حصل نزار قباني على لقب شاعر المرأة، نظراً لما كتب من قصائد تعبر عن حقوق المرأة في المجتمع الشرقي. وتزوج من بلقيس الراوي، وهي امرأة جميلة، لكن حزن عميق غمره بعد اغتيالها، حيث كتب لها رثاءً أثر في القلوب بشكل عميق. توفى قباني في 30 أبريل 1998.
أشعار نزار قباني
يمتلك الشاعر الرائع نزار قباني العديد من الأعمال الشعرية، لكن أكثر ما يبرز هو قصائد الحب والرومانسية والغزل. إليكم بعضاً من أجمل ما كتب نزار قباني في الحب، خلال رحلتنا في عالم أشعاره:
قصيدة “أتحدى”
أتحدّى.
من يسبقني إلى عينيكِ يا سيدتي.
يحملون الشمس في راحاتهم وعقود الياسمين.
أتحدّى كل من عاشرتهم.
ممن هم مجانين، ومفقودين في بحر الحنين.
أن يحببوكِ بأسلوبي، وطيشي، وجنوني.
أتحدّى.
كتب العشق ومخطوطاته.
منذ آلاف القرون.
هل تجدين فيها كتاباً واحداً.
فيهِ، يا سيّدتي، ما ذكروني.
أتحداكِ أنا.
أن تجدي وطناً مثل فمي.
وسريراً دافئاً مثل عيوني.
أتحداهم جميعاً.
أن يكتبوا لكِ مكتوب هوى.
كما كتب مكاتيب غرامي أو يجيؤوكِ على كثرتهم.
بحروف كحروفي وكلامي.
قصيدة “5 دقائق”
اجلسي خمس دقائق.
لا يريد الشعر كي يسقط كالدرويش.
في الغيبوبة الكبرى.
سوى خمس دقائق.
لا يريد الشعر كي يثقب لحم الورق العاري.
سوى خمس دقائق.
فاعشقيني لدقائق..
واختفي عن ناظري بعد دقائق.
لست أحتاج إلى أكثر من علبة كبريت.
لإشعال ملايين الحرائق.
إن أقوى قصص الحب التي أعرفها.
لم تدم أكثر من خمس دقائق…
قصيدة “حب بلا حدود”
يا سيدتي:
كنتِ أهم امرأة في تاريخي..
قبل رحيل العام..
أنت الآن أهم امرأة بعد ولادة هذا العام..
أنت امرأة لا أحسبها بالساعات وبالأيام..
أنت امرأة..
صُنعت من فاكهة الشعر..
ومن ذهب الأحلام..
أنت امرأة كانت تسكن جسدي..
قبل ملايين الأعوام..
يا سيدتي:
يا مغزولة من قطن وغمام..
يا أمطاراً من ياقوت..
يا أنهاراً من نهوند..
يا غابات رخام..
يا من تسبح كالأسماك في ماء القلب..
وتسكن في العينين كسرب حمام..
لن يتغير شيء في عاطفتي..
في إحساسي..
في وجداني.. في إيماني..
فأنا سوف أظل على ديني..
يا سيدتي:
لا تهتمي في إيقاع الوقت وأسماء السنوات..
أنت امرأة تبقى امرأة في كل الأوقات..
سوف أحبكِ..
عند دخول القرن الواحد والعشرين..
وعند دخول القرن الخامس والعشرين..
وعند دخول القرن التاسع والعشرين..
وسوف أحبكِ..
حين تجف مياه البحر..
وتحترق الغابات..
يا سيدتي:
أنت خلاصة كل الشعر..
ووردة كل الحريات..
يكفي أن أتهجى اسمك..
حتى أصبح ملك الشعر..
وفرعون الكلمات..
يكفي أن تعشقني امرأة مثلك..
حتى أدخل في كتب التاريخ..
وترفع من أجلي الرايات..
يا سيدتي:
لا تضطربين مثل الطائر في زمن الأعياد..
لن يتغير شيء مني..
لن يتوقف نهر الحب عن الجريان..
لن يتوقف نبض القلب عن الخفقان..
لن يتوقف حجل الشعر عن الطيران..
حين يكون الحب كبيراً..
والمحبوبة قمراً..
لن يتحول هذا الحب..
لحزمة قش تأكلها النيران..
قصيدة “اعتني بعيوني”
هل تحبني وأنا ضريرة..
وفي الدنيا بنات كثيرة..
الحلوة، والجميلة، والمثيرة..
ما أنت إلا مجنون..
أو مشفق على عمياء العيون..
قال..
بل أنا عاشق، يا حلوتي..
ولا أتمنى من دنيتي..
إلا أن تصيري زوجتي..
وقد رزقني الله المال..
وما أظن الشفاء محال..
قالت..
إن أعدت إلي بصري..
سأرضى بك يا قدري..
وسأقضي معك عمري..
لكن..
من يعطيني عينيه..
وأي ليل يبقى لديه..
وفي يوم جاءها مسرعاً..
أبشري قد وجدت المتبرع..
وستبصرين ما خلق الله وأبدع..
وستوفين بوعدك لي..
وتكونين زوجة لي..
ويوم فتحت أعينها..
كان واقفاً يمسك يدها..
رأته..
فدوت صرختها..
أأنت أيضاً أعمى؟!
وبكت حظها الشؤم..
لا تحزني، يا حبيبتي..
ستكونين عيوني ودليلتي..
فمتى تصيرين زوجتي..
قالت..
أأنا أتزوج ضريراً..
وقد أصبحت اليوم بصيراً..
فبكى..
وقال: سامحيني..
من أنا لتتزوجيني..
ولكن..
قبل أن تتركني..
أريد منك أن تعديني..
أن تعتني جيداً بعيوني.
أجمل أشعار نزار قباني
استمر الشاعر نزار قباني في تطوير شعره مستمراً في تجميله مع مرور الأيام، حيث كانت قصائده تحمل أجمل المعاني والكلمات. نقدم لكم هنا مقتطفات من أجمل قصائد نزار قباني لنستمتع بها خلال رحلتنا حول أشعاره الرائعة:
قصيدة “أبي”
أمات أبوك؟
ضلالٌ! أنا لا يموت أبي.
ففي البيت منه.
روائح ربٍ.. وذكرى نبي.
هنا ركنه.. تلك أشياؤه.
تفتق عن ألف غصنٍ صبي.
جريدته، تبغه، متكاه.
كأن أبي – بعد – لم يذهب.
وصحن الرماد.. وفنجانه.
على حاله.. بعد لم يشرب.
ونظارتاه.. أيسلو الزجاج.
عيوناً أشف من المغرب؟
بقاياه، في الحجرات الفساح.
بقايا النور على الملعب.
أجول الزوايا عليه، فحيث.
أمر .. أمر على معشب.
أشد يديه.. أميل عليه.
أصلي على صدره المتعب.
أبي.. لم يزل بيننا، والحديث.
حديث الكؤوس على المشرب.
يسامرنا.. فالدوالي الحبالى.
توالد من ثغره الطيب..
أبي خبراً كان من جنةٍ.
ومعنى من الأرحب الأرحب..
وعينا أبي.. ملجأٌ للنجوم.
فهل يذكر الشرق عيني أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي.
كرومٌ، وذاكرة الكوكب.
قصيدة “وداعا يا صديق العمر”
وداعاً.. أيها الدفتر.
وداعاً يا صديق العمر، يا مصباحي الأخضر.
ويا صدراً بكيت عليه، أعواماً، ولم يضجر.
ويا رفضي.. ويا سخطي..
ويا رعدي.. ويا برقي..
ويا ألماً تحول في يدي خنجر..
تركتك في أمان الله.
يا جرحي الذي أزهر.
فإن سرقوك من درجي.
وفضوا ختمك الأحمر.
فلن يجدوا سوى امرأةٍ.
مبعثرةٍ على دفتر.
قصيدة “شكراً لكم”
شكراً لكم.
فحبيبتي قتلت.. وصار بوسعكم.
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة.
وقصيدتي اغتيلت..
وهل من أمةٍ في الأرض..
إلا نحن – تغتال القصيدة؟
بلقيس.
كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل.
بلقيس..
كانت إذا تمشي..
ترافقها طواويس..
وتتبعها أيائل.
بلقيس.. يا وجعي..
ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل.
هل يا ترى..
من بعد شعركِ سوف ترتفع السنابل؟
يا نينوى الخضراء..
يا غجرية الشقراء.
يا أمواج دجلة.
تلبس في الربيع بساقيها.
أحلى الخلاخيل..
قتلوكِ يا بلقيس..
أيَّة أمةٍ عربيةٍ..
تلك التي.
تغتال أصوات البلابيل؟
بلقيس.
لا تتغيبي عني.
فإن الشمس بعدكِ.
لا تضيء على السواحل.
سأقول في التحقيق:
إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل.
هذا هو التاريخ.. يا بلقيس..
كيف يفرق الإنسان..
ما بين الحدائق والمزابل؟
بلقيس..
أيتها الشهيدة.. والقصيدة..
والمطهرة النقية..
سبأ تتفتيش عن مليكتها.
فردي للجماهير التحية..
يا أعظم الملكات..
يا امرأة تجسد كل أمجاد العصور السومرية.
بلقيس..
يا عصفورتي الأحلى..
ويا أيقونتي الأغلى.
ويا دمعاً تناثر فوق خد المجديّة.
الموت.. في فنجان قهوتنا..
وفي مفتاح شقتنا..
وفي أزهار شرفتنا..
وفي ورق الجرائد..
والحروف الأبجدية…
ها نحن.. يا بلقيس..
ندخل مرة أخرى لعصر الجاهلية..
ها نحن ندخل في التوحش..
والتخلف.. والبشاعة.. والوضاعة..
ندخل مرة أخرى.. عصور البربرية..
قصيدة “كلمات”
يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات.
يأخذني من تحت ذراعي، يزرعني في إحدى الغيمات.
والمطر الأسود في عيني يتساقط زخات زخات.
يحملني معه ويحملني لمساءٍ وردي الشرفات وأنا كالطفلة في يديه.
كالريشة تحملها النسمات، يهديني شمساً، يهديني صيفاً.
وقطيع السنونوات يخبرني أنّي تحفته وأساوي آلاف النجمات.
وبأني كنزٌ وبأني أجمل ما شاهد من لوحات، يروي أشياء.
تدوخني تنسيني المرقص والخطوات، كلمات تقلب تاريخي.
تجعلني امرأة في لحظات يبني لي قصراً من وهمٍ لا أسكن فيه سوى لحظات.
وأعود لطاولتي، لا شيء معي إلا كلمات، كلمات.
ليست كالكلمات، لا شيء معي إلا كلمات.
أشعار نزار قباني عن الوطن
ظل نزار قباني لسنوات عديدة يكتب قصائد تعبر عن حبه للوطن ومحاربته للظلم والاستعباد فيه. وقد شبه نزار قباني الوطن بالمرأة، وكما طالب بتحرير المرأة، طالب أيضاً بتحرير الوطن. إليكم بعض أشعار قباني عن الوطن:
قصيدة “أرسم الوطن”
كأس 1.
عندما أشرب الكأس الأولى.
أرسم الوطن دمعةً خضراء.
وأقلع ثيابي..
وأستحم فيها…
كأس 2.
عندما أشرب الكأس الثانية.
أرسم الوطن على شكل امرأة جميلة..
وأشنق نفسي بين نهديها…
كأس 3.
عندما أشرب الكأس الثالثة.
أرسم الوطن على شكل سجنٍ..
أقضي به عقوبة (الأشعار) الشاقة المؤبدة..
كأس 4.
عندما تفقد الزجاجة ذاكرتها.
أرسم الوطن على شكل مشنقة.
تتدلى منها قصائد في احتفال مهيب.
يحضره الباب العالي…
وكلبه السلوقي.
ومستشاره السلوقي.
ورئيس مصلحة دفن الموتى.
ووزير التعليم العالي.
ورئيس اتحاد الكتاب.
ورئيس الكهنة.. وقاضي القضاة..
وجميع وزراء الدولة الذين عينوا بمراسيم مستعجلة.
ليقتلوا الشاعر.. ويمشوا في جنازته..
قصيدة “بلادي”
من لثغة الشحرور.. من.
بحة نايٍ محزنة..
من رجفة الموال.. من.
تنهدات المئذنة..
من غيمةٍ تحبكها.
عند الغروب المدخنة.
وجرح قرميد القرى.
المنشورة المزينه..
من وشوشات نجمةٍ.
في شرقنا مستوطنة.
من قصة تدور.
بين وردةٍ.. وسوسنة.
ومن شذا فلاحةٍ.
تعبق منها (الميجنه).
ومن لهاث حاطبٍ.
عاد بفأسٍ موهنة..
جبالنا.. مروحةٌ.
للشرق.. غرقى، لينه.
توزع الخير على الدنيا.
ذرانا المحسنة.
يطيب للعصفور أن.
يبني لدينا مسكنه..
ويغزل الصفصاف..
في حضن السواقي موطنه.
حدودنا بالياسمين.
والندى محصنة.
ووردنا مفتحٌ.
كالفكر الملون..
وعندنا الصخور تهوى.
والدوالي مدمنة.
وإن غضبنا.. نزرع.
الشمس سيوفاً مؤمنة..
بلادنا كانت.. وكانت.
بعد كل هذه الأزمنة..