يعد كتاب “أصول النشر في القراءات العشر” من المؤلفات الهامة في علم القراءات، حيث ألفه العلامة شمس الدين أبو الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف (توفي في 833 هـ). وقد قام بتحقيقه ومراجعته علي محمد الضباع (توفي في 1380 هـ)، وتم نشر الكتاب من قِبل المطبعة التجارية الكبرى في جزئين.
أصول النشر في القراءات العشر PDF
- يدرك العلماء أن علم التجويد والقراءات يتصدر قائمة العلوم الرفيعة أهمية، حيث يسهم علم التجويد في قراءة القرآن كما أنزل، بينما يكشف علم القراءات عن اختلافات ألفاظ الوحي، مما يحفظ كتاب الله من التحريف.
- تجلى برهان حكمة الله تعالى في تنزيل القرآن الكريم على سبعة أحرف لتسهيل الأمر على عباده.
- توافق أحد هذه الأحرف مع ما جمعه عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو ما شهد عليه نحو اثني عشر ألفًا من الصحابة.
- تتضمن القراءات العشر المعروفة اليوم الأحرف التي تنسب إلى: نافع المدني، ابن كثير المكي، أبي عمرو البصري، ابن عامر الشامي، وعاصم وحمزة والكسائي الكوفيين، وأبي جعفر المدني، ويعقوب الحضرمي، وخلف الكوفي.
- يعتبر كتاب “النشر في القراءات العشر” من أعظم المؤلفات حول هذه القراءات، وقد قام بتأليفه الإمام والحافظ المقرئ محمد بن الجزري.
معلومات عن أصول النشر في القراءات العشر
- يشمل الكتاب القراءات العشر مبينًا الخلافات بينها في الأصول ومقدمًا الحجج والتوجيهات اللازمة، مع مراعاة الاختصار وعدم التعقيد في العبارات.
- عرف الكتاب بلقب “النشر في القراءات العشر”، رغم أن المؤلف ذكره أيضًا باسم “نشر العشر”، وكلا الاسمين يحويان نفس المعنى.
- أجمع العلماء، أمثال ابن حجر والبقاعي والسخاوي، على صحة نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه ابن الجزري.
- ذكر ابن الجزري سبب تأليفه الكتاب أنه رأى تدهور همم طلبة العلم فقام بإحيائه وتصحيح الأخطاء المتعلقة به.
- استهل ابن الجزري تأليف الكتاب في مدينة بورصة التركية عام 799 هـ واستكمله في نفس العام.
- ضم الكتاب تحقيقًا علميًا دقيقًا فيما يتعلق بمسائل علم القراءات.
- غطي الكتاب الأصول المقررة في الوقف والابتداء، بالإضافة إلى القراءات غير المطردة المتداولة بين الرواة بأسانيد موثوقة.
- نال الكتاب إعجاب العديد من العلماء الكبار، من بينهم الحافظ ابن حجر والنويري والعسقلاني.
- يُعتبر هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا لقراء القرآن الكريم، ويُستند إليه لتوثيق القراءات من حيث الصحة والشذوذ.
- تتنوع المصادر التي استند إليها الكتاب من الأحاديث والفقه والتفسير واللغة والأصول والسير وعلم الرجال، إضافة إلى مصادره في علوم القرآن.
حياة ابن الجزري مؤلف القراءات العشر
- شهد العصر الذي عاش فيه المؤلف أحداثًا هامة، من بينها الغزو المغولي الذي أسفر عن سقوط الخلافة العباسية في بغداد، المركز الإسلامي الأبرز.
- نتج عن هذا الغزو تقسيم الحكومات الإسلامية بين عدة شعوب: المغول، الترك، والعرب.
- يُعرف هذا العصر بعصر المماليك.
- على الرغم من الضعف والانقسام في الدولة الإسلامية، كانت الحياة العلمية نشطة جدًا، وخاصة في مصر والشام، حيث لجأ العديد من العلماء وطلاب العلم إلى هذه المناطق هربًا من الاحتلال المغولي.
- أدى سقوط بغداد إلى استجابة كبيرة من العلماء لتعويض ما فقد من كتب ومخطوطات، وتطور هذا العصر إلى اتجاه قوي نحو التجميع والتعليم أكثر من الابتكار والاجتهاد.
- يُدعى مؤلف الكتاب محمد بن محمد بن علي بن يوسف، وتُعرف كنيته بأبي الخير ولقبه بشمس الدين، وتشهره باسم ابن الجزري نسبةً إلى جزيرة بلاد بكر شمال الموصل بالعراق.
معلومات عن ابن الجزري
- وُلد في الخامس والعشرين من رمضان عام 725 هـ، وقد روي عن والده أنه دعا الله أثناء رحلته للحج أن يرزقه ولدًا من أهل القرآن، واستجاب الله لدعائه.
- نشأ في دمشق تحت رعاية والديه، حيث حفظ القرآن الكريم والحديث والفقه وعلوم أخرى.
- عندما بلغ ابن الجزري الرابعة عشرة، بدأ بدراسة علم القراءات، متنقلاً بين بلدان عدة لتحصيل العلم.
- رحل إلى المدينة المنورة ثم مصر، وعاد إلى دمشق لاحقًا.
- قام بزيارة مصر عدة مرات قبل أن ينتقل إلى أنطاكية ثم مدينة بورصة التركية، حيث التقى هناك بالسلطان بايزيد الأول الذي أكرمه.
- سافر ابن الجزري إلى العديد من البلدان مثل الشام والعراق واليمن ليعلم الناس ويجيب عن تساؤلاتهم، بالإضافة إلى الالتقاء بالملوك والسلاطين.
- تلقى العلم من أبرز شيوخ عصره، وكان سلفيًا في اعتقاده وشافعي المذهب.
- أشاد به علماء عصره مثل الحافظ ابن حجر والطاووسي والإمام السيوطي وابن العماد.
- تجاوزت جهود ابن الجزري التأليف في علم القراءات لتشمل تعليمه في مجالات علمية أخرى.
- توفي ابن الجزري في عام 833 هـ بعد حياة مليئة بالعلم والتأليف والتدريس.
منهج الكتاب في شروط صحة القراءة
- عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قام صحابته رضي الله عنهم بنشر القرآن الكريم، وقد قرأ كل منهم كما تلقاه من الرسول، مما نتج عنه سلسلة من المقرئين والتلاميذ الذين تداولوا الروايات بينهم.
- مع الزمن، شهدت الأمة احتشادًا كبيرًا من القراء، ولكن لم يكن الجميع على مستوى واحد في إتقان القراءة، مما أدى إلى اختلافات في الضبط.
- هذا الأمر دفع مجموعة من العلماء لوضع ضوابط وشروط لتمييز القراءة الصحيحة عن تلك التي تحتوي على أخطاء، وفقًا مطابقة هذه القراءات للمسلمات المتفق عليها.
شروط صحة القراءة
يحدد العلماء شروطًا ثلاثة لصحة القراءة، وهي:
1-مطابقة اللغة العربية
- يجب أن يكون للقراءة وجه صحيح ومقبول في اللغة العربية، حيث أن القرآن نزل بلغة العرب، سواءً كانت القراءة أفصح أو فصيحًا، بحيث لا تخرج القراءة عن جوانب اللغة العربية.
2-موافقة رسم المصحف العثماني
- تتطلب القراءة أن تتوافق مع رسم أحد المصاحف التي كتبها الصحابة في زمن عثمان بن عفان، سواءً بصورة مباشرة أو تقديرية.
- الرسم المباشر هو ما تطابق فيه اللفظ، بينما الرسم التقديري يتضمن اختلافات في بعض الحالات مثل المد.
3-التواتر
- التواتر يعني تتابع نقل الخبر من مجموعة بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب، حتى يصل السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- لا يوجد حد معين للتواتر، بل ما ثبت منه يؤدي إلى العلم اليقين.
- على الرغم من توافق ابن الجزري في الشرطين الأوّلين مع جل العلماء، إلا أنه قدم رؤية مغايرة بالنسبة للتواتر، حيث اعتبره شرطًا غير دقيق وفضل أن يستبدله بشرط “صحة السند”.
- يقول ابن الجزري: “كل قراءة توافق العربية وتوافق أحد المصاحف العثمانية وصح سندها فهي قراءة صحيحة ينبغي قبولها، بل هي من الأحرف السبعة.”
منهج الكتاب في الأسانيد
- السند هو الطريق الذي يمتد من الراوي حتى يصل إلى النبي، وفي لغة المحدثين يُشير إلى سلسلة الراوي الذي ينقل الحديث.
- قد شرف الله الأمة الإسلامية بالإسناد، حيث تُعتبر جميع الأمم الأخرى تعتمد على صحف تمتزج فيها الأخبار، مما يُصعب التمييز بينها.
- اهتم علماء القراءات بتوثيق الأسانيد، حيث أكدوا أن القراءة تُعتبر سنة متبعة تؤخذ عن طريق النقل المباشر من العلماء الموثوق بهم.
- اتبعت منهجية ابن الجزري في الكتاب نمط العلماء الذين سبقوه، مع التركيز على أهمية تأصيل صحة الإسناد كأساس لصحة القراءة.
- إذا لم يتوفر هذا الركن، تعتبر القراءة غير موثوقة.
- ذكر المؤلف الكتب التي استند إليها عند رواية القراءات.
- أقر ابن الجزري بشروط معينة لم تُفرض على غيره من العلماء.
منهج الكتاب في حديث الأحرف السبعة
- الأحرف السبعة تشير إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول نزول القرآن على سبعة أحرف، وهو حديث معتمد من قبل القراء والمفسرين.
- تناول ابن الجزري في الكتاب هذا الحديث وبين فيه عدة نقاط:
- من أسباب نزول القرآن على سبعة أحرف هو التيسير على الأمة.
- كلمة “حرف” في الحديث قد تعني اللغة أو القراءة.
- ما يخص هذه الأحرف السبعة، تشمل خمسة أقوال تتعلق باللغات، ومعاني الأحكام، والناسخ والمنسوخ، والأمر والنهي، ووعد الله وعيده.
- اهتم المؤلف بدراسة أسباب كون الأحرف سبعة ولا أقل أو أكثر.
- تناول بحث أسباب اختلاف هذه الأحرف، حيث بيّن أنها تنوع وليس تضاد.
- استعرض أيضًا المعاني المتعددة التي تشملها الأحرف السبعة.
الأحرف السبعة متفرقة في القرآن الكريم
- تحتوي المصاحف العثمانية على ما يسمح به رسمها من الأحرف السبعة فقط.
- تساؤل حول ما إذا كانت القراءات العشر المتواترة تعود للأحرف السبعة جميعها أو بعضها، ذكر ابن الجزري أنها مسألة ترتبط بما سبق من مسائل.
- أوضح ابن الجزري أن اختلاف الأحرف السبعة هو اختلاف للأنواع وليس تضارب.
منهج الكتاب في التجويد
- القرآن الكريم هو كلام الله الذي أنزله على الرسول بطريقة معروفة تم حفظها عن طريق رجال أثبتوا مهاراتهم في تعلم وتعليم القرآن.
- حفظ هذا الكتاب جاء نتيجة لجهود العلماء الذين تتلمذوا على مشايخهم حتىastered النطق الصحيح.
- توجد أحاديث عن الصحابة تؤكد عنايتهم بأداء القرآن كما أنزل، حيث قال الرسول عن عبد الله بن مسعود: “من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد”.
- حافظ علماء القرآن على ما وضعه السلف من قواعد لتأدية القرآن بالطريقة الصحيحة ومنعوا من يقرأ دون أن يتقن ذلك، خصوصًا من يعتمد في حفظه على المصحف فقط.
- يقول ابن الجزري إن أول ما يقدم منعلوم القرآن هو معرفة التجويد وإتقان ألفاظه.
تفاصيل منهج الكتاب في التجويد
- شدد المؤلف على أهمية تصحيح إخراج كل حرف من مخرجه الخاص، ليكون له طابع مميز.
- يتعبد المسلمون لله بفهم معاني القرآن، لكنهم أيضًا ملزمون بتصحيح الألفاظ وإقامة حروفه على الوجه الصحيح.
- لم يقتصر ابن الجزري على تقديم الأحكام الجوهرية، بل عرض أيضًا للتحديات المتعلقة بالضبط وتقديم الحلول المقترحة.
- سجل ابن الجزري في كتابه كيفية نطق بعض المجتمعات مثل الشام ومصر وتركيا واليمن وبعض الأماكن الأخرى خلال تلك الفترة، محذرًا من الأخطاء الممكنة في نطق الكلمات القرآنية.
منهج الكتاب في الاحتجاج للقراءات
- الحجة تعني ما يُظهر صحة الدعوى، وعند احتاج الاحتجاج للقراءات، يحدد الأسلوب العربي الذي اعتمدته هذه القراءات.
- لم يقيد ابن الجزري نفسه بنمط محدد من الاحتجاج، بل أظهر تنوعًا في الأدلة.
جوانب الاحتجاج لدى ابن الجزري
- تعددت جوانب الاحتجاج عند ابن الجزري، حيث شملت:
- – الاحتجاج التفسيري.
- – الاحتجاج الفقهي.
- – الاحتجاج البلاغي.
- – الاحتجاج اللغوي.
- – الاحتجاج النحوي.
- – الاحتجاج الصرفي.
- استند ابن الجزري في منهجه في الاحتجاج إلى صيانة الرواية ومطابقتها للشروط المقررة، حيث يعتبر الاحتجاج غير موثوق إذا لم تتوافر هذه الشروط.
- استخدم ابن الجزري الاحتجاج بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم للدفاع عن القراءات.
- رد على المشككين في بعض القراءات وبين عدم قبولهم لما قالوه.
- استخدم الشاعر في كتابه بكثرة في تصحيح أفكاره، مستدلاً بكلام الرسول الذي يشير إلى حكمة الشعر.
منهج الكتاب في الرسم العثماني
- الرسم العثماني هو الشكل المعتمد في المصاحف التي كتبت بأمر الخليفة عثمان بن عفان بإجماع الصحابة.
- يمثل الرسم المنقول من صحف أبي بكر الصديق وغيرها من الأدوات الموثوقة التي سُجل فيها القرآن.
- أعطى ابن الجزري اهتمامًا بالغًا في كتابه لمبحث “الرسم” بمعناه السردي والعملي.
- اعتبر ابن الجزري الرسم العثماني شرطًا أساسيًا لصحة القراءة، حيث يُستدل على الشذوذ من خالفه.
- خصص بابًا لفهم الرسم وبيان كيفية الوقوف على المرسوم.
قسم ابن الجزري الرسم العثماني إلى قسمين:
- قياسي: وهو ما يطابق فيه الخط اللفظ.
- اصطلاحي: وهو ما يخالف الخط اللفظ بزيادة أو حذف أو بدل أو وصل أو فصل.