُ بينكم وبين بني الأصفرِ، فيَغدرونَ فيأتونكم تحتَ ثمانينَ غايةٍ، تحت كلِّ غايةٍ اثنا عشرَ ألفاً). وفيما يلي تفصيل لبعض هذه العلامات:
- بعثة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ووفاته، التي تشكل علامة فارقة لكونه آخر الأنبياء؛ حيث قال: (بُعثتُ أنا والساعةُكهاتينِ ضماً السبابةَ والوسطى).
- فتح بيت المقدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- طاعون عمواس، الذي يعتبر أحد العلامات المذكورة في الحديث الشريف وقد حدث في السنة الثامنة عشر للهجرة، حيث قضى على حوالي خمسة وعشرين ألفاً من المسلمين.
- الاقتتال بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
أحداث الساعة
تبدأ أحداث قيام الساعة بالنفخ في الصور، حيث يخرج الأموات من قبورهم في حال من الفزع والشعث، كما قال الله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ). ومن الملاحظ أن الله -تعالى- أوكل مهمة النفخ في الصور إلى الملك إسرافيل، الذي يكون مستعداً لأداء هذه المهمة. ورد في السنة النبوية أن الصور هو قرن يُنفخ فيه، وقد سأل أعرابي النبي -عليه السلام- عن هذا الموضوع، فأجابه النبي بأنه “قرن يُنفَخ فيه”. وعند إصدار الله -تعالى- الأمر بإطلاق النفخة الأولى في الصور، وهي نفخة الصعق، يموت كل من في السماوات والأرض، باستثناء من شاء الله، كما جاء في قوله: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ). ومن المتوقع أن تأتي هذه الصيحة بينما الناس منهمكين في أمورهم الدنيوية، كالتسوق والمجالس، حتى إذا كان أحدهم يتساوم في ثوب. ثم بعد فترة، يُنفخ في الصور النفخة الثانية، لينتبه الأموات ويُبعثوا من قبورهم، ثم يُجمعوا في أرض المحشر. أما بالنسبة للمدة بين النفختين، فقد وردت تفسيرات مختلفة، منها أربعون يوماً، أو شهرًا، أو سنة، حيث قال أبو هريرة -رضي الله عنه- إن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (بينَ النفخَتَينِ أربَعونَ). ولكن لم يتم تحديد المدة بشكل دقيق.