دع الأيام تفعل ما تشاء
في قصائد الحكمة للإمام الشافعي:
دعِ الأيّامَ تَفعل ما تشاءُ
وَطِب نفساً إذا حَكمَ القضاءُ
ولا تَجزعْ لنائبةِ الليالي
فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وكن رجلاً على الأهوال صامداً
وخصالكَ السماحةُ والوفاءُ
وإن كثرتْ عيوبكَ في النّاس
وسرّك أن تخفى لها غطاءُ
تسَتّرْ بالسخاء فكُلّ عيبٍ
يغطيه كما قيلَ السخاءُ
ولا تَذل للأعداء، قطُّ ذلّاً
فإن شماتة الأعداء بلاءٌ
ولا تُرج السخاء من بخيلٍ
فما في النارِ للظمان ماءُ
ورزقكَ ليس يُنقِصه التأنّي
وليس يزيدُ في الرزقِ العناءُ
ولا حزنٌ يدومُ ولا سرورٌ
ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ
ومَن نزلتْ بُسْحَتَه المنايا
فلا أرضٌ تقيهِ ولا سماءُ
وأرضُ الله واسعة ولكن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاءُ
دعِ الأيامَ تغدر كُلّ حينٍ
فما يغني عن الموت الدواءُ
يسوسون الأمور بغير عقل
يقول أبو العلاء المعري في قصيدته:
يسوسون الأمور بغير عقلٍ
فينفذ أمرُهم، ويقال: ساسَهْ
فأُفّ من الحياةِ، وأُفّ مني،
ومن زمنٍ رئاستُهُ خَساسَهْ
إذا غامرت في شرف مروم
من قصائد الحكمة للمتنبي:
إذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرُومٍ
فلا تقنعْ بما دونَ النّجومِ
فطعم الموتِ في أمرٍ حقيرٍ
كطعم الموتِ في أمرٍ عظيمِ
ستبكي شجوها فرسي ومهري
صفائحُ دمْعها ماءُ الجسومِ
قرينَ النارِ ثم نشأنا فيها
كما نشأ العذارى في النعيمِ
وفارَقنَ الصياقلَ مخلصاتٍ
وأيديها كثيرات الكُلُومِ
يرى الجبناء أن العجز عقلٌ
وتلك خدعة الطبع اللئيمِ
وكل شجاعة في المرء تُغني
ولا مثل الشجاعة في الحكيمِ
وكم من عائِبٍ قولا صحيحا
وآفتُهُ من الفهم السقيمِ
ولكن تأخذ الأذان منه
على قدر القرائح والعُلومِ
تجنب الوعد يوماً أن تفوه به
من أبيات أبي العلاء المعري في الحكمة:
تجنّب الوعد يوماً أن تفوه به،
فإن وعدتَ، فلا يذُمَّكَ إنجازُ
واصمتْ، فإنَّ كلام المرء يُهلكهُ؛
وإن نطِقْتَ، فإفصاحٌ وإيجاز
وإن عجزتَ عن الخيرات تفعَلُها،
فلا يكن، دون ترك الشرِّ، إعجاز
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
من أبيات المتنبي في الحكمة:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعَمُ
والناس قد نبذوا الحفاظ فمُطلقٌ
يَنسى الذي يُولى وعافٍ يندمُ
لا يخدعنك من عدوٍ دمعهُ
وارحم شبابكَ من عدوٍ ترحَمُ
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يُراق على جوانبه الدمُ
يؤذي القليلُ من اللئام بطبعه
من لا يقل كما يقل ويلؤمُ
والظلم من شِيَم النفوس، فإن تجدْ
ذا عفّة، فلعلةٍ لا يظلمُ
ومن البليّة عذرُ من لا يَرعوِ
عن جهلِه وخطابُ من لا يفهمُ
وجفونُه ما تستقر كأنها
مطروقة أو فُتّ فيها حصرمُ
وإذا أشار مُحدّثاً فكأنهُ
قردٌ يُقهقه أو عجوزٌ تلطُمُ
يُقلى مفارقةَ الأكُفّ قذالهُ
حتى يكاد على يدٍ يتعَمَّمُ
وترى أصغرَ ما تراه ناطقاً،
ويكون أكذبَ ما يكون ويقسمُ
والذل يظهر في الذليل مودةً
وأودّ منه لمن يُودّ الأرْقَمُ
ومن العداوة ما ينالك نفعُهُ
ومن الصداقة ما يضرّ ويؤلمُ
أرسلتَ تسألني المديح سفاهةً
صفْراءُ أضيقُ منك ماذا أزعمُ
فلقد جاوزتَ قدرَك صاعداً
ولقد قربتَ عليكَ الأنجُمُ
وأرغمْتَ ما لأبي العشائر خالصاً
إنّ الثناءَ لمن يزارُ فينعَمُ
ولمن أقمتَ على الهوان بِبابهِ
تدنو فيوجأ أخْدَعَاكَ وتُنهَمُ
ولمن يهين المال وهو مُكرّمٌ
ولمن يجرّ الجيش وهو عَرْمَرَمُ
ولمن إذا التقت الكُمات بمأزقٍ
فنصيبُهُ منها الكمى المُعلّمُ
ولربما أطَرَ القناة بفارسٍ،
وثنى فقوّمها بآخَرَ منهمُ
والوجهُ أزهَرُ والفؤادُ مُشَيّعٌ
والرمحُ أسمَرُ والحسامُ مُصَمِّمُ
أفعالُ من تلدُ الكرامُ كريمةٌ
وفعالُ من تلدُ الأعاجمُ أعجمُ
أما المكان فثابت لا ينطوي
من أبيات أبي العلاء المعري في الحكمة:
أما المكان فَثابِتٌ لا يَنطَوي
لكن زمانك ذاهبٌ لا يثبُتُ
قال الغوي لقد كبت مُعانِدي
خسِرت يَداهُ بأيّ أمرٍ يَكبِتُ
والمرءُ مثل النار ثبّت وانتهت
فخبَت وأفلح في الحياة المُخبِتُ
وحوادثُ الأيام مثل نباتِها
ترعى ويأمرها المليك فتنبُتُ
وإذا الفتى كان التراب مآله
فعلام تسهر أُمّه وتربّتُ
إن كانت الأحبار تعظّم سبتها
فأخو البصيرة كل يومٍ مُسبِتُ
عنّت فأعرض عن تعريضها أرَبي
من أبيات أبي تمام في الحكمة:
ما يحسمُ العقلُ والدنيا تُسَاسُ
ما يحسم الصبرُ في الأحداثِ والنوبِ
الصبر كاسٍ وبطنُ الكف عاريةٌ
والعقل عارٍ إذا لم يُكْسَ بالنشَبِ
ما أضيَعَ العقلَ إن لم يَرعَ ضيعته
وفرٌ وايُّ رحىً دارت بلا قُطْبِ
نَشبْتُ في لجَجِ الدنيا فأثقلتني
مالي وأبتُ بعرضٍ غيرِ مؤتشبِ
كم ذُقْتُ في الدهر من عُسْرٍ ومن يُسُرٍ
وفي بني الدهر من رأسٍ ومن ذنبِ
أغضي إذا صَرْفُهُ لم تُغضِ أعينُهُ
عني وأرضى إذا ما لجَّ في الغضبِ
وإن بُليتُ بجِدٍ مِمن حُزونه
سهلتهُ فكأني منهُ في لعبِ
السيف أصدق إنباء من الكتب
يقول أبو تمام في قصيدته السيف أصدق إنباءً من الكتب:
السيف أصدق إنباءً من الكتبِ
في حده الحدُّ بين الجد واللعبِ
بيضُ الصفائحِ لا سودُ الصحائفِ في
متونِهنَّ جلاءُ الشك والريبِ
والعلم في شهبِ الأرماح لامعةً
بين الخميْسين لافي السبعَة الشهبِ
أينَ الروايةُ بل أينَ النجومُ وما
صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذبِ
إليك تناهى كل فخر وسؤدد
من أبيات أبي العلاء المعري في الحكمة:
ثلاثةُ أيامٍ هي الدهر كله
وما هنّ غير الأمسِ واليومِ والغدِ
وما البدرُ إلا واحدٌ غير أنّه
يَغيبُ ويأتي بالضياءِ المُجدّدِ
فلا تحسبِ الأقمارَ خلقاً كثيرةً
فجمْلتُها من نيرٍ متردّدِ
وللحسنِ الحسنى وإن جاد غيرُه
فذاك جودٌ ليس بالمُتعَمّدِ
له الجوهرُ الساري يؤمّم شخصَه
يَجوبُ إليه محتداً بعد محتّدِ