نشأة آدم سميث
آدم سميث (Adam Smith) هو فيلسوف واقتصادي ليبرالي وُلِد في 16 يوليو 1723م في قرية صغيرة تُدعى كيركالدي، التي تقع بالقرب من مدينة إدنبرة الاسكتلندية. وُفِق والده، الذي شغل وظيفة مفتش عام في الجمارك، في وفاته بعد ثلاثة أشهر فقط من ولادته، مما جعل والدته، مارغريت دوغلاس، وهي من عائلة غنية، تتولى رعايته وتربيته.
التعليم والتطور الأكاديمي
التحق سميث بمدرسة كيركالدي الابتدائية، وعند بلوغه الرابعة عشر من عمره انتقل للالتحاق بجامعة جلاسكو لدراسة الفلسفة الاجتماعية. يُظهر تاريخ دراسته تاثرًا بأستاذ الفلسفة والأخلاق المعروف فرانسيس أوتشيسون، الذي أسهمت أفكاره في تطوير آراء سميث، خاصةً في مجالي الاقتصاد والفلسفة. بعد ثلاث سنوات من الدراسة، حصل سميث على منحة لمتابعة دراسته العليا.
في عام 1740م، انتقل سميث إلى جامعة أكسفورد، حيث درس الفلسفة الكلاسيكية والمعاصرة، وأنهى دراسته بنجاح في سن الثالثة والعشرين، ثم عاد إلى قريته. في عام 1748م، بدأ بتقديم محاضرات في إدنبرة في مواضيع متنوعة مثل الاقتصاد، والفلسفة، والتاريخ، كما كتب مقالات لمجلة إدنبره ريفيو.
وفي عام 1751م، تم تعيينه كأستاذ للمنطق في جامعة جلاسكو، وكان عمره آنذاك سبع وعشرين عامًا. وبعد عام من ذلك، أصبح أستاذاً للفلسفة الأخلاقية، حيث أبدع وتميز في تلك الفترة. في عام 1758م، أصبح عميداً للكلية.
عمل سميث أيضاً كمعلم لدوق بوكليوش، رافقه في سفراته. وفي عام 1763م، انتقل إلى فرنسا ليكون مدرسًا خاصًا لابن تشارلز تاونسند، الذي كان شخصية بارزة في مجال الاقتصاد شغل منصب وزير المالية.
أفكار آدم سميث
عاد سميث من فرنسا إلى مسقط رأسه في عام 1776م، مُعلنًا تقاعده، وبدأ في الترويج لمجموعة من الأفكار التي أصبحت أساس علم الاقتصاد الكلاسيكي. كما تأثرت أفكاره بشدة بأفكار عدد من الفلاسفة والاقتصاديين، مثل ديفيد هيوم وأستاذه أوتشيسون، وكان لها تأثير كبير على كل من ديفيد ريكاردو وكارل ماركس في القرن التاسع عشر، وكذلك جون مينارد كينز وميلتون فريدمان في القرن العشرين.
كان سميث مؤمنًا ومشجعًا لمفاهيم اقتصاد السوق الحر، حيث اعتقد أن المصالح الفردية تؤدي إلى خلق اقتصاد متوازن دون الحاجة لتدخل حكومي. يمكن تلخيص أفكاره في الفلسفة والاقتصاد كما يلي:
فلسفة الأخلاق
يعتقد سميث أن المجتمع البشري قد مرّ بعدة مراحل حتى وصل إلى وضعه الحالي، حيث بدأ الإنسان حياته في البرية، يعتمد على الصيد دون حقوق ملكية، ثم انتقل إلى حياة الاستقرار الزراعي.
تتبع هذه المرحلة المجتمع الإقطاعي، الذي اتسم بالقوانين وحقوق الملكية المحدودة للأغنياء والمالكين، حيث كانت الحقوق تقتصر على هذه الطبقة فقط.
فلسفة الاقتصاد والأسواق الحرة
يؤكد سميث أن دور الحكومة يجب أن يقتصر على الدفاع والتعليم، ويشدد على ضرورة أن يعتمد الاقتصاد على فلسفة الأسواق الحرة غير المقيدة، معتمدًا على قوى العرض والطلب. كما يشير إلى أن الأمم الثرية هي تلك التي يكون فيها أغلب مواطنيها يعملون في الإنتاج.
أكد أيضاً على أهمية الإطار المؤسسي الذي يُوجه الأفراد نحو طرق الإنتاج الصحيحة، ويعزز التنافسية الحرة. إن الآراء التي طرحها سميث في كتابه “ثروة الأمم” كان لها تأثير كبير في تشكيل ما يُعرف بالاقتصاد السياسي، مما جعله نظامًا منهجيًا مستقلًا، خاصة في العالم الغربي الذي كان ضد المذهب التجاري.
مؤلفات آدم سميث
ترك آدم سميث العديد من المؤلفات القيمة، أبرزها:
- كتاب “ثروة الأمم”: نُشر في عام 1776م، ويعتبر من أعظم مؤلفاته، حيث قدم فيه أول وصف لنمط بناء الثروة الوطنية. يعد هذا الكتاب أساس علم الاقتصاد الكلاسيكي، واستعرض فيه مواضيع متعددة مثل تقسيم العمل والإنتاجية والأسواق الحرة.
- كتاب “نظرية المشاعر الأخلاقية”: نُشر في عام 1759م، ويعد تمهيدًا للعديد من الأعمال التي تلت ذلك والتي تتعلق بالأخلاقيات والفلسفة. قسم سميث الفلسفة الأخلاقية إلى أربعة أقسام تشمل الحقوق الخاصة والطبيعية والأخلاق والفضيلة.
تظل كتابات آدم سميث فيما يتعلق بالاقتصاد والأعمال مرجعًا رئيسيًا للعديد من الاقتصاديين والفلاسفة حول العالم حتى اليوم.
وفاة آدم سميث
توفي آدم سميث في 17 يوليو 1790م في إدنبرة عن عمر يناهز 67 عامًا. طوال حياته، لم يتزوج، ويبدو أن وفاته جاءت بعد مرض شديد. تشير التقارير إلى أنه كرس جزءًا كبيرًا من ثروته للأعمال الخيرية.
بصفته أحد مؤسسي الفلسفة ومبادئ الاقتصاد خلال عصر التنوير الاسكتلندي، تم طباعة صورته على الأوراق النقدية في اسكتلندا وإنجلترا تكريمًا له، بالإضافة إلى نصب تذكاري في كاتدرائية سانت جايلز في إدنبرة.
قبل وفاته بفترة قصيرة، قام سميث بتدمير جميع مخطوطاته التي كتبها في سنواته الأخيرة، ويظل السبب وراء ذلك مجهولًا. كان يخطط لإعداد نظريتين؛ واحدة حول تاريخ القانون والأخرى حول العلوم والفنون، وهو ما تم الإشارة إليه في المقالات التي نُشرت بعد وفاته في عام 1795م.
أقوال مشهورة لآدم سميث
هناك العديد من الاقوال المأثورة التي تركها آدم سميث في مختلف المجالات، من بينها:
- عن تقسيم العمل: “الزيادة الهائلة في الإنتاج عبر القطاعات المختلفة نتيجة لتقسيم العمل تؤدي في مجتمع الحكم الرشيد إلى ثراء شامل ينتشر بين الطبقات الدنيا.”
- فيما يتعلق بالعدالة: “للانتقال من أدنى درجات البربرية إلى أعلى درجات الثراء، لا نحتاج للكثير من الشرط، شرط توفر السلام، والضرائب السهلة، ومعدل مقبول من تطبيق العدالة.”
- عن “اليد الخفية”: “لا يستهلك الغني أكثر من الفقير إلا قليلاً، وبينما يتمتع بأنانية وجشع، إلا أنه يتقاسم مع الفقير ما تنتجه التحسينات. العوامل الطبيعية تحقق توزيعاً متساوياً لمتطلبات الحياة.”
- فيما يخص التخطيط: “غالبًا ما يكون رجل النظام مفرط الثقة بنفسه، وكثيرًا ما يغرق في فكرته المثالية، ويفشل في إدراك أن كل فرد في المجتمع يمتلك حرية الحركة الخاصة به تختلف كليًا عما يفرضه عليه المشرع.”