أروع قصائد نزار قباني

قصيدة قولي أحبك

قولي أحبك لكي تزيد وسامتي، فبدون حبك لا أعتبر نفسي جميلاً. قولي أحبك لتصبح أصابعي ذهباً، وتتحول جبهتي إلى مصباح ينير حياتي. الآن قوليها ولا تترددي، فبعض الهوى لا يقبل التأجيل. سأغير التقويم إن أحببتني، سأمحى فصولاً أو أضيف أخرى. وسينتهي العصر القديم على يدي، وسأقيم عاصمة النساء بديلة. إذا كنتِ حبيبتي، سأغزو الشموس بأشرعتي وخيولي. لا تخجلي مني، فهذه فرصتي لأكون بين العاشقين رسولا.

قصيدة حبيبتي والمطر

أخاف أن تمطر الدنيا وأنتِ ليست معي، فمنذ رحيلك أصبحت أعاني من هاجس المطر. كان الشتاء يلفني بمعطفه، ولم أكن أفكر في بردٍ أو انزعاج. كانت الرياح تعوي خلف نافذتي، فتهمسي شعري هنا وهناك. والآن، أجلس والأمطار تضربني على ذراعي، وجهي، وظهري. فمن يدافع عني يا مسافرة كاليَمامة بين البصر والعين؟ كيف يمكنني محو ذكراك من صفحات الذاكرة، وأنتِ في قلبي كالنقش في الحجر؟

قصيدة قارئة الفنجان

جلست والخوف في عينيها تتأمل فنجاني المقلوب. قالت: يا ولدي، لا تحزن، فالحب مقدر لك. يا ولدي، قد مات شهيداً من مات على دين المحبوب. فنجانك عالم مخيف وحياتك مليئة بالأسفار والحروب. ستُحب كثيراً يا ولدي، وستموت كثراً كذلك. وستعشق جميع نساء الأرض، ثم تعود كالملك المغلوب. بحياتك، يا ولدي، توجد امرأة عيناها كجمال المعبود. فمها مرسوم كالعنقود، وضحكتها موسيقية وزهور. ولكن سماءك ممطرة وطريقك مسدود. فحبيبة قلبك، يا ولدي، نائمة في قصر محكوم. والقصر كبير وكلاب تحرسه، وأسبوع قلبك نائمة. من يدخل حجرتها مفقود، ومن يطلب يدها، أو يقترب من سور حديقتها، مفقود. لقد رأيت الكثير، لكنني لم أقرأ أبداً فنجاناً مشابهاً لفنجانك. لم أعرف أحزاناً تشبه أحزانكم. مقدورك أن تمشي في الحب على حد الخنجر، وأن تبقى وحيداً كالأصداف، حزيناً كالصَّفصاف. مقدورك أن تمضي في بحر الحب بدون شراع. تحب ملايين المرات، ثم تعود كالملك المخلوع.

قصيدة حقائب الدموع والبكاء

إذا أتى الشتاء وحركت رياحه ستائري، أشعر يا صديقتي بحاجة إلى البكاء على ذراعيك، وعلى دفاتري. إذا جاء الشتاء وانقطعت عندلة العناد، وأصبحت جميع العصافير بلا منازل، يبدأ النزيف في قلبي وفي أناملي، كما لو كانت الأمطار في السماء تهطل في داخلي. حينها، يغمرني شوق طفولي للبكاء على حرير شعرك الطويل كالسنبلة، كطائر مهاجر يبحث عن نافذة مضيئة يبحث عن سقف له في عتمة الجدائل. إذا جاء الشتاء، واغتال ما في الحقل من طيوب، وهرب النجوم في رداءه الكئيب، يأتي الحزن كالطفل الشاحب الغريب، مبللاً الخدين والرداء. أفتح الباب لهذا الزائر العزيز، أمنحه السرير والغطاء، وأعطيه كل ما يريد. من أين جاء الحزن يا صديقتي؟ وكيف جاء؟ يحمل لي في يده زنابق رائعة وحقائب من الدموع والبكاء.

قصيدة رسائل من سيدة حاقدة

لا تدخلي! وسددت في وجهي الطريق بمرفقيك، وزعمت لي أن الرفاق أتوا إليك. هل هم الرفاق أم أن سيدةً لديك تحتل مكانتي؟ وصرخت محتدماً: توقفي! والريح تمضغ معطفي، والذل يكسو موقفي. لا تعتذري يا دني، لا تتأسفي. أنا لست آسفة عليك، بل على قلبي الوفي، الذي لم تعرفي. ماذا لو أخبرتني أن أمرى انتهى لديك؟ فكل ما همست لي به أيام كنت تحبني، قد أنكرته كما أنكرتني. لا تعتذري، فالإثم يحصد حاجبيك، وخطوط أحمرها تصيح بوجنتيك، ورابطة عنقك المشدوه تفضح ما لديك. يا من وقفت بيني وبين دمي، وكذبتني بأفعالك. دعوة سيدة إليك قد أهنتني، بعد أن كنت الضياء بناظريك. أراها في جوار الموقد، قد استعادت مقعدي، بينما كنت أفكر بك، وأنت تمنحها يداً تشبه يدي. ستردد القصص التي سمعتيها مني، وستخبرها بما أخبرتني به. وسترفع كأساً جرعتني بها حتى سممتني، حتى إذا عادت إليك، أخبرتها أن الرفاق أتوا إليك، وضاعت رونقها كما ضيعتني.

قصيدة أيظنّ

أيظن أني لعبة في يديه؟ أنا لا أفكر في العودة إليه. اليوم عاد وكأن شيئاً لم يكن، وبراءة الأطفال في عينيه، ليقول لي إنه رفيقة دربه وأنني الحب الوحيد لديه. حمل الزهور إلي، كيف أرده؟ وصباي مرسوم على شفتيهما، عدت أذكر والحرائق في دمي، كيف التجأت إلى زنديه. خبأت رأسي عنده كطفل أعيد إلى أبويه، حتى فساتيني التي أهملتها، فرحت به ورقصت على قدميه. سامحته وسألت عن أخباره، وبكيت ساعات على كتفيه. ودون أن أدري، تركت له يدي لتنام كالعصفور بين يديه، ونسيت كل حقدي في لحظة. من قال إني قد حقدت عليه؟ كم قلت إنني لا أعود له، ورجعت، ما أحلى العودة إليه.

قصيدة شؤون صغيرة

تمرّ بها أنت دون التفات، فلا تساوي لدي حياتي. جميع حياتي حوادث قد لا تثير اهتمامك. أعمر منها قصوراً، وأحيا عليها شهوراً، وأغزل منها حكايا كثيرة، وألف سماء وألف جزيرة. شؤونك تلك الصغيرة. حين تدخن، أجثو أمامك كقطتك الطيبة، وكلّي أمان. ألاحق مزهوّة معجبة بخيوط الدخان، وأوزعها في زوايا المكان دوائر دوائر، وترحل في آخر الليل عني كنجمة، كطيب مهاجر. تتركني يا صديق حياتي، برائحة التبغ والذكريات. وأبقى أنا في صقيع انفرادي وزادي أنا، كل زادي، حطام السجائر وصحن يضم الرماد. حين أكون مريضة، وتحمل أزهارك الغالية إلي، صديقي، سأجعل بين يديك يدي.

يعود لي اللون والعافية، وتلتصق الشمس في وجنتي، وأبكي بدون إرادة، وأنت ترد غطائي علي، وتجعل رأسي فوق الوسادة. تمنيت لو أني أبقى مريضة، لتسأل عني وتحمل لي كل يوم وروداً جميلة. حتى إذا رن الهاتف في بيتنا، إلي أطير، أنا، يا صديقي العبير، بفرحة طفل صغير بشوق سنونوة شاردة، وأحتضن الآلة الجامدة، وأعصر أسلاكها الباردة، وأنتظر الصوت، صوتك يهمي علي دفيئاً، مليئاً، قوياً، كصوت نبي، كصوت ارتطام النجوم، كصوت سقوط الحلي، وأبكي، وأبكي. لأنك فكرت في، لأنك من شرفات الغيوب هتفت إلي. ويوم أجيء إليك لأستعير كتاباً، لأزعم أني أتيت لكي أستعير كتاباً، تمد أصابعك المتعبة إلى المكتبة، وأبقى أنا في ضباب الضباب، كأنني سؤال بلا جواب. أحدق فيك وفي المكتبة، كما تفعل القطّة الطيبة. تراك اكتشفت؟ تراك عرفت؟ بأنّي جئت لغير الكتاب، وأنني لست سوى كاذبة؟ وأمضي سريعاً إلى مخدعي، أضم الكتاب إلى أضلعي، كأنني حملت الوجود معي، وأشعل ضوئي، وأسدل حولي الستائر، وأنبش بين السطور وخلف السطور، وأعدو وراء الفواصل، أعدو وراء نقاط تدور، ورأسي يدور كأنني عصفورة جائعة تبحث عن فضلات البذور. لعلك يا صديقي الأثير، تركت بإحدى الزوايا عبارة حب قصيرة، جنينة شوق صغيرة. لعلك بين الصحائف خبأت شيئاً، سلاماً صغيراً، يُعيد السلام إلي، وعندما نكون معاً في الطريق، تأخذ- من غير قصد – ذراعي، أحسّ بشيء عميق، بشيء يشابه طعم الحريق على مرفقي. أرفع كفي نحو السماء، لتجعل دربي بلا انتهاء، وأبكي، وأبكي بلا انقطاع كي يستمر ضياعي. وعندما أعود مساءً إلى غرفتي، وأنزع عن كتفي الرداء، أشعر – وما أنت في غرفتي – بأن يديك تلفان في رحمة مرفقي، وأبقى لأعبد يا مرهق، كان أصابعك الدافئة على كم فستاني الأزرق. وأبكي، وأبكي بدون انقطاع، كأن ذراعي ليست ذراعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top