قصيدة “نحن عشاق الحياة” لعبد العزيز جويدة
نحن عشاق الحياة
نحن عشاق السنبلة والجداول والمياه
نحن عشاق المآذن والكنائس والإله
نحن عشاق الطفولة والبراءة والسذاجة
والعبادة والصلاة
نحن عشاق التراب
وعشقنا دائمًا لبيتٍ … لا نرى بيتًا سواه
نحن عشاق البنادق والخنادق
والحدائق والفنادق والبيارق
والفلاة
كلٌ يفسر ما نقول على هوانا
هذا حصاني الجبار الآتي من الليل السحيق
آتٍ ويحمل غاضبًا طوق النجاة
يا ليلنا الممتد طوال عمرنا
لسنا حواة
الكل تاه
يا آهتي، مَن ذا يردكِ شهقةً في داخلي
لأقول: آه؟!
أنا لست أكره أي شيء في الحياة
أنا عاشق ومتعطش
بل واصل في العشق حتى نهايته
لي حبيبة … لا تراني مطلقًا
ولها حبيبٌ لا تراه
أنا عاشق للصبح … يأتي حاملاً وجه الجميلات اللواتي
يعبُرن فوق الحزن صوب المدرسة
أنا مؤمن
كلّي يقين يا وطن … أن الزمان القادم المجنون ليس زماننا
زمن سيأتي حاملاً أحلامه وفوارسه
يومًا ستعلو راية
حملت الحياة منكسة
سنخوضها حربًا ضروسًا مؤلمة
ومقدسة
يا وجوه أصحابي على المقهى سلام
والليل يجمعنا معًا
وندور في فلك الكلام
وأعود وحدي
حاملاً روحي على كفي
وأعبر كل أودية الظلام
وأدس جسمي خلسة في القبر
أبقى جالسًا فوق الرخام
أنا شاهد القبر الذي يأبى أن ينام
أنا عاشق …
وأمام بيتي عشر أشجار من الزيتون
فوق السطح برج للحمام
أنا طيب ومسالم
وأبي رجل مسن
والأم منذ طفولتي أصبحت
قعيدة
قالوا: ابن عمي مات في القدس البعيدة
جدتي صلبت في “بيافا”
شُوهدت في “القدس”
تقرأ في الجريدة
كان السؤال على فمي
ماذا سأفعل وأشاهد كل يوم مجزرة؟
هم يقتلون حياتنا
وهناك ألف دسيسة ومكيدة ومؤامرة
ماذا سأفعل وأشاهد كل بيتٍ في طريقي
يستحيل لمقبرة؟
ماذا سأفعل والمدارس تختفي
من فوق هذه الأرض
والأطفال فيها يُقتلون على المقاعد
دون أدنى إشارة؟
والهاربون من الصغار يلوحون
ويصرخون:
مستسلمون …
فتدوسهم وسط الطريق مجزرة
سقطت جميع الأسئلة
ومنجّمون سينبئون بأن دورك قادم للمقصلة
ماذا سأفعل والجنازات التي كانت تمر
تذيبني
وحياتنا تمضي كأسخف مهزلة؟
ماذا سأفعل يا زمان الولولة؟
أنا حين قررت الشهادة لم أكن ضد الحياة
أنا ضد أن أبقى على هذه الحياة
بلا حياةٍ مقبلة
إما الكرامة والشموخ
أو تستحيل لقنبلة
أختار موتي
أختار عنف الزلزلة
إني لرفض أن أموت
والكل يهرُب من جواري،
يختفي في الهروب
أنا ذاهب إلى الموت
إني قد حسمت المسألة
أملأ شروطي شامخًا
ومعاندًا ..
لأكون أول فارس
يغزو دروب الغيب
ينتفِض السكون لصوت أعنف جلجلة
هذي شروطي كي أموت
وأي موتٍ دون موتٍ أبتغيه
لن أقبل به
لن أقبل به
لن أقبل به
قصيدة المتنبي “عذل العواذل حول قلبي التائه”
عذل العواذل حول قلبي التائه
وهوى الأحبة منه في سوداويه
يشتكي الملام إلى اللائمي حره
ويصد حين يلمن عن برهائه
وبمهجتي يا عاذلي الملك الذي
أسخَطت أعذَلَ منك في إرضائِهِ
إن كان قد ملك القلوب فإنّهُ
ملك الزمان بأرضهِ وسماوه
أين الثلاثة من ثلاث خلالهِ
من حسنه وإبائه ومضائه
مضت الدهور وما أتين بمثله
ولقد أتى فعجزن عن نظرائه
قصيدة للشافعي
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسًا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لنازلة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلًا على الأهوال جلدًا
وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكون لها غطاء
تستتر بالسخاء فكُل عيب
يغطيه كما قيل السخاء
ولا تَر للأعادي قط ذلًا
فإن شماتة الأعداء بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل
فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأنّي
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور
ولا بؤس عليك ولا رخاء
ومن نزلت بساحته المنايا
فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين
فما يغني عن الموت الدواء
قصيدة “لعَمرك ما الدنيا بدار بقاء” لأبي العتاهية
لعَمرك ما الدنيا بدار بقاء
كفاك بدار الموت دار فناء
فلا تعشق الدنيا، أخي، فإنما
يُرى عاشق الدنيا بجُهد بلاء
حلاوتها ممزوجة بمرارة
وراحتها ممزوجة بعناء
فلا تمش يومًا في ثياب مخيلّة
فإنك من طين خلقت وماء
لقَلّ امرؤ تلاقي لله شاكراً
وقلّ امرؤ يرضى له بقضاء
ولله نعماء علينا عظيمة
ولله إحسان وفضل عطاء
وما الدهر يومًا واحدًا في اختلافه
وما كل أيام الفتى بسواء
وما هو إلا يوم بؤس وشدة
ويوم سرور مرة ورخاء
وما كل ما لم أرجُ أحرَم نفعه؛
وما كل ما أرجوه أهل رجاء
أي عجبًا للدهر لا بل لريبة
يخرم ريب الدهر كل إخاء
شتت ريب الدهر كل جماعة
وكدر ريب الدهر كل صفاء
إذا ما خليلي حلّ في برزخ البلى
فحسبني به نأيًا وبُعد لقاء
أزور قبور المترفين فلا أرى
بهاءً، وكانوا، قبل، أهل بهاء
وكل زمان واصل بصريمة،
وكل زمان ملطف بجفائه
يعز دفاع الموت عن كل حيلة
ويعيا بداء الموت كل دواء
ونفس الفتى مسرورة بنمائها
وللنقص تنمو كل ذات نماء
وكم من مُفدًّى مات لم ير أهله
حبوه ولا جادوا له بفداء
أمامك، يا نوماني، دار سعادة
يدوم البقاء فيها، ودار شقاء
خلقت لإحدى الغايتين فلا تنم
وكُن بين خوف منهما ورجاء
وفي الناس شر لو بدا ما تعاشروا
ولكن كساهم الله ثوب غطاء