قصيدة رد الفعل
وطني! يُعلمني حديد سلاسلي
عنف النسور، ورقة المتفائلِ
ما كنت أعلم أن تحت جلودنا
ميلادَ عاصفةٍ … وعرس جداولِ
سَدُّوا عليَّ النور في زنزانةٍ
فتوهجت في القلب … شمس مشاعلِ
كتبوا على الجدار.. مرج سنابلِ
رسموا على الجدار صورَ قاتلي
فمحت ملامحها ظلال جدائلِ
وحفرت بأسناني رسمك دامياً
وكتبتُ أُغنية العذاب الراحلِ
أغمدت في لحم الظلام هزيمتي
وغرزت في شعر الشموس أناملي
والفاتحون على سطوح منازلي
لم يفتحوا إلا وعود زلازلي!
لن يبصروا إلا توهج جبهتي
لن يسمعوا إلا صرير سلاسلي
فإذا احترقت على صليب عبادتي
أصبحت قديساً بجلباب مُقاتلِ
قصيدة وطن
علقتوني على جدائل نخلة
واشنقوني.. فلن أخون النخلة!
هذه الأرض لي.. وكنت قديماً
أحلب النوق راضياً وموله
وطني ليس مجرد حزمة من حكايا
ليس ذكرى، ولا حقل أهلّه
ليس ضوءً على سوالف فلة
وطني غضبة الغريب على الحزن
والطفل الذي يتوق لعيد وقبلة
وريح ضاقت بحجرة سجن
وعجوز يبكي أبناءه وحقله
هذه الأرض جلد عظمي
وقلبي ..
يحلّق فوق أعشابها كنخلة
علّقوني على جدائل نخلة
واشنقوني فلن أخون النخلة!
جبين وغضب
وطني! يا أيها النسر الذي يغمد منقار اللهبْ
في عيوني
إلى أين تاريخ العرب؟
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين وغضب.
وقد أوصيت أن يزرع قلبي شجرةْ
وجبيني منزلاً للقبرةْ.
وطني، نمت وكبرنا على جراحك
وأكلنا شجر البلوط ..
كي نشهد ميلاد صباحك
أيتها النسر الذي يرسف في الأغلال دون سببْ
أيها الموت الخرافي الذي كان يحب
ما زال منقارك الأحمر في عينيَّ
سيفاً من لهب ..
وأنا لست جديراً بجناحك
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين … وغضب!
الجرح القديم
واقف تحت الشبابيك،
على الشارع واقف
درجات السلّم المهجور لا تعرف خطوي
ولا الشبّاك عارف
من يد النخلة أصد سحابة
عندما تسقط في حلقي ذبابة
وعلى أنقاض إنسانيتي
تُعبر الشمس وأقدام العواصف
واقف تحت الشبابيك العتيقة
من يدي يهرب دوري وأزهار حديقة
اسأليني: كم من العمر مضى حتى تلاقت
كلّ هذه الألوان والموت، تلاقى بدقيقة؟
وأنا أجتاز سردابا من النسيان،
والفلفل، والصوت النحاسي
من يدي يهرب دوري ..
وفي عيني ينوب الصمت عن قول الحقيقة!
عندما تنفجر الريح بجسدي
وتكف الشمس عن طهو النعاس
وأسمّي كل شيء باسمه،
عندها سأشتري مفتاحاً وشباكاً جديداً
بأغاني الحماس!
يا قلب يا محروم من شمس النهار
ومن الأزهار والعيد، كفانا!
علمونا أن نصون الحب بالكره!
وأن نكسو ندى الورد .. غبار!
يا صوت الذي رفرف في لحمي
عصافير لهب،
علّمونا أن نغني ونحب
كل ما يطفو به الحقل من العشب،
من النمل، وما يتركه الصيف على أطلال دار.
علّمونا أن نغني، ونداري
حبنا الوحشي، كي لا
يصبح الترنيم بالحب مملاً!
عندما تنفجر الريح بجلدي
سأسمي كل شيء باسمه
وأدق الحزن والليل بقيدي
يا شبابيكي القديمة ..
وعاد في كفن
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
وعاد في كفن
كان اسمه ..
لا تذكروا اسمه!
خلوه في قلوبنا ..
لا تدعوا الكلمة
تضيع في الهواء، كالرماد ..
خلوه جرحًا نازفًا .. لا يعرف الضماد
طريقه إليه ..
أخاف يا أحبتي .. أخاف يا أيتام ..
أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء
أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!
أخاف أن تنام في قلوبنا
جراحنا ..
أخاف أن تنام!
العمر .. عمر برعم لا يذكر المطر ..
لم يبك تحت شرفة القمر
لم يوقف الساعات بالسهر ..
وما تداعت عند حائط يداه ..
ولم تسافر خلف خيط شهوة .. عيناه!
ولم يقبل حلوة ..
لم يعرف الغزل
غير أغاني مطرب ضيعه الأمل
ولم يقل: لحلوة الله!
إلا مرتين
لم تلتفت إليه .. ما أعطته إلا طرف عين
كان الفتى صغيرًا ..
فغاب عن طريقها
ولم يفكر بالهوى كثيرًا ..
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
وعاد في كفن
ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب
لأمه: الوداع!
ما قال للأحباب .. للأصحاب:
موعدنا غدا!
ولم يضع رسالة .. كعادة المسافرين
تقول إني عائد .. وتسكت الظنون
ولم يخط كلمة ..
تضيء ليل أمه التي ..
تخاطب السماء والأشياء،
تقول: يا وسادة السرير!
يا حقيبة الثياب!
يا ليل! يا نجوم! يا إله! يا سحاب!:
أما رأيتم شارداً .. عيناه نجمتان؟
يداه سلتان من ريحان
وصدره وسادة النجوم والقمر
وشعره أرجوحة للريح والزهر!
أما رأيتم شارداً
مسافرا لا يحسن السفر!
راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى
إن جاع في طريقه؟
من يرحم الغريب؟
قلبي عليه من غوائل الدروب!
قلبي عليك يا فتى .. يا ولده!
قولوا لها، يا ليل! يا نجوم!
يا دروب! يا سحاب!
قولوا لها: لن تحملي الجواب
فالجرح فوق الدمع .. فوق الحزن والعذاب!
لن تحملي .. لن تصبري كثيرًا
لأنه ..
لأنه مات، ولم يزل صغيرًا!
يا أمه!
لا تقلعي الدموع من جذورها!
للدمع يا والدتي جذور،
تخاطب المساء كل يوم ..
تقول: يا قافلة المساء!
من أين تعبرين؟
غضت دروب الموت .. حين سدها المسافرون
سدت دروب الحزن .. لو وقفت لحظتين
لحظتين!
لتمسحي الجبين والعينين
وتحملي من دمعنا تذكار
لمن قضوا من قبلنا .. أحبابنا المهاجرين
يا أمه!
لا تقلعي الدموع من جذورها
خلي ببئر القلب دمعتين!
فقد يموت في غد أبوه .. أو أخوه
أو صديقه أنا
خلي لنا ..
للميتين في غد لو دمعتين .. دمعتين!
يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا
حرائق الرصاص في وجناته
وصدره .. ووجهه ..
لا تشرحوا الأمور!
أنا رأيت جرحه
حدقت في أبعادها كثيرًا ..
قلبي على أطفالنا
وكل أم تحضن السريرا!
يا أصدقاء الراحل البعيد
لا تسألوا: متى يعود
لا تسألوا كثيرًا
بل اسألوا: متى يستيقظ الرجال
العصافير تموت في الجليل
نلتقي بعد قليل
بعد عام
بعد عامين
وجيل ..
ورمت في آلة التصوير
عشرون حديقة
وعصافير الجليل
ومضت تبحث خلف البحر،
عن معنى جديد للحقيقة
وطني حبل غسيل
لمناديل الدم المسفوك
في كل دقيقة وتمددت على الشاطئ
رملاً .. ونخيل.
هي لا تعرف
يا ريتا! وهبناك أنا والموت
سرّ الفرح الذابل في باب الجمارك
وتجدّدنا، أنا والموت،
في جبهتك الأولى
وفي شباك دارك
وأنا والموت وجهان
لماذا تهربين الآن من وجهي
لماذا تهربين؟
ولماذا تهربين الآن تمامًا
يجعل القمح رموش الأرض، مما
يجعل البركان وجهًا آخر للياسمين؟
ولماذا تهربين؟
كان لا يتعبني في الليل إلا صمتها
حين يمتدّ أمام الباب
كالشارع .. كالحيّ القديم
ليكن ما شئت يا ريتا
يكون الصمت فأسا
أو براويز نجوم
أو مناخًا لمخاض الشجرة ..
إنني أرتشف القبلة
من حد السكاكين،
تعالي ننتمي للمجزرة!
سقطت كالورق الزائد
أسراب العصافير
بآبار الزمن ..
وأنا أنتشل الأجنحة الزرقاء
يا ريتا،
أنا شاهدة القبر الذي يكبر
يا ريتا
أنا من تحفر الأغلال
في جلدي
شكلاً للوطن ..