الإحساس بالحزن في الشعر
تُعتبر كتابة الشعر إحدى الوسائل الرفيعة التي نعبر بها عن مشاعر الحزن والألم في قلوبنا. فالحياة مليئة بمسارات متنوعة، وكل منها يحمل لمسات مختلفة من المشاعر، لذا نجد الكثير من الأفراد يلجؤون إلى كتابة أو قراءة أشعار تعكس جزءاً من دواخلهم المليئة بالحزن.
قصيدة لأبي
كتب الشاعر نزار قباني هذه القصيدة تكريماً لوالده. وُلد نزار في 21 مارس 1923 في دمشق لعائلة عربية سورية. بعد دراسته للحقوق في جامعة دمشق، تبيّن أن عائلته تعود أصولها إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين. توفي نزار قباني بتاريخ 30 إبريل 1998 في لندن، لكنه طلب أن يُدفن في دمشق.
أماتَ أَبوك
ضَلالٌ أنا لا يموتُ أبي
ففي البيت منه
روائحُ ربٍّ وذكرى نَبي
هُنَا رُكنُهُ تلكَ أشياؤهُ
تَفَتَّقُ عن ألف غُصنٍ صبي
جريدتُه تَبغُهُ مُتَّكَاهُ
كأنَّ أبي بَعدُ لم يّذهَبِ
وصحنُ الرمادِ وفنجانُهُ
على حالهِ بعدُ لم يُشرَبِ
ونَظَّارتاهُ أيسلو الزُجاجُ
عُيُوناً أشفَّ من المغرب؟
بقاياهُ في الحُجُرات الفِساحِ
بقايا النُسُور على الملعبِ
أجولُ الزوايا عليه فحيثُ
أمرُّ .. أمرُّ على مُعشِبِ
أشُدُّ يديه.. أميلُ عليهِ
أُصلِّي على صدرهِ المُتعَبِ
أبي.. لم يَزل بيننا والحديثُ
حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
يسامرنا.. فالدوالي الحُبلى
تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ..
أبي خَبَراً كانَ من جَنَّةٍ
ومعنى من الأرحَبِ الأرحَبِ..
وعَينَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ
فهل يذكرُ الشَرقُ عَينَي أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي
كرومٌ وذاكرةِ الكوكبِ..
أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي فلا تَعتبِ..
على اسمِكَ نمضي فمن طّيِبٍ
شهيِّ المجاني إلى أطيبِ
حَمَلتُكَ في صَحو عَينَيَّ.. حتى
تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..
أشيلُكَ حتى بنَبرة صوتي
فكيف ذَهَبتَ.. ولا زلتَ بي؟
إذا فُلَّةُ الدار أعطَت لدينا
ففي البيت ألفُ فمٍ مُذهَبِ
فَتَحنَا لتمُّوزَ أبوابَنا
ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي
القلق في الشعر
أبو الطيب أحمد بن حسين بن الحسن المتنبي، وُلد في الكوفة في عام 915م، ويُعتبر من أبرز شعراء العصر العباسي. تغلبت أغلب قصائده على مدح الملوك، واشتهر بممدوحه سيف الدولة الحمداني. تعتبر قصيدته التالية واحدة من أعظم ما كتب المتنبي، حيث صنفها ضمن الشعر العمودي من بحر الكامل.
أَرق على أَرق ومثلي يأرق
وجوى يزيد وعبرة تترقرق
جهد الصبابة أن تكون كما أرى
عين مسهدة وقَلب يخفق
ما لاح برق أو ترنم طائر
إلا انثنيت ولي فؤاد شيق
جربت من نار الهوى ما تنطفي
نار الغضى وتكل عما تحرق
وعذلت أَهل العشق حتى ذقته
فعجبت كيف يموت من لا يعشق
وعذرتهم وعرفت ذنبي أنني
عيرتهم فلقيت فيه ما لقوا
أبني أبينا نحن أهل منازل
أبدا غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الأكاسرة الجبابرة الألى
كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه
حتى ثوى فحواه لحد ضيق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا
أن الكلام لهم حلال مطلق
والموت آت والنفوس نفائس
والمستغر بما لديه الأحمق
والمرء يأمل والحياة شهية
والشيب أوقَر والشبيبة أنزق
ولقَد بكيت على الشباب ولمتي
مسودة ولماء وجهي رونق
حذرا عليه قَبل يوم فراقه
حتى لكدت بماء جفني أشرق
أما بنو أوس بن معن بن الرضا
فأعز من تحدى إليه الأينق
كبرت حول ديارِهم لما بدت
منها الشموس وليس فيها المشرق
وعجبت من أرض سحاب أكفهم
من فوقها وصخورها لا تورق
وتفوح من طيب الثناء روائح
لهم بكل مكانة تستنشق
مسكية النفحات إلا أنها
وحشية بسواهم لا تعبق
أمريد مثلِ محمد في عصرنا
لا تبلنا بطلاب ما لا يلحق
لم يخلق الرحمن مثل محمد
أبدا وظني أنه لا يخلق
يا ذا الذي يهب الجزيل وعنده
أني عليه بأخذه أتصدَق
أمطر علي سحاب جودك ثرة
وانظر إلي برحمة لا أغرق
كذب ابن فاعلة يقول بجهله
مات الكرام وأنت حي ترزق
وصيتي لك بالحزن
أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني، وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني، وُلد عام 932م، وقد قام بكتابة هذه القصيدة كوصية للحزن، حيث صنفها ضمن الشعر العمودي من بحر البسيط.
أوصيكَ بالحزن لا أوصيك بالجلد
جلَّ المصابُ عن التّعنيفِ والفندِ
إني أجلكَ أن تكفى بتعزية ٍ
عَنْ خَيرِ مُفْتَقَدٍ، يا خَيرَ مُفتقِدِ
هيَ الرّزِيّة ُ إنْ ضَنّتْ بِمَا مَلَكَتْ
منها الجفونُ فما تسخو على أحدِ
بي مثلُ ما بكَ منْ جزنٍ ومنْ جزعٍ
وَقَدْ لجَأتُ إلى صَبرٍ، فَلَمُ أجِدِ
لمْ يَنْتَقِصْنيَ بُعدي عَنْكَ من حُزُنٍ
هيَ المواساة ُ في قربٍ وفي بعدِ
لأشركنكَ في اللأواءِ إنْ طرقتْ
كما شركتكَ في النّعماءِ والرّغدِ
أبكي بدَمعٍ لَهُ من حسرَتي مَدَدٌ
وَأسْتَرِيحُ إلى صَبْرٍ بِلا مَدَدِ
وَلا أُسَوِّغُ نَفْسي فَرْحَةً أبَداً وقدْ
عرفتُ الذي تلقاهُ منْ كمدِ
وأمنعُ النّومَ عيني أنْ يلمَّ بها
عِلْمَاً بإنّكَ مَوْقُوفٌ عَلى السُّهُدِ
يا مُفْرَداً بَاتَ يَبكي لا مُعِينَ لَهُ
أعانَكَ اللَّهُ بِالتّسْلِيمِ والجَلَدِ
هَذا الأسِيرُ المُبَقّى لا فِدَاءَ لَه
يَفديكَ بالنّفسِ والأَهْلينَ وَالوَلَدِ
مآسي الحياة
نازك الملائكة هي شاعرة عراقية تعتبر رائدة في كتابة الشعر الحر، حيث ولدت عام 1923م. عُرفت والدة نازك بكتابة الشعر في الصحف باسم “أم نزار الملائكة”، وسُميت تيمناً بالثائرة السورية نازك العابد. درست نازك الملائكة اللغة العربية والموسيقى، بالإضافة إلى لغات مثل الإنجليزية والفرنسية، وتوفيت في عام 2007م.
من صباحٍ لليلِ هذا الوجود
عبثاً تسألين لن يُكْشف السرُ
ولن تَنْعمي بفكِ القيودِ
في ظلال الصفصافِ قَضَيتِ ساعاتكِ
حَيْرى تُمضُك الأسرارُ
تسألين الظلالَ والظلُ
لايعلمُ شيئاً
أبداً تنظرين للأفق المجهول
حَيْرى فهل تجلّى الخفيُّ
أبداً تسألين
صمتٌ مُستغلِقٌ أبديُّ
فيمَ لا تيأسينَ ما أدركَ الأسرارَ
قلبٌ من قبلُ كي تدركيها
أسفاً يا فتاةُ لن تفهمي الأيامَ
فلتقنعي بأن تجهليها
أُتركي الزورق الكليل تسِّيرْه
أكفُّ الأقدارِ كيف تشاءُ
ما الذي نلتِ من مصارعة الموجِ؟
وهل نامَ عن مناكِ الشقاءُ؟
آهِ يا من ضاعتْ حياتك في الأحلامِ
ماذا جَنَيْتِ غير الملالِ؟
لم يَزَلْ سرُّها دفينا فيا ضياعهَ
عُمْرٍ قضَّيتِهِ في السؤالِ
هُوَ سرُّ الحياة دقَّ على الأفهامِ
حتى ضاقت به الحكماءُ
فيأسي يا فتاةُ ما فُهمتْ من
قبلُ أسرارُها ففيم الرجاءُ؟
جاء من قبلِ أن تجيئي إلى الدُّنْيا
ملايينُ ثم زالوا و بادوا
ليتَ شعري ماذا جَنَوْا من لياليهمْ
وأينَ الأفراحُ و الأعيادُ
ليس منهم إلاَّ قبورٌ حزيناتٌ
أقيمت على ضفاف الحياةِ
رحلوا عن حِمَى الوجودِ ولاذوا
في سكونٍ بعالم الأمواتِ
كم أطافَ الليلُ الكئيب على الجو
وكم أذعنت له الأكوانُ
شهد الليلُ أنّه مثلما كان
فأينَ الذينَ بالأمس كانوا؟
كيف يا دهرُ تنطفي بين كفَّيك
الأماني وتخمد الأحلامُ؟
كيف تَذْوي القلوبُ وهي ضياءٌ
ويعيشُ الظلامُ وهو ظلامُ
مآسي الفراق
غادة أحمد السمان، كاتبة سورية ولدت في دمشق في عائلة شامية ترتبط قرابتها بنزار قباني. أصدرت مجموعتها القصصية الأولى “عيناك قدري” عام 1962م. تتضمن قصائدها العديد من المشاعر المختلفة، بما في ذلك:
ما أجمل الفراق
ستبقى وسيماً وشاباً إلى الأبد في خاطري. ستظلّ تحبني
وتكتب لي أعذب قصائد الحب، وسأظلّ حين أسمع اسمك أو
أرى صورتك أرى النجوم تركض قرب وجهي نهراً متدفقاً من
الضوء إلى اللانهايات
سأظل أحبك سعيدة بالتواطؤ مع خديعتك لي أحبك دون
أن أسألك من أنت وما أنت، حباً بلا شروط،
حباً له بهاء خراب الفصول
حباً أعلن استقلاله عنك.
سيصير حبك لقاء في المسافة بين الكبرياء والكتمان
والمستحيل،
كوكباً مضيئاً راكضاً في مداراته النائية المعتمة
قمرأ جديداً غامضاً يُضاف إلى مجرتنا،
يرصده الفلكيون بدهشة متسائلين: من أين جاء
الصلاة الأخيرة
هذه القصيدة لمحمود درويش تعبر عن الأحزان وكتبها في سياق نثري:
يُخَيّلُ لي أن عمري قصير
وأني على الأرض سائح
وأن صديقة قلبي الكسير
تخون إذا غبت عنها
وتشرب خمرا
لغيري،
لأني على الأرض سائح
يخيل لي أن خنجر غدرِ
سيحفر ظهري
فتكتب إحدى الجرائد
“كان يجاهد”
و يحزن أهلي وجيراننا
ويفرح أعداؤنا
وبعد شهور قليلة
يقولون كان
يخيل لي أن شعري الحزينْ
وهذي المراثي، ستصبح ذكرى
وأن أغاني الفرح
وقوس قزح
سينشدها آخرون
وأن فمي سوف يبقى مدمّى
على الرمل و العوسجِ
فشكراً لمن يحملون
توابيت أمواتهم
وعفواً من المبصرين
أماميَ لافتة النجم
في ليلة المدلجِ
يخيل لي يا صليب بلادي
ستحرق يوماً
وتصبح ذكرى ووشماً
وحين سينزل عنك رمادي
ستضحك عينُ القدر
وتغمز ماتا معاً
لو أني لو أني
أقبّل حتى الحجر
وأهتّف لم تبق إلاّ بلادي
بلاديَ يا طفلة أمَةً
تموت القيود على قدميها
لتأتي قيود جديدة
متى نشرب الكأس نخبك
حتى ولو في قصيدة؟
ففرعون مات
ونيرون مات
وكل السنابل في أرض بابلَ
عادت إليها الحياة
متى نشرب الكأس نخبك
حتى ولو في الأغاني
أيا مهرة يمتطيها طغاة الزمان
و تفلت منا
من الزمن الأول
لجامك هذا دمي
و سرجك هذا دمي
إلى أين أنت إذن رائحة
أنا قد وصلت إلى حُفْرةٍ
وأنت أماماً أماماً
إلى أين
يا مهرتي الجامحة
يخيل لي أن بحر الرماد
سينبتُ بعدي
نبيذا وقمخاً
وأني لن أطعمه
لأني بظلمة لحدي
وحيدٌ مع الجمجمة
لأني صنعتُ مع الآخرين
خميرةَ أيامنا القادمة
وأخشابَ مركبنا في بحار الرماد
يخيل لي أن عمري قصير
وأني على الأرض سائح
ولو بقيت في دمي
نبضة واحدهْ
تعيد الحياة إليّ
لو أني
أفارق شوك مسالكنا الصاعدة
لقلت ادفنونيَ حالاً
أنا توأم القمة المارده