قصائد أحمد شوقي التي تتحدث عن جمال مصر

كما تسألين عن مصر، أم حواء القرى

إذا تسألين عن مصر، أم حواء القرى،

وعن جذور التاريخ والآثار،

فالصباح واضح في منف،

فمن ذا يواجه الصبح بالإنكار؟

بالهيل من منف ومن أريافها،

مجدوع أنف في الرمال الكفاري.

مرت العصور، وما التقت الأجفان،

وها قد أتى عليه كليلة ونهار.

ما ابتعد ساعده الزمن، ولم ينل،

منه اختلاف الجوارف والذوار.

كالدهر لو ملك القدرة على الفتك،

أو كان غير مقلم الأظفار.

وثلاثة، وضع الزمان حيالها،

شمس على مر الزمن، كبار.

قامت على النيل العهد العهيد،

تكسوه ثوب الفخر، وهي عوار.

من كل مركوز كرضوى في الثرى،

متطاول في الجو كالإعصار.

الجن في جنباتها مطروقة،

ببدائع البناة والحفر.

والأرض أضيع حيلة في نزعها،

من حيلة المصلوب في المسمار.

تلك القبور أضنت من غيب بما،

أخفت من العلاقات والأذخار.

نام الملوك بها الدهور طويلة،

يجدون أرواح ضجعة وقرار.

كل كأهل الكهف فوق سريره،

والدهر دون سريره بهجار.

أملاك مصر القاهرون على الورى،

المنزلون منازل الأقمار.

هتك الزمن حجابهم، وأزالهم،

بعد الصيانة إزالة الأسرار.

هيهات! لم يمس جلالهم البلى،

إلا بأيدٍ في الرغام قصار.

كانوا وطرف الدهر لا يسمو لهم،

ما بالهم عرضاً على النظار؟

لو أمهلوا حتى النشور بدورهم،

قاموا لخالقهم بعير غبار!

بني مصر، استعدوا للتقدم

بني مصر، استعدوا للتقدم،

فهيئوا للمملكة، هيا،

خذوا شمساً تتلألأ حلياً،

ألم تكن تاج أولكم ملياً؟!

على الأخلاق الملك وابنوا،

فليس وراءها للعز ركن.

أليس لكم بوادي النيل عدن،

وكوثره الذي يجري شهياً؟!

لنا وطن بأرواحنا نقيه،

وبالدنيا العريضة نفتديه.

إذا ما أُجبرت الأرواح فيه،

بذلناها كأن لم نعطِ شيئاً.

لنا الهرم الذي صحب الزمان،

ومن حوادثه أخذ الأمان.

ونحن بنو السنا العالي، نمضي،

أوائل علموا الأمم الرقى.

تطاول عهدهم عزا وفخرا،

فلما آل للتاريخ ذخرًا،

نشأنا نشأة في الجد الأخرى،

جعلنا الحق مظهرها العلي،

جعلنا مصر ملة ذي الجلال،

وألفنا الصليب على الهلال.

وأقبلنا كصف من عوالم،

يشد السمهري السمهريّا.

نروم لمصر عزًا لا يرام،

يرف على جوانبه السلام.

وينعم فيه جيران كرام،

فلن تجد النزيل بنا شقياً.

نقوم على البناية محسنينا،

ونعهد بالتمام إلى بنينا.

إليك نموت ـ مصر ـ كما حيينا،

ويبقى وجهك المفدي حيّا.

يا ساكني مصر، إننا لا نزال على

يا ساكني مصر، إننا لا نزال على

عهد الوفاء، وإن غبنا مقيمين،

هلا بعثتم لنا من ماء نهركم،

شيئاً نبلّ به أحشاء صادينا؟

كل المناهل بعد النيل آسن،

ما أبعد النيل إلا عن أمانينا!

بني مصر، ارفعوا الغار

بني مصر، ارفعوا الغار،

وارفعوا شأن بطل الهند،

وأدوا واجباً، واقضوا

حقوق العلم الفرد.

أخوكم في المصائب،

وعراك الموقف النكد.

وفي التضحية الكبرى،

وفي المطلب، والجهد.

وفي الجرحة، وفي الدمع،

وفي الصفعة من المهد،

وفي الرحلة للحق،

وفي مرحلة الوفد.

قفوا، حيّوه من قرب،

على الفلك، ومن بعد،

وغطيوا الأرض بالأكاليل،

وغطيوا البحر بالورد.

على إفريز راجيوتا،

نبت تمثال من المجد،

نبي مثل كونفوشيوس،

أو من ذلك العهد.

قريب القول والفعل،

من المنتظر المهدي.

شبيه الرسل في الذود،

عن الحق، وفي الزهد،

لقد علم بالحق،

وبالصبر، وبالقصد،

ونادى المشرق الأقصى،

فلبّاه من اللحد.

وجاء الأنفس المرضى،

فداواها من الحقد.

دعا الهندوس والإسلام،

للألفة والورد.

سحر من قوى الروح،

حوى السيفين في غمد،

وسلطان من النفس،

يقوي رائد الأسد.

وتوفيق من الله،

وتيسير من السعد.

وحظ ليس يعطى،

سوى المخلوق للخلد.

ولا يؤخذ بالحول،

ولا الصول، ولا الجند،

ولا بالنسل والمال،

ولا بالكدح والكد،

ولكن هبة المولى

تعالى الله، للعبد.

سلام النيل يا غندي،

وهذا الزهر من عندي.

وإجلال من الأهرام،

بالكرنك، والبردي،

ومن مشيخة الوادي،

ومن أشباله المرد.

سلام حالب الشاة،

سلام غازل البرد،

ومن صدّ عن الملح،

ولم يقبل على الشهد.

ومن يركب ساقيه،

من الهند إلى السند.

سلام كلما صليت،

عريانا، وفي اللبد،

وفي زاوية السجن،

وفي سلسلة القيد.

من المائدة الخضراء،

خذ حذرك يا غندي،

ولاحظ ورق السير،

وما في ورق اللورد.

وكن أبرع من يلعب،

بالشطرنج والنرد،

ولاقي العباقرة،

لقاء الند للند،

وقل: هاتوا أفاعيكم،

أتى الحاوي من الهند!

وعُدْ لم تحفل الذام،

ولم تغتر بالحمد.

فهذا النجم لا ترقى،

إليه همة النقد.

وردّ الهند للأمة،

من حد إلى حد.

أبكيك إسماعيل مصر وفي البكاء

أبكيك إسماعيل مصر، وفي البكاء،

بعد التذكر راحة المستبصر.

ومن القيام ببعض حقك أنني،

أرقى لعزك والنعيم المدبر.

هذي بيوت الروم، كيف سكنتها،

بعد القصور المزرية بقيصر؟

ومن العجائب أن نفسك أَقصرَت،

والدهر في إحراجها لم يقصر.

ما زال يُخلي منك كل محلّة،

حتى دُفعت إلى المكان الأقفَر.

نظر الزمن إلى ديارك كلها،

نظر الرشيد إلى منازل جعفر.

اختلاف النهار والليل ينسي

اختلاف النهار والليل ينسي،

اذكرا لي الصبا وأيام أنسي.

واصفا لي ملاوة من شباب،

صورة من تصورات ومسي.

عصفت كالصبا اللعوب ومرت،

سنة حلوة، ولذة خلس.

وسلا مصر: هل سلا القلب عنها،

أو أسى جرحه الزمان المؤذي؟

كلما مرت الليالي عليه،

رقّ، والعهد في الليالي تقسّى.

مستطار إذا البواخر رنت،

أول الليل، أو عوت بعد جرس.

هم بنو مصر لا الجميل لديه،

بمضاعٍ ولا الصنيع بمنسي.

من لسان على ثنائك وقف،

وجنان على ولائك حبس.

حسبهم هذه الطلول عظات،

من جديد على الدهور ودروس.

وإذا فاتك التفات إلى الماضي،

فقد غاب عنك وجه التأسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top