كتاب أحكام القرآن لابن العربي: مقدمة وتعريف
أحكام القرآن هو مؤلف للإمام أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن العربي، يتناول فيه الأحكام المتعلقة بالقرآن الكريم وفق مذهب مالك. يعرض ابن العربي فيه ما كتبه في علوم القرآن، بما في ذلك التوحيد والأحكام الناسخة والمنسوخة. يقول في كتابه: “قد أتممنا الحديث في القسم الأول من علوم القرآن وهو التوحيد، وكذلك القسم الثاني الذي يتناول الناسخ والمنسوخ، ولذا يجب علينا توجيه الاهتمام نحو القسم الثالث، وهو بيان أحكام أفعال المكلفين الشرعية”، وقد أتم تأليف الكتاب في سنة 503هـ.
حظي كتاب أحكام القرآن بعدد من الطبعات بسبب أهميته، مما جعله يتداول بين طلبة العلم بشكل واسع. كانت أولى طبعاته في عام 1331هـ، عبر مطبعة سعادة بالقاهرة، تلتها عدة طبعات أخرى بتحقيق علي حمد البيجاوي، منها طبعة دار المعرفة في بيروت عام 1392هـ وطبعة دار الكتب العلمية في بيروت عام 1424هـ، مع تعليقات حمد عبد القادر عطا.
يوصف الكتاب من قبل العلماء بأنه من أبرز الكتب المهمة، حيث يُعتبر مرجعًا رئيسيًا للتفسير الفقهي وفقًا لقواعد المذهب المالكي، حيث يعتمد في تفسيره على الآيات الدالة على الأحكام من خلال القواعد الفقهية لدى الإمام مالك.
أسباب تأليف كتاب الأحكام
تتعدد أسباب تأليف الإمام ابن العربي لكتابه “أحكام القرآن”، ومن بينها:
- الرغبة في تخصيص كتاب يركز على آيات الأحكام، بعد أن تناول مؤلفاته عدة مجالات في الدراسات القرآنية.
- حرص ابن العربي على تقديم مؤلف شامل يجمع بين جوانب التفسير الفقهي وفق أصول الإمام مالك.
- الرغبة في تدوين الفقه المستنبط من الآيات، من خلال الاجتهاد أو ما اكتسبه من علمه لدى شيوخه.
منهج ابن العربي في الكتاب
يمتاز منهج ابن العربي في تأليفه بالخصائص التالية:
- التأكد من المسائل المختلف فيها من خلال الرجوع إلى دلالات القرآن والسنة، وشرح معاني الآيات بشكل دقيق، حيث يقول ابن العربي: “نذكر الآية ونستعرض كلماتها، بل حروفها، لنتعرف عليها بشكل منفصل، ثم نربطها ببعضها، مع مراعاة البلاغة وتجنب التناقض في الأحكام، ونحافظ على اللغة ونقارنها بما جاء في السنة الصحيحة”.
- البدء بذكر السورة وعدد آيات الأحكام فيها، ثم الشرح بالتسلسل، مع توضيح سبب النزول إذا وُجد، بالإضافة إلى بيان مفاهيم البلاغة والإعراب، وذكر ما يتعلق بالآية من آيات وأحاديث، بحيث يفسر القرآن بالقرآن، كما يتطرق إلى القراءات المتنوعة للآيات، ويستشهد بشواهد شعرية ويوازن بين الأقوال في المسألة.
- اعتماد مفهوم “فقه التنزيل” الذي يعني تطويع الأحكام للواقع، حيث يُعتبر ابن العربي من الرواد في هذا السياق.
- تطبيق فقه التنزيل في تفسير القرآن، حيث استخدمه بكثرة، ولدى متابعة الموضوعات في “أحكام القرآن”، يظهر أن معظم تقديمات ابن العربي تعتمد على مسائل فقهية ترتبط بآيات الأحكام، وعندما تولى القضاء، طبق أحكامه على المحاربين وأحيى قضية الحكمين في حالات الخلافات الزوجية، كما أنه ساهم بقدر كبير من خلال رحلاته العلمية في فهم الواقع وتطبيق الآيات عليه.
الإمام ابن العربي: مؤلف الكتاب
يمكن تقديم الإمام ابن العربي رحمه الله عبر النقاط التالية:
- القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن العربي الإشبيلي المالكي، وُلِد في إشبيلية يوم الخميس 22 شعبان 468هـ في عائلة علمية مرموقة.
- قام برحلة علمية رافقه فيها والده إلى المشرق، حيث زار العديد من العواصم مثل بغداد والقاهرة ودمشق وخراسان، والتقى بكبار العلماء في زمانه.
- من أبرز شيوخه: أبو حامد الغزالي، أبو بكر الشاشي، أبو بكر الطرطوشي، والتبريزي وغيرهم.
- حج إلى البيت الحرام واستفاد من علماء الحجاز، وكان يأخذ العلم من شيوخه أثناء تنقلاته، حيث تميز بالممارسة الأكاديمية في مجالات مثل التفسير والفقه والأصول وغيرها.
- من بين أبرز تلاميذه: أبو القاسم محمد بن عبد العزيز الأنصاري، وأبو بكر محمد بن فتحون، ومحمد اللخمي، محمد بن إبراهيم المعروف بابن زرياب، وأبو نصر خاقان، وغيرهم.
- من مؤلفاته المهمة: قانون التأويل، أحكام القرآن، أنوار الفجر، وغير ذلك من الأعمال القيمة.
- توفي رحمه الله بالقرب من فاس، في ليلة الخميس التي تسبق الثالث من ربيع الأول 543هـ، وتم دفنه في اليوم التالي خارج باب المحروق بتربة القائد المظفّر.
يعتبر كتاب أحكام القرآن لابن العربي من أبرز المراجع في تفسير الأحكام الشرعية، حيث يفسر الأنظمة المبينة في القرآن الكريم وفقًا للمذهب المالكي، مرتّبًا الآيات حسب وجود الأحكام، وقام بتقسيم كل آية إلى مسائل، مما يعطي إشارة واضحة إلى عدد آيات الأحكام بالمقارنة بالعدد الفعلي للآيات.