قصيدة ظبي الحمى باللّه ما ضركا
يتحدث الشاعر حافظ إبراهيم في هذه الأبيات:
ظَبْيَ الحِمَى باللّهِ ما ضَرَّكَا
إذا رأينا في الكَرَى طَيفَكا
وما الذي تَخشاهُ لو أنّهم
قالوا فُلانٌ قد غَدا عَبدَكا
قد حَرَّمُوا الرِّقَّ ولكنّهم
ما حَرَّمُوا رِقَّ الهَوَى عِنْدَكَا
وأصبَحَتْ مِصرُ مُراحاً لهم
وأنتَ في الأحشا مُراحٌ لكا
ما كان سهلاً أن يَرَوْا نِيلَها
لو أنّ في أسيافِنا لَحظَكا
قصيدة رميت بها على هذا التباب
مرحباً بكم في هذه الأبيات التي تتناول موضوع مصر للشاعر حافظ إبراهيم:
رَمَيْتُ بها على هذا التَّبابِ
وما أَوْرَدْتُها غيرَ السَّرابِ
وما حَمَّلْتُها إلاّ شَقاءً
تُقاضِيني به يومَ الحِسابِ
جَنَيْتُ عليكِ يا نَفْسي وقَبْلي
عليكِ جَنَى أبي فدَعي عِتابي
فلَولا أنّهم وأَدُوا بَياني
بَلَغتُ بك المُنى وشَفَيْتُ ما بي
وما أَعْذَرْتُ حتى كان نَعْلي
دَماً ووِسادَتي وَجْهَ التُّرَابِ
وحتى صَيَّرتْني الشمسُ عَبْداً
صَبِيغاً بَعدَ ما دَبَغَتْ إهابي
وحتى قَلَّمَ الإِمْلاقُ ظُفْري
وحتى حَطَّمَ المِقْدارُ نابي
مَتَى أنا بالِغٌ يا مِصْرُ أَرْضاً
أَشُّم بتُرْبِها رِيحَ المَلابِ
رأيتُ ابنَ البُخارِ على رُباها
يَمُرُّ كأنَّه شَرْخُ الشَّبابِ
كأنّ بجَوْفِه أحشاءَ صبٍّ
يُؤَجِّجُ نارَها شَوقُ الإيابِ
إذا ما لاحَ ساءَلْنا الدَّياجي
أَبَرْقُ الأَرْضِ أمْ بَرْقُ السَّحابِ
قصيدة حطمت اليراع فلا تعجبي
نقدم لكم هذه الأبيات المميزة عن مصر العظيمة للشاعر حافظ إبراهيم:
حَطَمْتُ اليَراعَ فلا تَعْجَبِي
وعِفتُ البَيانَ فلا تَعتُبي
فما أنتِ يا مصرُ دارَ الأديبِ
ولا أنتِ بالبَلَدِ الطَّيِّبِ
وكمْ فيكِ يَا مصرُ مِنْ كاتبٍ
أقالَ اليَراعَ ولم يَكتُبِ
فلا تُعذُليني لهذا السكوت
فقد ضاقَ بي منكِ ما ضاقَ بي
أيُعجِبُني منكِ يومَ الوِفاق
سُكوتُ الجَمادِ ولِعْبُ الصَّبي
وكم غَضب الناسُ من قبلِنا
لسَلبِ الحُقوقِ ولمْ نغضَبِ
أنابتَةَ العصرِ إنّ الغريبَ
مُجِدٌّ بمصرَ فلا تلعبي
يقولون: في النَّشْءِ خيرٌ لنا
ولَلنَّشْءُ شرٌّ من الأجنبي
أفي (الأزبكيّة) مثوى البنينِ
وبين المساجد مثوى الأب؟
(وكم ذا بمصرَ من المضحكاتِ)
كما قال فيها (أبو الطيِّب)
أمورٌ تمرُّ وعيشٌ يُمِرُّ
ونحن من اللَّهو في ملعب
وشعب يفرُّ من الصالحاتِ
فرارَ السَّليم من الأجرب
وصُحْف تطنُّ طنينَ الذُّبابِ
وأخرى تشنُّ على الأقرب
وهذا يلوذ بقصر الأميرِ
ويدعو إلى ظِلِّه الأرحب
وهذا يلوذ بقصر السَّفيرِ
ويُطنِب في وِرده الأعذب
وهذا يصيحُ مع الصائحينَ
على غير قصدٍ ولا مأرب
وقالوا: دخيلٌ عليه العفاء
ونعم الدَّخيلُ على مذهبي!
رآنا نياماً ولما نُفِقْ
فشمَّرَ للسَّعي والمكسب
وماذا عليه إذا فاتنا
ونحن على العيش لم ندأب؟
ألفنا الخمولَ ويا ليتنا
ألفنا الخمولَ! ولم نكذب!
وقالوا: (المؤيَّدُ) في غمرةٍ
رماه بها الطَّمعُ الأشعبي
دعاه الغرامُ بسنّ الكهولِ
فجُنَّ جُنوناً ببنت النَّبي
ونادى رجالٌ بإسقاطهِ
وقالوا: تَلَوَّنَ في المَشْرَب
وعَدُّوا عليه من السَّيِّئاتِ
أُلوفاً تَدُورُ مع الأحقُب
وقالوا لصيقٌ ببيتِ الرَّسولِ
أغارَ على النَّسَبِ الأنجب
وزكَّى (أبو خَطوةٍ) قولَهم
بحكمٍ أحَدَّ من المضرب
فما للتهاني على دارِهِ
تَسَاقطُ كالمطر الصَّيِّبِ
وما للوُفُود على بابهِ
تزفُّ البشائرَ في موكب؟
وما للخليفة أسدى إليهِ
وساماً يليقُ بصدر الأبي؟
فيا أمّةً ضاقَ عن وصفها
جَنانُ المفوَّهِ والأَخْطَبِ
تضيعُ الحقيقةُ ما بيننا
ويَصلى البريءُ مع المذنب
ويُهضَمُ فينا الإمام الحكيمُ
ويُكْرَم فينا الجهولُ الغَبِي
على الشَّرق منِّي سلامُ الودود
وإنْ طأطأ الشَّرقُ للمغرب
لقد كان خِصباً بجدب الزّمانِ
فأجدبَ في الزَّمن المُخْصِب!
قصيدة رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
يستعرض الشاعر المصري حافظ إبراهيم من خلال هذه الأبيات مشاعره حول مصر:
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي
وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني
عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي
رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغايةً
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلةٍ
وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني
ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني
أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَةً
وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً
فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ
أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ
يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
ولو تَزْجُرونَ الطَّيرَ يوماً عَلِمتُمُ
بما تحتَه مِنْ عَثْرَةٍ وشَتاتِ
سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرةِ أَعْظُماً
يَعِزُّ عليها أن تلينَ قَناتِي
حَفِظْنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتُه
لهُنّ بقلبٍ دائمِ الحَسَراتِ
وفاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ
حَياءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِراتِ
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً
مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناةِ
وأسمَعُ للكُتّابِ في مِصرَ ضَجّةً
فأعلَمُ أنّ الصَّائحِين نُعاتي
أَيهجُرنِي قومِي-عفا الله عنهمُ
إلى لغةٍ لمْ تتّصلِ برواةِ
سَرَتْ لُوثَةُ الافْرَنجِ فيها كمَا سَرَى
لُعابُ الأفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعةً
مشكَّلةَ الأَلوانِ مُختلفاتِ
إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ
بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي
فإمّا حَياةٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى
وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي
وإمّا مَماتٌ لا قيامةَ بَعدَهُ
مماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بمماتِ
قصيدة سائلوا الليل عنهم والنهارا
نقدم لكم هذه الأبيات المؤثرة عن مصر للشاعر حافظ إبراهيم:
سائِلُوا الَّليْلَ عنهمُ والنَّهارَا
كيف باتَتْ نِساؤُهُمْ والعَذارَى
كيف أَمْسَى رَضِيعُهُمْ فَقَدَ الأ
مَّ وكيف اصْطَلَى مع القَوْمِ نارَا
كيف طاحَ العَجُوزُ تحتَ جِدارٍ
يَتَداعى وأسْقُفٍ تَتَجارَى
رَبِّ إنّ القَضاءَ أَنْحَى عليهم
فاكشف الكَربَ واحجُبِ الأَقْدارَا
ومُرِ الَّنارَ أنْ تَكُفَّ أَذاها
ومُرِ الغَيْثَ أَنْ يَسِيلَ انْهِمارا
أينَ طُوفانُ صاحِبِ الفُلكِ يَروي
هذِه النّارَ؟ فهي تَشْكُو الأوَارا
أَشْعَلَتْ فَحْمَةَ الدَّياجِي فباتَتْ
تَملأ الأرضَ والسَّماءَ شَرارا
غَشِيَتْهُمْ والنَّحْسُ يَجْرِي يَميناً
ورَمَتهُم والبُؤْسُ يَجري يَسارا
فأَغارَتْ وأوْجُهُ القَومِ بِيضٌ
ثمّ غَارَتْ وقد كَسَتْهُنَّ قارا
أَكَلَتْ دُورَهُمْ فلّما استَقَلَّتْ
لم تُغادِرْ صِغارَهُم والكِبارا
أخرَجَتهُم من الدِّيارِ عُراةً
حَذَرَ الموتِ يطلبونَ الفِرارا
يَلْبَسُونَ الظَّلامَ حتَّى إذا ما
أقبلَ الصُّبحُ يَلبَسون النَّهارا
حُلَّة لا تَقيهِمُ البَردَ والحَـ
ـرَّ ولا عنهُمُ ترُدُّ الغُبارا
أيها الرَّافِلون في حُلَلِ الوَشْـ
ـي يجُرُّونَ للذُّيولِ افْتِخارا
إنّ فوقَ العَراءِ قوماً جِياعاً
يَتوارَونَ ذِلَّةً وانكِسارا
أيُّهذا السَّجينُ لا يمْنَع السِّجْـ
ـنُ كريماً مِن أنْ يُقيلَ العِثارا
مُرْ بِأَلْفٍ لهم وإنْ شِئْتَ زِدْها
وأجِرْهُم كما أجَرَتَ النَّصارى
قد شَهِدْنا بالأمسِ في مِصرَ عُرساً
مَلأَ العَينَ والفُؤادَ ابْتِهارا
سالَ فيه النُّضارُ حتى حَسِبنا
أنّ ذاك الفِناءَ يجري نُضارا
باتَ فيه المُنَعَّمونَ بليلٍ
أَخْجَلَ الصُّبْحَ حُسْنُه فَتَوارَى
يَكْتَسُون السَرورَ طَوْراً وطَوْراً
في يَد الكَأسِ يَخْلَعُون الوَقارا
وسَمِعْنا في ميت غَمْرٍ صِياحاً
مَلأ البَرَّ ضَجّةً والبِحارا
قصيدة لِمِصرَ أَم لِرُبوعِ الشامِ تَنتَسِبُ
إليكم أيضاً هذه القصيدة عن مصر:
لِمِصرَ أَم لِرُبوعِ الشامِ تَنتَسِبُ
هُنا العُلا وَهُناكَ المَجدُ وَالحَسَبُ
رُكنانِ لِلشَرقِ لا زالَت رُبوعُهُما
قَلبُ الهِلالِ عَلَيها خافِقٌ يَجِبُ
خِدرانِ لِلضادِ لَم تُهتَك سُتورُهُما
وَلا تَحَوَّلَ عَن مَغناهُما الأَدَبُ
أُمُّ اللُغاتِ غَداةَ الفَخرِ أُمُّهُما
وَإِن سَأَلتَ عَنِ الآباءِ فَالعَرَبُ
أَيَرغَبانِ عَنِ الحُسنى وَبَينَهُما
في رائِعاتِ المَعالي ذَلِكَ النَسَبُ
وَلا يَمُتّانِ بِالقُربى وَبَينَهُما
تِلكَ القَرابَةُ لَم يُقطَع لَها سَبَبُ
إِذا أَلَمَّت بِوادي النيلِ نازِلَةٌ
باتَت لَها راسِياتُ الشامِ تَضطَرِبُ
وَإِن دَعا في ثَرى الأَهرامِ ذو أَلَمٍ
أَجابَهُ في ذُرا لُبنانَ مُنتَحِبُ
لَو أَخلَصَ النيلُ وَالأُردُنُّ وُدَّهُما
تَصافَحَت مِنهُما الأَمواهُ وَالعُشُبُ
بِالوادِيَينِ تَمَشّى الفَخرُ مِشيَتَهُ
يَحُفُّ ناحِيَتَيهِ الجودُ وَالدَأَبُ
فَسالَ هَذا سَخاءً دونَهُ دِيَمٌ
وَسالَ هَذا مَضاءً دونَهُ القُضُبُ
نَسيمَ لُبنانَ كَم جادَتكَ عاطِرَةٌ
مِنَ الرِياضِ وَكَم حَيّاكَ مُنسَكِبُ
في الشَرقِ وَالغَربِ أَنفاسٌ مُسَعَّرَةٌ
تَهفو إِلَيكَ وَأَكبادٌ بِها لَهَبُ
لَولا طِلابُ العُلا لَم يَبتَغوا بَدَلاً
مِن طيبِ رَيّاكَ لَكِنَّ العُلا تَعَبُ
كَم غادَةٍ بِرُبوعِ الشَأمِ باكِيَةٍ
عَلى أَليفٍ لَها يَرمي بِهِ الطَلَبُ
يَمضي وَلا حيلَةٌ إِلّا عَزيمَتُهُ
وَيَنثَني وَحُلاهُ المَجدُ وَالذَهَبُ
يَكُرُّ صَرفُ اللَيالي عَنهُ مُنقَلِباً
وَعَزمُهُ لَيسَ يَدري كَيفَ يَنقَلِبُ
بِأَرضِ كولُمبَ أَبطالٌ غَطارِفَةٌ
أُسدٌ جِياعٌ إِذا ما ووثِبوا وَثَبوا
لَم يَحمِهِم عَلَمٌ فيها وَلا عَدَدٌ
سِوى مَضاءٍ تَحامى وِردَهُ النُوَبُ
أُسطولُهُم أَمَلٌ في البَحرِ مُرتَحِلٌ
وَجَيشُهُم عَمَلٌ في البَرِّ مُغتَرِبُ
لَهُم بِكُلِّ خِضَمٍّ مَسرَبٌ نَهَجٌ
وَفي ذُرا كُلِّ طَودٍ مَسلَكٌ عَجَبُ
لَم تَبدُ بارِقَةٌ في أُفقِ مُنتَجَعٍ
إِلّا وَكانَ لَها بِالشامِ مُرتَقِبُ
ما عابَهُم أَنَّهُم في الأَرضِ قَد نُثِروا
فَالشُهبُ مَنثورَةٌ مُذ كانَتِ الشُهُبُ
وَلَم يَضِرهُم سُراءٌ في مَناكِبِها
فَكُلِّ حَيٍّ لَهُ في الكَونِ مُضطَرَبُ
رادوا المَناهِلَ في الدُنيا وَلَو وَجَدوا
إِلى المَجَرَّةِ رَكباً صاعِداً رَكِبوا
أَو قيلَ في الشَمسِ لِلراجينَ مُنتَجَعٌ
مَدّوا لَها سَبَباً في الجَوِّ وَاِنتَدَبوا
سَعَوا إِلى الكَسبِ مَحموداً وَما فَتِئَت
أُمُّ اللُغاتِ بِذاكَ السَعيِ تَكتَسِبُ
فَأَينَ كانَ الشَآمِيّونَ كانَ لَها
عَيشٌ جَديدٌ وَفَضلٌ لَيسَ يَحتَجِبُ
هَذي يَدي عَن بَني مِصرٍ تُصافِحُكُم
فَصافِحوها تُصافِح نَفسَها العَرَبُ
فَما الكِنانَةُ إِلّا الشامُ عاجَ عَلى
رُبوعِها مِن بَنيها سادَةٌ نُجُبُ
لَولا رِجالٌ تَغالَوا في سِياسَتِهِم
مِنّا وَمِنهُم لَما لُمنا وَلا عَتَبوا
إِن يَكتُبوا لِيَ ذَنباً في مَوَدَّتِهِم
فَإِنَّما الفَخرُ في الذَنبِ الَّذي كَتَبوا