أحكام صلاة الاستسقاء: كل ما تحتاج معرفته حول صلاة طلب الغيث

حكم صلاة الاستسقاء

تعتبر صلاة الاستسقاء من السُنن المؤكدة التي وردت عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، بحيث يمكن أداء هذه الصلاة في أي وقت، ما عدا أوقات النهي. وأفضل وقت لأدائها هو بعد ارتفاع الشمس بمقدار رمح*، وتستحب هذه الصلاة إما بشكل فردي أو جماعي، مع تفضيل الجماعة. تؤكد الحاجة إلى صلاة الاستسقاء عند انقطاع المطر وجفاف الأرض. وقد أفاد الشافعية بأن صلاة الاستسقاء مكروهة في أوقات النهي، لأنهم أباحوا أداء الصلوات ذات الأسباب فقط في تلك الأوقات، ولم يتضمن ذلك الاستسقاء. وقد ذكر ابن قدامة أن الأصل هو عدم أداء صلاة الاستسقاء في أوقات النهي، لأنها صلاة موسعة ولا حاجة لأدائها في تلك الأوقات، وهو ما ذهب إليه غالبية العلماء.

أما جمهور الفقهاء فقد أجمعوا على سُنية صلاة الاستسقاء، بخلاف رأي الإمام أبو حنيفة الذي يعتبر أنه لا توجد صلاة للاستخساء، بل يكتفى بالدعاء فقط. ومع ذلك، فإن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قد صلّى صلاة الاستسقاء، مما يدلل على سُنيتها. ومن المستحب أن يقوم الإمام بإخطار الناس عن موعد الصلاة قبلها بعدة أيام، وحثهم على التوبة، وإخراج المظالم، والإكثار من الصدقة، وترك المعاصي. يؤكد ذلك فعل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- المشار إليه في الحديث الشريف في صحيح البخاري عن الصحابي الجليل عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- الذي قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة).

الحكمة من مشروعية صلاة الاستسقاء

شرع الإسلام صلاة الاستسقاء لعدة حكم، منها:

  • احتباس المطر وجفاف الأرض، وانخفاض مياه الآبار والأنهار، مما يدفع المسلمين للخروج لصلاة الاستسقاء بكل خشوع وتذلل. كما تندرج هذه الصلاة في سياق الحاجة الماء، سواء عند ندرته أو انقطاعه، حيث يناشدون الله سبحانه وتعالى أن يسقيهم ويسقي زراعتهم وحيواناتهم. يشمل الخروج لأداء هذه الصلاة جميع الناس، رجالاً ونساءً وأطفالاً.
  • توجيه الإنسان نحو فطرته، وهي الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، خالقه ورزاقه، والتوجه إليه عند الحاجة أو في مواجهة أي مصائب.

أنواع الاستسقاء

يُؤدي المسلم صلاة الاستسقاء بإحدى الطُرق التالية، إما من خلال أدائها على النحو الذي سنبيّنه في الفقرة القادمة، وهو الأفضل والأكمل. ومن المستحب أن تخرج جميع المسلمين لأدائها، حتى النساء والأطفال، بتواضع وخشوع، كما فعل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. أو يمكن الاستسقاء عن طريق الدعاء في خطبة الجمعة، أو بالدعاء فقط دون الحاجة إلى خطبة أو صلاة، حيث يمكن الاكتفاء بالدعاء في أي وقت ومكان مع رفع اليدين.

كيفية صلاة الاستسقاء

الخروج لصلاة الاستسقاء

يُستحب لمن ينوي أداء صلاة الاستسقاء الخروج إليها دون تزيين أو تطيب، بأسلوب وقار وتواضع، تماشياً مع فعل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. يقوم الإمام بموعظة الناس بما يساعد على تليين قلوبهم، كالحث على التقوى، والتوبة، وإخراج الزكاة، والاستغفار، والصيام، وترك الشحناء. ويحرص الإمام على اصطحاب أشخاص من أهل الدين والصلاح أثناء الذهاب للاستسقاء، بالإضافة إلى الأطفال والضعفاء.

أداء صلاة الاستسقاء

يتقدم الإمام للصلاة دون أذان أو إقامة، فيصلي ركعتين. يبدأ الإمام بسبع تكبيرات في الركعة الأولى، ثم يقرأ سورة الفاتحة وسورة أخرى من القرآن الكريم، بصوتٍ جهري. بعد ذلك، يركع ويسجد، ثم يقوم لأداء الركعة الثانية، مُكبراً فيها بخمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويعمل كما فعل في الركعة الأولى، ثم يتشهد ويسلم بعد ذلك. تُشبه صلاة الاستسقاء صلاة العيد، إلا أنها لا ترتبط بوقت معين مثل صلاة العيد. وقد ذكر بعض العلماء أنه يمكن أن تُصلى كصلاة العيد من حيث الوقت والطريقة، استناداً إلى فعل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث تُقام في المصلى وتكون خُطبتها بعد الصلاة.

خطبة صلاة الاستسقاء

ذكر بعض الفقهاء أن الخطبة في صلاة الاستسقاء تكون قبل الصلاة، وذلك وفقاً لما ورد عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت في الحديث الذي يرويه الصحابي عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- حين قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فرفع إلى الناس ظهره يدعو الله، واستقبل القبلة وحول رداءه، ثم صلى ركعتين). وتكون الخُطبة عبارة عن خُطبة واحدة، يكثر فيها الإمام من التكبير والاستغفار والدعاء بالمسقاة، مثل قوله: “اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا”.

أما الإمام الشافعي ومالك وبعض الحنفية فيرون أن الخطبة يجب أن تكون بعد الصلاة. ومن نقل ابن المنذر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-، فإن الخطبة تهدف لتذكير الناس بما حل بهم من تأخر المطر، وحثهم على الدعاء والتوبة والصدقة، وتركهم للمعاصي، والعودة إلى ربهم -سبحانه وتعالى-، مع تحفيزهم على الإكثار من الدعاء للسقيا.

ما يُستحب فعله بعد الخطبة

يستحب بعد الخطبة أن يقوم الإمام باستقبال القبلة، ثم يدعو، مع تحويل رداءه بحيث يكون الطرف الأيمن على الطرف الأيسر. يدعو المصلون ربهم برفع أيديهم عند الدعاء، ويتعهد الإمام بكثرة الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى. كما يستحب أن يقول المسلم عند نزول المطر: “اللهم صيّباً نافعاً”، أو يمكنه القول: “مطرنا بفضل الله -تعالى- ورحمته”. وإذا كثُر المطر وخاف الناس من ضرره، يستحب القول: “اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر”. وهذه الأدعية ثابتة من أقوال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث صحيحة.

_________________________________________

الهامش

*رمح: وهو ما يُقدَر بحوالي ربع ساعة تقريباً بعد شروق الشمس، أو أكثر أو أقل بقليل.[٢٢]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top