الشعر
يُعرّف الشعر بأنه نوع من الكلمات المنظومة التي تعتمد على موسيقى تسمى “الموسيقى الشعرية”. وهو أحد أشكال الفن الأدبي الذي يعود تاريخه إلى عصور ما قبل الإسلام. يتميز الشعر بعناصر متعددة تشمل العاطفة، الفكرة، الخيال، الأسلوب، والنظم. وعادةً ما تتنوع أغراض الشعر بين الوصف، المدح، الهجاء، والرثاء. في المقابل، تُعتبر الأشعار الدينية تلك التي تناقش الأخلاق الإسلامية وتتناول ابتهالات إلى الله. وسنتناول في هذا المقال بعض القصائد الدينية.
من أحس لي أهل القبور ومن رأى
أبو العتاهية هو شاعر وُلِد في عين التمر عام 747م، انتقل بعد ذلك إلى الكوفة وتوفي في بغداد. تختلف الروايات حول تاريخ وفاته؛ فقيل إنه توفي عام 826م. ومن قصائده الدينية الشهيرة ما يلي:
مَنَ أحَسَّ لي أَهلَ القُبورِ وَمَن رَأى
مَنَ اَحَسُّهُم لي بَينَ أَطباقِ الثَرى
مَنَ اَحَسَّ لي مَن كُنتُ آلَفُهُ وَيَأ
لَفُني فَقَد أَنكَرتُ بُعدَ المُلتَقى
مَنَ اَحَسَّهُ لي إِذ يُعالِجُ غُصَّةً
مُتَشاغِلًا بِعِلاجِها عَمَّن دَعا
مَنَ اَحَسَّهُ لي فَوقَ ظَهرِ سَريرِهِ
يَمشي بِهِ نَفَرٌ إِلى بَيتِ البِلى
يا أَيُّها الحَيُّ الَّذي هُوَ مَيِّتٌ
أَفنَيتُ عُمرَكَ بِالتَعَلُّلِ وَالمُنى
أَمّا المَشيبُ فَقَد كَساكَ رِداؤُهُ
وَاِبتَزَّ عَن كَفَّيكَ أَثوابَ الصِبا
وَلَقَد مَضى القَرنُ الَّذينَ عَهَدتَهُم
لِسَبيلِهِم وَلَتَلحَقَنَّ بِمَن مَضى
وَلَقَلَّ ما تَبقى فَكُن مُتَوَقَّعاً
وَلَقَلَّ ما يَصِفو سُرورُكَ إِن صَفا
وَهِيَ السَبيلُ فَخُذ لِذَلِكَ عُدَّةً
فَكَأَنَّ يَومَكَ عَن قَريبٍ قَد أَتى
إِنَّ الغِنى لَهُوَ القُنوعُ بِعَينِهِ
ما أَبعَدَ الطِبعَ الحَريصَ مِنَ الغِنى
لا يَشغَلَنَّكَ لَو وَلَيتَ عَنِ الَّذي
أَصبَحتَ فيهِ وَلا لَعَلَّ وَلا عَسى
خالِف هَواكَ إِذا دَعاكَ لِرَيبَةٍ
فَلَرُبَّ خَيرٍ في مُخالَفَةِ الهَوى
عَلَمُ المَحَجَّةِ بَيِّنٌ لِمُريدِهِ
وَأَرى القُلوبَ عَنِ المَحَجَّةِ في عَمى
وَلَقَد عَجِبتُ لِهالِكٍ وَنجاتُهُ
مَوجودَةٌ وَلَقَد عَجِبتُ لِمَن نَجا
وَعَجِبتُ إِذ نَسي الحِمامَ وَلَيسَ مِن
دونِ الحِمامِ وَإِن تَأَخَّرَ مُنتَهى
ساعاتُ لَيلِكَ وَالنَهارِ كِلَيهِما
رُسُلٌ إِلَيكَ وَهُنَّ يُسرِعنَ الخُطا
وَلَئِن نَجَوتَ فَإِنَّما هِيَ رَحمَةُ الـ
ـمَلِكِ الرَحيمِ وَإِن هَلَكتَ فَبِالجَزا
يا ساكِنَ الدُنيا أَمِنتَ زَوالَها
وَلَقَد تَرى الأَيّامَ دائِرَةَ الرَحى
وَلَكُم أَبادَ الدَهرُ مِن مُتَحَصِّنٍ
في رَأسِ أَرعَنَ شاهِقٍ صَعبِ الذُرى
أَينَ الأُلى بَنوا الحُصونَ وَجَنَّدوا
فيها الجُنودَ تَعَزُّزاً أَينَ الأُلى
أَينَ الحُماةُ الصابِرونَ حَمِيَّةً
يَومَ الهِياجِ لِحَرِّ مُجتَلَبِ القَنا
وَذَوُو المَنابِرِ وَالعَساكِرِ وَالدَسا
كِرِ وَالمَحاصِرِ وَالمَدائِنِ وَالقُرى
وَذَوُو المَواكِبِ وَالمَراكِبِ وَالكَتا
أَئبِ وَالنَجائِبِ وَالمَراتِبِ في العُلى
أفناهُمُ مَلِكُ المُلوكِ فَأَصبَحوا
ما مِنهُمُ أَحَدٌ يُحَسُّ وَلا يُرى
وَهُوَ الخَفِيُّ الظاهِرُ المَلِكُ الَّذي
هُوَ لَم يَزَل مَلِكاً عَلى العَرشِ اِستَوى
وَهُوَ المُقَدِّرُ وَالمُدَبِّرُ خَلقَهُ
وَهُوَ الَّذي في المُلكِ لَيسَ لَهُ سِوى
وَهُوَ الَّذي يَقضي بِما هُوَ أَهلُهُ
فينا وَلا يُقضى عَلَيهِ إِذا قَضى
وَهُوَ الَّذي بَعَثَ النَبِيَّ مُحَمَّداً
صَلّى الإِلَهُ عَلى النَبِيِّ المُصطَفى
وَهُوَ الَّذي أَنجى وَأَنقَذَنا بِهِ
بَعدَ الصَلالِ مِنَ الضَلالِ إِلى الهُدى
حَتّى مَتى لا تَرعَوي يا صاحِبي
حَتّى مَتى حَتّى مَتى وَإِلى مَتى
وَاللَيلُ يَذهَبُ وَالنَهارُ وَفيهِما
عِبَرٌ تَمُرُّ وَفِكرَةٌ لِأُلي النُهى
حَتّى مَتى تَبغي عِمارَةَ مَنزِلٍ
لا تَأمَنُ الرَوعاتِ فيهِ وَلا الأَذى
يا مَعشَرَ الأَمواتِ يا ضيفانَ تُر
بِ الأَرضِ كَيفَ وَجَدتُمُ طَعمَ الثَرى
أَهلَ القُبورِ مَحا التُرابُ وُجوهَكُم
أَهلَ القُبورِ تَغَيَّرَت تِلكَ الحُلى
أَهلَ القُبورِ كَفى بِنَأيِ دِيارَكُم
إِنَّ الدِيارَ بِكُم لَشاحِطَةُ النَوى
أَهلَ القُبورِ لا تَواصُلَ بَينَكُم
مَن ماتَ أَصبَحَ حَبلُهُ رَثَّ القِوى
كَم مِن أَخٍ لي قَد وَقَفتُ بِقَبرِهِ
فَدَعَوتُهُ لِلَّهِ دَرُّكَ مِن فَتى
أَأُخَيَّ لَم يَقِكَ المَنِيَّةَ إِذ أَتَت
ما كانَ أَطعَمَكَ الطَبيبُ وَما سَقى
أَأُخَيَّ لَم تُغنِ التَمائِمُ عَنكَ ما
قَد كُنتُ أَحذَرُهُ عَلَيكَ وَلا الرُقى
أَأُخَيَّ كَيفَ وَجَدتَ مَسَّ خُشونَةِ الـ
ـمَأوى وَكَيفَ وَجَدتَ ضيقَ المُتَّكا
قَد كُنتُ أَفرَقُ مِن فِراقِكَ سالِماً
فَأَجَلُّ مِنهُ فِراقُ دائِرَةِ الرَدى
فَاليَومَ حَقَّ لي التَوَهُّعُ إِذ جَرى
قَدَرُ الإِلَهِ عَلَيَّ فيكَ بِما جَرى
تَبكيكَ عَيني ثُمَّ قَلبي حَسرَةً
وَتَقَطُّعاً مِنهُ عَلَيكَ إِذا بَكى
وَإِذا ذَكَرتُكَ يا أُخَيَّ تَقَطَّعَت
كَبِدي فَأُقلِقتُ الجَوانِحُ وَالحَشا
أقيموا عمود الدين للّه تسعدوا
ابن دنينير هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم من الموصل، وُلِد عام 1187م وتوفي في عام 627هـ. تعود قصة وفاته إلى اكتشاف بعض الأشخاص أوراق تحتوي على آراء مسيئة تجاه الله عز وجل، مما أدى إلى الحكم بقتله. وقد كان يُظهِر إلحاده وانحلاله. يتمتع الشاعر بمجموعة من القصائد الدينية المميزة، ومن أبرزها:
أقيموا عمود الدين للّه تسعدوا
فقد جاءكم عيسى وهذا محمد
فريق الهدى والله يظهر دينه
على دين من قد اشركوا وتمردّوا
فللّه ألطاف عليكم خفيّة
فإن تنجدوه من لظى النار ينجدوا
أرى الآية الكبرى من النصر قد جرى
بها الفال فالأفراحُ فيها تجدّدُ
ومما يبيد الشركين بأنّه
تجمّع للإسلام عيسى وأحمد
عسى الله أن يأتي بموسى فإنّني
أرى كبدي شوقا إليه توقّد
ليظهر أن الحق حقّ محمد
وكلّ بني بالذي قلت يشهد
فلا تجزعوا من حادثٍ حباء فادحاً
فذا الدين للحرمن في نصره يد
فشنوا الدين الكفر غارات معشرٍ
لهم في الهدى فرع زكيّ ومحتد
وشبّوا الهم نار الجهاد فإنكم
متى تتركوها آن للنار تحمد
فذا الدين ما أرسى قواعد حقّه
لدى الناس إلا ذابل ومهنّد
فحزبكُم حزب الإله وإنهم
همم الغالبون الشرك والمود أحمد
هل الدين ملبوس جميل وشبعة
ينيلكموها اليوم أو سعف الغد
وهل فرمن نار القتال أخو حجاً
ليبقى وفي نار الجحيم يخلّد
أطيعوا مليكا يشتري الحمد بالندى
ويرقد في جفن الردى وهو أرمد
له عزمات الدهر إن همّ بالعدى
وكالغيث يهمي صوبهُ وهو مرعدُ
له دوحة يسمو بها عادليّة
وللمجد منها كلّ وقتٍ مجدّد
فللحقّ منه خير ركن وملجأ
وللعدل والإسلام سيف معضّد
إذا جئته تلقى السماح مجسدا
بكفّ طوال الدهر يعطي ويرفد
وإنّ قرى العافي إذا أمّ ظلّه
جداول تجري والسديفُ المسرهد
لقد سطرت من بشره ونوالهِ
أحاديثُ ودٍ عنه تروى وتسند
فيقني ولم يسبق عطاياه موعد
ويفني ولم يسبق رواه التوعّد
ومن وهب الأموال أو قتل العدا
ليشري بذاك الشكر والحمد بحمدُ
وكان عليه أن يحوز مدى العلى
أليّة برورٍ وحلف مؤكّد
أقام عمود الدين حقّا محمّد
كما بدأ الدين الحنيف محمّد
فأشرق بدر الحق في أفقِ الهدى
وقد غالهُ قطع من الكفر أسود
نزلت وحاجاتي بباب محمّد
فأذهله عنّي زمان منكّد
وقد كان ظنّي أنّني أقطع الردى
به فهو سيف في الرزايا مجرّد
تجاوزت أقواماً عليّ أعزّةً
إليه عسى بؤسي بنعماه يفقد
فلم يك لي في ظلّه ذا عناية
فيعرف فضلي ثم يثني وبحمد
وظلم إذا ما قيل إني شاعر
وفي كلّ علم لي مقام ومشهد
ولو جاز في الدنيا خلود لفاضلٍ
لبشّرت الدنيا بأنّي مخلّد
فوا أسف ما بال حظّيَ ناقصاً
لديكم ودهري بالفضائل أحسد
فمن ذا يروم العاقل الندب في الورى
وأعظم منكم في الدنانيل يوجد
أعيد ومهما عشت للناس دائما
مدى نحروا الاعداء فيه وعيّدوا
فظلّك مسدول وجودك غامر
وفعلك مشكور وبابك مقصدُ
إن الذين استحلوا كل فاحشة
الفرزدق هو شاعر عربي مشهور من العصور الأمويّة، وُلِد عام 38 هجريًا في البصرة وتوفي بها عام 114 هجري. عُرف بشعر الهجاء والمدح والفخر، ويعود لقبه إلى عظمة وجهه. ومن قصائده الدينية المعروفة:
إِنَّ الَّذينَ اِستَحَلّوا كُلَّ فاحِشَةٍ
مِنَ المَحارِمِ بَعدَ النَقضِ لِلذِمَمِ
قَومٍ أَتَوا مِن سَجِستانٍ عَلى عَجَلٍ
مُنافِقونَ بِلا حِلٍّ وَلا حَرَمِ
ما كانَ فيهِم وَقَد هُمَّت أُمورُهُمُ
مَن يُستَجارُ عَلى الإِسلامِ وَالحُرَمِ
يَستَفتِحونَ بِمَن لَم تَسمُ سورَتُهُ
بَينَ الطَوالِعِ بِالأَيدي إِلى الكَرَمِ