يعتبر الحجاب رمزاً للعفة والفطرة السليمة. إنه سترٌ وتقوى وطهارة وحياء وإيمان، وهو كذلك فريضة من الله. وكل فريضة لها شروطها، وقد فرض الله الحجاب على المرأة المسلمة لحماية عفتها وعفة الرجل، ولتطهير النفس. يعتبر صلاح المرأة عنصراً أساسياً في صلاح المجتمع، فهي تمثل نصف المجتمع، وتلعب دوراً محورياً في تربية النصف الآخر. ولأهمية الحجاب العالية، وردت آيات في القرآن الكريم تتحدث عنه، والتي ستظل تُقرأ وتُصلى بها حتى قيام الساعة. في هذا المقال، سنستعرض آية الحجاب في القرآن الكريم.
فضائل الحجاب
الحجاب يمثل طاعة لله عز وجل وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أوجب الله تعالى على المؤمنين، رجالاً ونساءً، طاعة رسوله كما يطيعونه، حيث قال عز وجل:
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً). الأحزاب 36
كما قال سبحانه:
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء 65.
أمر الله تعالى النساء بالتستّر، فقال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم:
(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور 31.
قال سبحانه: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) الأحزاب 33.
كذلك قال: (وإذا سألتموهن متاعاً فأسالوهن من وراء حجاب؛ ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب 53.
كما قال عز وجل: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن).
وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جامع ما سبق، حيث قال إن المرأة عورة ويجب عليها أن تستر.
يتضح من ذلك أن الله سبحانه وتعالى أوجب على النساء التستر والحجاب وإخفاء عوراتهن عن الرجال.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح:
(ما من امرأة خَلعت ثيابها خارج بيتها إلا خلع الله عنها ستره).
الحجاب عفة
جعل الله تعالى من الالتزام بالحجاب عنواناً للعفة. وكلما التزمت المرأة بحجابها وتسترت عن أعين الرجال، زادت عفتها، وبالتالي زاد احترامها في المجتمع. قال سبحانه:
(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن).
كما أن الله سبحانه أوجب على النساء الالتزام بمواصفات خاصة للحجاب، حيث ينبغي أن يكون الحجاب أدنى من جلابيبهن، مما يعني أنه يجب أن ينسدل غطاء الرأس حتى وسط الجسم، دون أن يُظهر تفاصيل الجسد.
لأنهن عفائف مصونات، وقد وضح الله السبب حين قال: (فلا يؤذين) أي ليكن بعيدات عن تعريض أنفسهن للأذى.
إذ أن الله جعل المرأة موضع صون واحترام، وإذا التزمت بحجابها وتوجيهات الله ورسوله، فإن ستر محاسنها ستراً لها ولزوجها.
أما إذا ظهرت بملابس تصف أو تشف عن جسدها، فإن ذلك يُعد إيذاءً لها.
وقد منح الله تعالى رخصة للنساء العجائز، أي اللواتي لم يعد لهن موضع فتنة. فقد رخص الله لهن أن يضعن جلابيبهن ويكشفن الوجه والكفين. ومع ذلك، فإن ما رخصه الله للعجائز هو الكشف عن الوجه والكفين فقط، وليس كذلك كشف الشعر أو غيره.
قال الله عز وجل:
(والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، لكن المستحب أن يستعففن؛ فإن الله سميع عليم) سورة النور 60.
لذا، فإن الالتزام بالحجاب يعد رمزاً للعفة للنساء صغيرات وكبيرات. وإذا كان الله قد بيّن للعجائز أن الاستعفاف خيرٌ لهن، فإن الأولى من الشابات الالتزام بالعفة.
الحجاب طهارة
قال سبحانه: (وإذا سألتموهن متاعاً فأسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب 53.
يصف الحجاب بأنه طهارة للمؤمنين والمؤمنات، حيث إن العين إذا لم ترَ، فإنه لا يُشتهي القلب. العين بوابة القلب، والأذن أيضاً بوابة للقلب. قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).
إذاً، فإن عدم رؤية عورات النساء يحفظ القلب من الفتنة.
الحجاب ستر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى حيي ستير يحب الحياء ويحب السترة).
لأن الله يحب الستر والحياء، فرضه على المؤمنين والمؤمنات. كما قال: (أيما امرأة نزعت عنها ثيابها خارج بيتها خلع الله عز وجل عنها ستره) صحيح مسلم، بمعنى أن الجزاء من جنس العمل.
الحجاب تقوى
قال الله تعالى:
(يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير).
فإن إبليس قد أضل أبانا آدم وأمنا حواء، وأغواهما حتى أكلا من الشجرة، فبدت لهما سوءاتهما. ولا يزال إبليس يتربص بالرجال والنساء، ليدفع النساء لكشف أجسادهن وعوراتهن حتى يتسبب ذلك في فتنة الرجال.
الحجاب إيمان
لم يخاطب الله سبحانه وتعالى بالحجاب إلا المؤمنات، فقال عز وجل: (ونساء المؤمنين).
حديث الله موجه إلى المؤمنات، وهذا شرفٌ عظيم، أن يُذكرك الله ويجعلك من المؤمنات.
وعندما دخلت نساء من بني تميم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكن يلبسن ملابس رقيقة، قالت:
(إن كنتن مؤمنات، فهذا ليس بلباس المؤمنات، وإن كنتن غير مؤمنات، فتمتعن به).
الحجاب حياء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء).
وأيضاً: (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من شعب الإيمان).
كما قال: (الحياء في الإيمان والإيمان في الجنة).
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما دخلت عليها نسوة من بني تميم، قالت:
(إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بلباس المؤمنات; وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعن به).
وهذا إشارة واضحة؛ فإن المرأة إذا تخلت عن حجابها فإنها قد تخلى عن إيمانها.
الحجاب غيرة
عندما خلق الله الرجل، جُبل على الغيرة، وهو أمر يتماشى مع صفاته. يجب أن يكون الرجل غيوراً على أهل بيته، ولا يسمح لابنته أو زوجته أو أخته أو أمه أن تخرج مائلات أو كاشفات عن عوراتهن.
فالرجل الحاني هو من يتحلى بالحياء. وكم من قلوب انشغلت بالغيرة عبر الجاهلية والإسلام.
فقد قال علي رضي الله عنه: (بلغني أن نسائكم يزاحمن العلوج في الأسواق، ألا تغارون؟).
أدلة الحجاب من القرآن الكريم
وفيما يلي بعض أدلة الحجاب من القرآن الكريم:
- وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ.
- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ.
- وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.
- وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ.
- وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ.
الحجاب في السنة النبوية
- عن عائشة أن أزواج الرسول عليه الصلاة والسلام كنَ يخرجن ليلاً للتبرز إلى المناصع (أماكن معروفة من ناحية البقيع) فكان عمر ينصح الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يحجب نساءه، لكن لم يكن رسول الله يفعل ذلك، فقامت سودة بنت زمعة (زوج الرسول) بالخروج ليلاً، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة، حرصاً على أن يُنزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. رواه البخاري.
- عن ابن شهاب أن أنس قال: أنا أعلم الناس بالحجاب؛ كان أبي بن كعب يسألني عنه. فلما تزوج النبي عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش ودعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار، جلس النبي عليه الصلاة والسلام مع بعض الرجال بعد مغادرة الضيوف، فخرج أنس معه حتى بلغ باب حجرة عائشة، ثم ظن أنهم قد غادروا، فعاد ليجدهم جالسين في مكانهم، فعاد حتى بلغ باب حجرة عائشة مرة أخرى. ثم عاد ليجدهم قد قاموا، فاستبقت الله بيني وبينه ستراً وأنزل الحجاب. رواه البخاري.