أكدت على أن حبي لم يتغير
أشهدُ أن حبي لم يتبدل،
وأنني معكم، حتى الممات، مخلصٌ
وأن قلبي لا يلين لأحدٍ سواكِ،
رغم قول البعض: سيلينُ بالتأكيد.
لقد كانت أيام الصبا حتى تكاد،
من الدهر، لا شيءٍ بعدها يلينُ.
وعندما ارتفعت أصواتهم، تاقت
القلوب إلى وادي القرى، وعيونٌ
كأن دموع عيني يوم تحملتْ
بثينة، يسقينها الرشاشُ المعينُ.
أهيم، وما في قربهن من لديه هوى
سوى الشقاء وفنون المشاعر.
تركنا الحزن والهمّ، لكنني،
في قلبي، أحتفظ بذكراهنّ، وحنينٌ.
وقد تسللت لقلبي أمانةً
لبثينة: سرٌّ في فؤادي، كامدٌ.
كسرّ الندى، الذي لم يدرك الناسُ أنه
يعيش في أحشاء الأرض وهو مدفونٌ.
إذا تخطت السرّين، فآثاره،
بالحديث المفتوح، لها مغزى.
تشيح روعات الفراق برأسي،
وأشتاق لنفسي حيث تكون.
فيا آسفتي! إن فُصلت بيني وبينها،
وكيف لنفسي أن تعيش تلك اللحظات!
وإني لأستغشي، ما بي نعسةٌ
لعلي ألقاها في المنام، يحدث.
فإذا استمر هذا الفراق منك، فإنني
لأشعر بالألم في الجانبين، مُكبلٌ.
يقولون: ما بك، والمالُ مكتنزٌ
عليك، وقوامك يبرز كنزًا.
فقلت لهم: لا تلوموني، وانظروا
إلى الأسى الذي يعانيه قلبي.
أبلغ بثينة أنني لا أنساها
أبلغ بثينة أنني لا أزال أذكرها
ما دمتُ حيًا، تلبيةً لندائها.
فقد غابت لكنها لا تزال في قلبي،
ولا نحن في أمرٍ يتيح لنا اللقاء.
حتماً أحصي الليالي ليلة بعد ليلة
أعد الليالي ليلة تلو الأخرى،
وقد عشت عمرًا لا أعد فيه الليالي.
ألم تعلمي، يا عذبة الماء، أنني
أظل إذا لم أُروَ مائك ساقطًا.
وددتُ لو أن الحياة تدوم بعمري،
للحب يتجدد في كل الحياة.
فما زادني الأخبارون إلا شجناً،
ولا زادني الناهون إلا تماديًا.
وقالوا مرتبطٌ بموانع تهدد،
وقد علمت نفسي مكان دوائي.
إنه السحر، إلا أن للسحر علاجًا،
لكنني لا أجد له دواء في زماني.
أحب الأسماء التي توازي اسمها،
أو تشابهه، أو تعكسه.
فيا لجمالها حين تسطح الدموع كحلها
يا لجمالها! عندما يغسل الدمع كحلها،
وهي تسكب الدموع من أناملها!
في إحدى الأمسيات، قالت في العتاب: قتلتني،
وموته، بما قالت، تلاحقه بذكرى.
فقلت لها: تكلمي، فقالت مجيبة:
“هل هذا جدي، أم أنك هازل؟”
لقد جعل الليل القصير علينا،
عبر لروع الهوى، متمددٌ.
ياليت ريعان الشباب يعود جديدًا
يا خليلي، ما ألقي من الحزن باطنٌ،
ودمعي بما أخفي، في الصباح، شاهدٌ.
ألا أرى، والله، أن دمعةً تقطر،
إذا تباعدت الدار، حتمًا ستزيد.
إذا قلت: ما بي يا بثينة قاتلي،
من الحب، قالت: ثابتٌ، سيزيد.
وإذا قلت: ردي لي بعض عقلي أعيش به،
تولّت وقالت: ذاك بعيدٌ عليك!
فلا أنا مرحوماً بما طلبته،
ولا حبها فيما يفنى يفنى.
جزتك الجواري، يا بثينة، سلامةً،
إذا ما خليلٌ غاب، وهو محميدٌ.
وقلت لها: بيني وبينكِ، اعلمي،
إن من الله عهدٌ وميثاقٌ.
وكان حبكِ طريفًا وعتيقًا،
وما الحبّ إلا مدّ وجزرٌ.
وإن كانت آثار الوصل بيني وبينها،
وإن سهلت بالمنى، كانت ببعيدٍ.
ودفنت حياتي بانتظاري وعدها،
وأمضيت فيها دهري وهو جديد.
فليتَ ترفعُ الناسُ صحائفَ،
توازي لهم سمًا أشدّ ظلامًا.
وكنتُ أتمنى، في كل مساء وصباح،
أن تُضاعف القيود لهم وشدائدٌ.
وتظن نساءٌ من جهل أنني،
عندما أقدُم، أريدهم جميعًا.
فأقسمتُ عيني بينهنّ، فيتساوى
وفي صدري بونٌ بينهن بعيد.
ألا بتُ ليلةً، هل ألتقي بليلٍ
ففي وادي القرى، أجد سعادتي!
وهل أنزل أرضًا تنسجم ريحُها
مع المعاني الرقيقة برفقٍ؟
وهل سألتقي بسعادة الزمان مرةً
ومع المودة ستظل قديمةٌ؟
إذ قد تجتمع الأحبة بعد تفرقٍ،
ويمكن إدراك الحاجات رغم البعد.
وهل أستطيع أن أنهي حوارًا بعاطفةٍ
بينما سأحرق ما يواجهني؟
على ظهر مخلوق قويٍ، كأن استقامته،
تدور حولك من كل اتجاه.
أعجبني جمالك، ونوراً كضوء القمر،
وتاجك بالوشاح لدينٍ رقيق.
إذا جئت إليها، زائراً يومًا،
تكون يدي مفتوحة، تنتظر.
تصدَّ لكن تبتسم لذكري، وتباعدني
بأخطائي التي تلاحقني، إنّه لعَنيدٌ!
فأبتعد خوفًا كأني المفارق،
ويغفل عن ذلك ليتحقق الرجوع.
ومن يُمنح في الدنيا رفيقًا كمثلها،
فذلك حقًا في حياةٍ تامةٌ.
يموت الحب فيّ إذا التقيت بها،
ويحيى، إذا افترقنا، فيستعيد.
يقولون: جاهد يا جميل، في غزوةٍ،
وأي جهدٍ، غيرهنّ، أريدُ؟
لكل حديثٍ بينهنّ بسمةٌ،
وكل قتيلٍ عندهنّ بطلٌ.
وأفضل أيامي، وأبهجُ عيشتي،
إذا هبّت بي مرةً، وهُنّ في سكونٍ.
تذكرتُ ليلى، فقلبي مُثقلٌ،
ولقد انقطعت من هجرٍ، فالمكان بعيدٌ.
عشقت الحبّ منها كما يولدُ، ولم يزلْ
إلى الآن ينمو حبُّها ويزيدُ.
فما ذُكِرَ الأحبابُ إلا ذكرتُها،
ولا البخل إلا حين أقول: سأجودُ.
إذا فكرتْ تقول: لقد أدركتُ ودهُ،
ولن يلحقني النقص، كيف أجود!
فلو كُشفَت الأحشاء تحتها،
لبثينة حبٌ جديدٌ وزهرة قديمةٌ.
ألم تعلمي، يا أم ذي النقاط، أنني
أضحكُ بذكراكُمْ، وأنتِ عميقةٌ؟
فهل سأستطيع أن ألتقي بثينة في ليلةٍ،
تتكرم لنا من حبّها فنكون سليمين؟
ومن كان في حبي لبثينة يشكُ،
فبرقاء ذي ضالٍّ سيظل لي شهدُ.
خليلي إن قالت بثينة ما له
خليلي، إن قالت بثينة: ما له،
أتاه بلا وعدٍ؟ قولا لها: له.
أتى وهو مشغولٌ بعظيم ما به،
ومن بات يرعى السها فهو في الحضور.
بثينة تتلألأ كالغزالة في الصباح،
إذا تبرزت، لم يكن يومًا واعيًا بجمالها.
لها عيونٌ كحلاء بريقها كالشمس،
كأن والدها الظبي أو والدتها مُها.
دهتني بحبٍ قاتل وهو مُتلفٌ،
وكم قتلت بالحبّ من مجموعاتها.