عاطفات الحب
عاطفات الحب كم هي رائعة
لقد صقلتها فطوّرت طبعي ووضّحت خلقي
حرقة تملأ روحي بلطف
لا أنكر فضل هذه الحرقة
فقد تميزت في الحب
أين الشوق من لم يشتاق؟
ثق بأن القلب لا تتوقفه
ذكريات غير ذكراك تأكد منها
لا تدرِ ما عانيته
كيف تعرف طعم ما لم تذُق؟
لم تترك مني إلا رمقاً
فليكن فداءً لك حتى رمقي
صباحي مملوء بالحزن، لكن لا أكرهه
بل هو أفضل من مغربي الموحش
إن هذا الشعر يؤلم نقله
فماذا لو شهدته من فصيح بياني؟
ربي، كم حطمت نبرته ضعفي
زفرات تأخذني في مخنقي
لا أعيش على دين الحب
فهو حب متأصل في عنقي.
بديعة
هزي بنصفك واتركي الآخر
لا تخافي من قوامك القصف
فبقدر قَدِّكِ، يكفي أن تسندي نفسك
هذه القلوب حتى وإن شكت ضعفاً
أعجبت منك بكل جارحة
وقد خصصت جفنيك بمدى لطيف
عشرون طرفاً لو جمعناها
ما قُسِّم مثل تقسيماً خاصاً
تُرضينَ القريب والبعيد
وتُلاعبينَ الصفّ بخداعين
أنتِ بديعة، ولأنتِ مقبلة،
تجمعين اللطف والظرف
ولأنتِ إن أدبرتِ مبديةً
للعينين أحسن ما ترى خلفاً
ملء العيون هما وخيرهما
ما يملأ العين والكف
وكلاهما حسن، وخيرهما
ما خفّ محمِلُه وما شفّا
هذا يرفرف فلا نشعر به
ويهزنا هذا إذا تحرك
وتخيلي أن الفرص أتت
تحدث بخطف كليهما بخطف
فبدفتيه ذاك يبهجنا
في تلك اللحظة لرقةٍ تخفى
ونكل عن هذا فنطرحه
ونفتح هذا الجيب والرفاء
ونزوره صباحاً لنقبل عليه
ونضمه ونشمه كثيراً
ونبلله بدم القلوب، وإن
عز، وننعشه إذا جفا.
إليها
تهضمُني قَدُّكِ الأهيف
ويُلهبني حسنُك المترف
وضايقني أن ذاك المِشدَّ
يضيق به خَصرُك الرقيق
وقد جنَّ وركك من غيظه
سمنٍ يُناهضه أعجف
فداءً لعينيك كلُّ العيون
أخالط جفنيهما قَرْقفَ
كأني أرى القُبل العابثات
من بين موقيهما تتساقط
ورعشة أهدابك المثقلات
على فرط ما حُمِّلت تحلف
كما الليل صبّ السواد المخيف
صبّ الهوى داخل شعرك الأغر
تلبَّد مثل ظليل الغمام
وراحت به غمائم تُكشف
أطار الغرور نثير الجديل على
دورة البدر إذ يعقف
وراح الحلي على المعصمين
على قدميك وتستعطف
وطوع يديك كما تشتهين
حياة تتجدد أو تتلف
منى النفس إن على وجنتيكِ
من رغبة ظلال تزحف
تعالي نصون مقلةً يرتمي
بها شرر وفماً يرجف
ونطق من الأسر روحاً
تجيش في قفصٍ من دم ترسف
تعالي أذوقك كل الثمار
ترف ونواريها يقطف
صراعٌ يطول فكم تهدفين إلى
الروح مني وكم أهدف
إلى الجسم منك وكم تعرفين
أين المحز وكم أعرف
وما بين هذين يمشي الزمان
ويُفنى ملوكاً ويستقبل
وميطي الرداء عن البرعموين
يفض عسلٌ منهما يَرعُف
ومري بكفي تشق الطريق
لعاصفة تشتعل بهما
أميلي فينبوع هذا الجمال
إلى أمد ثم يُستنزف
وهذا الشباب الطليق العنان
سيُكبَح منه ويُستوقف
أميلي فسيف غدٍ مسلطٌ
علينا وسمع القضاء مُرهف
عدي ثم لا تخلقي فالحمام
صُنُوك في العنف لا يُخلف
خبرت العنيف من الطارئات
ما يستميل وما يقصف
وذُقتُ من الغيد شرّ السموم
طعماً يُميت ويُستلطف
وخضتُ من الحب لججاً
على متن جنيّة أُقذف
فلا والهوى ما استفزَّ الفؤاد
الأطف منك ولا أعنف.
الأحاديث شجون
جدّدي ريح الصبَا عهد الصبا
وأعيدي فالأحاديث شجون
إن أباحت لكِ أرباب الهوى
سرّه فالحكم عندي أن يصونوا
جدّدي عهد أمانيه التي
قُرن العيش بها نعم القرين
يوم كنا والهوى غض وما
فُتحت إلا على الطهر العيون
ما علمنا كيف كنا، وكذا
دين أهل الحب والحب جنون
أشرق البدر على هذه الربى
أفلا يُخسفُه منكُم جبين
جلّ هذا الجرم قدراً فلقد
كاد يهتز له الصخر الرزين
كل أوقاتي مرتهنة عنده
الدجى الفجر الصبح المبين
سألونا كيف كنتم؟ إن من
دأبه ذكرُكم كيف يكون
هون الحب على أهل الهوى
أن ترك الحب خطب لا يهون
ما لهم فيه معينون وما
لذة الحب إذا كان معين
ميَّزت ما بين أرباب الهوى
ودعاويهم: وجود وجفون
وهواكم لا نقضنا عهدكم
وضمينٌ لكم هذا اليمين
أوفى النجم فيبقى ساهراً
محيياً سواد الليالي ونخون.
ليلة معها
لا أكذبنك إنني بشرٌ
جمّ المساوي آثمٌ أشر
لا الحب ظمآناً يطامن من
نفسي وليس رفيقي النظر
ولكم بصرت بما أضيقُ به
فوددت أني ليس لي بصر
أو أنني حجر وربما
قد بات أروحَ منّي الحجر
لا الشيء يُعجبُه فيمنعه
فإذا عداه فكلّه ضجر
ولكم ظفرت بما بصرت به
فحمدت مرأى بعده ظفر
شفتاي مطبقتان سيدتي
والخبر في العينين والخبر
فاستشهدي النظرات جاحمةً
حمراء لا تُبقي ولا تذر
ولرغبة في النفس حائرة
مكبوتة يتطاير الشرر
إنا كلينا عارفان بما
حوت الثياب وضمت الأزُر
فعلى مَ تجهدين مرغمةً
أن تستري ما ليس ينسَتِر
كذب المنافق. لا اصطبار على
قد كقدّك حين يُهتصر
ومُغفَل ممن راح يُقنعه
منك الحديث الحلو والسمر
يُوهي الحجى ويُذيبُ كل تقى
من مُدعيه شبابُك النضر
ويرد حلم الحالمين على
أعقاب التفتير والخفر
النفس شامخة إذا سَعِدَتْ
بك ساعة والكون محتقر
وفداءً ” محتضن ” سمحتِ به
ما تفجع الأحداث والغير
حلم أخو اللذات مفتقد
أمثاله وإليه مفتقر
وسويعة لا أستطيعُ لها
وصفاً فلا أمن ولا حذر
يدها بناصيتي ومحزمها
بيدي. فمنتصر ومندحر
فلئن غلبت فخير متسَدٍ
للشاعر الأعكان والسرر
ولئن غلبت فغالب الملك
زاهٍ. به صافحٌ عني ومغتفر.
النشيد الخالد
تزاحمت الآمال حولك وانبرت
قلوب عليهن العيون شواهد
مشت مهجتي في إثر طرفك واقتفت
دليل الهوى والكل منهن شارد
حماسة نفس أجهدت فيك والهوى
يطاردها عن قصدها وتطارد
أجابت نفوس فيك وهي عصية
ولانت قلوب منك وهي جلامد
أعل السها مسرى هواك وأوشكت
تنازل عن أفلاكهن الفراقد
ورغبني في الحب أن ليس خالياً
من الحب إلا بارد الطبع جامد
إذا كان وحي الطرف للطرف مدلياً
بأسرار قلبينا فأين التباعد
خليلي ما العين في الحب ريبةٌ
إذا كُرمت للناظرين المقاصد
ولي نزعات أبعدتها عن الخنا
سجية نفس هذبتها الشدائد
أقاويل أهل الحب يفنى نشيدها
وأما الذي تُملَي الدموع فخالد
وما الشعر إلا ما يُزان به الهوى
كما زينت عطل النحور القلائد.
فرصوفيا
فرصوفيا: يا نجمةً تلاّتِ
تغازل السهوب والتلال
تسقي الرقة والدلال
فوق الشفاه الضامئة الحانية
بين أهداب الجفون الغافيات
فرصوفيا الحلوة، يا ذات القطوف الدانية
من ذا يوفّي سحرك الحلال؟
وحُسنك المدمر القاتل
يجشّم اللذة والأهوال.
بهالأحلى أمرّ حال،
غذا أجلت فكري الجوّال
في كيف صيغ حسنُك ارتجالا؟
أتعِبت الأسطورة خيالاً
فرصوفيا: إنّ الصبا فيك ارتغى
فعار بدقٍ في به عند الحفافين
فقد جاز المدى
كالأفعوان انساب في الرمل، كيما يبرد
طلّبت عيون حسناواتك الخضر الفداء
وكالأقاحي إذ تعب سحراً قطْر الندى
تذوّبت خمرُكِ في الخد الذي تورّد
وانفرج البراعم في النهد الذي تنهّد.
فرصوفيا: يا روعة اليوم الذي يُنسي غدا
غدٌ سرابٌ لا أحب الآلام
دمتُ أرعى روضةً محلا
بها الظلال تزحم الظلال
مخلِّفةً بكورُها الآصال.
سأقول فيك
سأقول فيك ولا أخاف
قولاً يُهاب ولا يُعاف
سأقول فيك من الضمير
من الصميم، من الشغاف
سأقولُ فيك بدون
تعمية ولا حذف المضاف
سأجاذبنَّ لك النجومَ
لينسجنَّ مع القواف
سأنزلنَّ ليخدمّن
سريركِ, السور اللطف
سأوجج النيران من
نهديك في الشبه اللطف
سأقول فيك ولا أخاف
أو ثَمَّ غيرك من يُخاف؟
سأقول فيك ولا أخاف
فليس يملكُني أحد
لا، ليس في عنقي مسد
لا، لست موعوداً بغد
يا من أقمت على الأسد
من سحر عينيك الرصد
لم ترفعي عنك المشد
حتى تبلد ذو اللبد
لم تدرِ قبلك أيّةُ
لبوةٍ، هذا الجسد
سأجرر الدنيا إليك
ليستشفوا ما لديك
سأقول: مُدّي نحوهم
عشر الأنامل من يديك
ودعي شذا العُضّاب
يُذكي جمرهم من خنصريك
سأريهم غرف الجنان
ولا أُزحزح ما عليك
سأقول: هم أدنى
وأضعف أن يرواك بصحفيك
ألوي بوجهك عنهُم
لا يقربوا من وجنتيك
سأقول: حسبهم من
الأفضال رعشة مقلتيك.
حبيبتي منذ كان الحب في سحر
حبيبتي منذ كان الحب في سحر
حلو النسائم حتى عقه الشفق
ومذ تلاقى جناحانا على فنن
منه إلى العالَم المسحور ننطلق
نَصون عهد ضميرينا وبينهما
نجوى بها همسات الروح تُستَرَق
يا حلوة المجتلى والنفس غائمة
والأمر متداخل والجو مختنق
ويا ضحوكة ثغر والدنيا عابس
ويا صفيه طبعا والمُنى رنق
ويا صبوراً على البلوى تلطّفُها
حتى تعود كبنت الحان تصطفق
مني إليك سلامٌ لا يقوم له
سن اليراع ولا يقوى به الورق
كأن نفسي إذا تغشّينَ وحدتها
إنسان عيْن بمرأى أختها غرق
حبيبتي لم تخالف بيننا غيَرٌ
إلا وعُدنا لماضينا فنتفق
ولا اشتكى جانب فرط الجفاف به
إلا ارتمى جانب مخضذ أنيق
نَهَشُّ لطْفاً بلقياهم كما انتفضت
غُنُّ الرياض سقاها الرائح الغدق
حبيبتي والهوى، كالناس، خِلقته
تُمَلُّ ما لم تغايَرْ عنده الخلَق
ما لذة الوصل لم يلوِ الصدود به
والحب لم يتخلس من أمنه الفرق.