أروع القصائد في التراث العربي القديم

أفاطم مهلاً

يُعبِّر الشاعر امرؤ القيس في معلقته الشهيرة:

أفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ

وإن كُنت قد أزمعتِ صَرْمِي، فأجملي

أغرَّكِ مني أن حبّك قاتلي

وأنّكِ مهما تأمُري القلبَ يفعلِ

وإن تك قد ساءتكِ مني خَليقةٌ

فاسلّي ثيابي من ثيابكِ تنسلي

وما ذرفت عيناكِ إلا لتضربي

بسهميكِ في أعشار قلبٍ مُقتَلِ

وبيضة خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُها

تَمتعتُ من لهوٍ بها غير مُعجلِ

تجاوزتُ أحراساً إليها ومعشَراً

علي حراساً لو يُسرُّوا مَقْتَلِي

فقالت: يمين الله، ما لك حيلةٌ

وما إن أرى عنك الغوايةَ تنجلي

خرجتُ بها أمشي تجرّ ورائنا

على آثارنا ذيل مِرْطٍ مُمَهَّلِ

فلما أجزنا ساحة الحيّ وانتحى

بنا بطن كَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ

هصرتُ بفودَي رأسها فتمالَتْ

علي هضيم الكشح رَيّا المُخَلْخَلِ

مُهَفْهَفَةٌ بيضاء غير مُفاضَةٍ

ترائبُها مصقولةٌ كالسّجنجَلِ

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

يقول الأعشى:

أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَدَا

وبِتَّ كما بات السَّليم مُسَهَّدَا

وما ذاكَ من عشق النساء وإنما

تناسيتَ قبل اليوم خُلَّةَ مَهْدَدَا

ولكن أرى الدهر الذي هو خائنٌ

إذا أصلحت كفّا عاد فأفسدَا

شبابٌ وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ

فلله هذا الدهر كيف ترددتَا

وما زلتُ أبغي المال مُذْ أنا يافعٌ

وليداً وكهلاً حين شِبْتُ وأُمَرَدَا

وأبتذِلُ العيسَ المراجيلَ تَغْتَلِي

مسافة ما بين النُّجَيْرِ فصَرخَدَا

ألا أيُّهذا السائلُ، أين يَمَّمَتْ

فإنَّ لها في أهل يَثْرِبَ مَوْعِدَا

فإنْ تسألِي عنّي، فيا رُبَّ سائلٍ

حفيٍّ عن الأَعشى به حيث أَصْعَدَا

فأما إذا مَا أَدْلَجَتْ فترَى لها

رقيبين: جَدْيًا لا يغيب وفَرْقَدَا

وفيها إذا ما هجَّرتْ عَجْرَفِيَّةٌ

إذا خِلتَ حِرْبَاءَ الظّهيرةِ أَصْيَدَا

أجدَّتْ برِجليها النّجاءَ ورَاجَعَتْ

يدَاهَا خنَافًا لينًا غير أَحْرَدَا

فآلَيْتُ لا أرثي لها من كَلاَلَةٍ

ولا من حَفًى حتى تزور مُحَمَّدَا

متى ما تُنِيخِي عند باب ابن هاشمٍ

تُريحين وتلقين من فَواضِلِهِ نَدَى

نبيٌّ يرى ما لا يرون وذِكْرُهُ

أغار لعَمْري في البلاد وأنجَدَا

له صدقاتٌ ما تغيب وَنائِلٌ

وليس عطاء اليوم مانعَه غَدَا

أَجَدَّك لم تسمع وصاة مُحَمَّدٍ

نبيّ الإله حيث أوصى وأشهَدَا

إذا أنت لم ترحل بزاد من التُّقَى

ولاقيتَ بعد الموت مَن قد تزوَّدَا

ندمتَ على أن لا تكون كمثله

فتُرصِدَ للموت الذي كان أَرْصَدَا

فإِيَّاكَ والمَيْتاتِ لا تقرَبَنَّهَا

ولا تأخذنّ سهماً حديداً لتفصِدَا

ولا النُّصُبَ المنصوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ

ولا تعبدِ الأوثانَ واللهَ فاعبدَا

وذا الرَّحِمِ القُربَى فلا تَقْطَعَنَّهُ

لعاقبةٍ ولا الأسير المُقيَّدَا

وصلِّ على حين العَشيَّاتِ والضُحَى

ولا تحمَدِ الشيطانَ واللهَ فاحمَدَا

ولا السائلَ المحرومَ لا تتركَنَّهُ

لعاقبةٍ ولا الأسير المُقيَّدَا

ولا تَسْخَرَنَ من بائسٍ ذي ضَرَارَةٍ

ولا تحسبنّ المالَ للمرء مُخلِّدَا

ولا تَقْرَبَنَّ جارَةً إن سِرَّها

عليكَ حَرامٌ فانكحْنَ أو تَأَبَّدَا

أعاذلتي ألا لا تعذليني

يقول السموأل:

أعاذلتي ألا لا تعذليني

فكم من أمرِ عاذلةٍ عصيتُ

دَعيني وارشِدي إن كنتُ أغوى

ولا تغوي زعمتِ كما غويتُ

أعاذلَ قد أطلتِ اللومَ حتى

لو انِّي مُنْتَهٍ لقد انتهيت

وصفراءُ المعاصمِ قد دعتني

إلى وصلٍ فقلتُ لها أبيتُ

وزِقٍ قد جَرَرْتُ إلى النَّدامَى

وزِقٍ قد شربتُ وقد سَقَيت

وحتى لو يكون فَتى أُناسٍ

بكى منْ عذلِ عاذلةٍ بكيتُ

ألا يا بَيْتُ بالعلياءِ بَيْتُ

ولولا حبُّ أهلكَ ما أتيتُ

ألا يا بَيْتُ أهْلُكَ أوعَدوني

كأنّي كلَّ ذَنْبِهِمِ جَنيْت

إذا ما فاتني لحمُ غريضٍ

ضربتُ ذراعَ بكري فاشتويتُ

ديمة هطلاء

يقول امرؤ القيس:

دَيمَةٌ هَطلاءُ فيها وَطَفٌ

طَبَّقَ الأَرضَ تُجَرّى وَتُدِر

تُخرِجُ الوِدَّ إذا ما أَشجَذَت

وَتُواريهِ إذا ما تَشتَكِر

وَتَرَى الضَبَّ خفيفاً ماهِر

ثانياً بُرثُنُهُ ما ينعَفِر

وَتَرَى الشَجراءَ في رَيِّقِهِ

كَرُؤوسٍ قُطِّعَت فيها الخُمِر

ساعَةً ثُمَّ اِنتَحاها وابِلٌ

ساقِطُ الأَكنافِ وَاهٍ مُنهَمِر

راحَ تُمرِيهِ الصَبا ثُمَّ اِنتَحى

فيهِ شُؤبوبُ جُنوبٍ مُنفَجِر

ثَجَّ حَتّى ضاقَ عَنْ آذِيِّهِ

عَرضُ خَيمٍ فَخُفاءٍ فَيُسُر

قَد غَدا يَحمَلُني في أَنفِهِ

لاحِقُ الإِطلَينِ مَحبوكٌ مُمِر

قصيدة دعيني

يقول عمرو بن مالك:

دَعِيني وَقُولِي بَعْدُ ما شِئْتِ إِنَّني

سَيُغْدَى بِنَعْشِي مَرَّةً فَأُغَيَّبُ

خَرَجْنَا فَلَمْ نَعْهَدْ وَقَلَّتْ وَصَاتُنَا

ثَمَانِيَةٌ ما بَعْدَها مُتَعَتَّبُ

سَراحِينُ فِتْيَانٌ كـأنَّ وُجُوهَهُمْ

مَصَابِيحُ أوْ لَوْنٌ مِنَ المَاءِ مُذْهَبُ

نَمُرُّ بِرَهْوِ الماءِ صَفْحًا وَقَدْ طَوَتْ

شَمَائِلُنَا والــزَّادُ ظَنٌّ مُغَيَـبُ

ثلاثاً على الأقْدامِ حتَّى سَمَا بِنَا

على العَوْصِ شَعْشاعٌ مِنَ القَوْم مِحْرَبُ

فَثَاروا إِلَيْنَا في السَّوَادِ فَهَجْهَجُوا

وَصَوَّتَ فِينَـا بالصَّباحِ المثوِّبُ

فَشَنَّ عَلَيْهِمْ هِزَّةَ السَّيْفِ ثَابِتٌ

وَصَمَّمَ فيهِمْ بالحُسَامِ المُسَيَّبِ

وَظَلْتُ بِفِتْيَانٍ معي أتَّقِيهِمُ

بِهِنَّ قليلاً سَاعَةً ثمَّ خَيَّبُوا

وَقَدْ خَرَّ مِنْهُمْ رَاجِلَانِ وَفَارِسٌ

كَمِيٌّ صَرَعْنَاهُ وقَرْمٌ مُسَلَّبُ

يَشُنُّ إلَيْهِ كُلُّ رِيعٍ وَقَلْعَةٍ

ثمانِيَةً والقَوْمُ رجْلٌ ومِقْنَبُ

فلمّا رآنا قَوْمُنَا قِيلَ: أفْلَحُوا

فَقُلْنَا: كسْأَلُوا عَنْ قَائِلٍ لا يُكَذَّبُ

كم يبعد الدهر من أرجو أقاربه

يقول عنترة بن شدّاد:

كَمْ يُبْعِدُ الدَّهْرُ مَنْ أَرْجُو أُقارِبُهُ

عنِّي ويبعثُ شيطاناً أحاربهُ

فيالهُ من زمانٍ كلَّما انصرفتْ

صروفهُ فتكتْ فينا عواقبهُ

دَهْرٌ يرَى الغدْرَ من إحدَى طبَائِعهِ

فكيْفَ يَهْنا بهِ حُرٌّ يُصَاحِبُهُ

جَرَّبْتُهُ وَأنا غِرٌّ فَهَذَّبَني

من بَعْدِما شَيَّبَتْ رَأْسي تجَاربُهُ

وكيْفَ أخْشى منَ الأَيَّامِ نائِبةً

وَالدَّهْرُ أَهْوَنُ مَا عِنْدي نَوائبُهُ

كم ليلةٍ سرتُ في البيداءِ منفرداً

واللَّيْلُ لِلْغَرْبِ قدْ مالت كوَاكبُهُ

سيفي أنيسي ورمحي كلَّما نهمتْ

أسدُ الدِّحالِ إليها مالَ جانبهُ

وَكمْ غدِيرٍ مَزجْتُ الماءَ فيهِ دماً

عند الصَّباحِ وراحَ الوحش طالبهُ

يا طامعاً في هلاكي، عدْ بلا طمعٍ

ولا تردْ كأسَ حتفِ أنتشاربهُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top