يُعتبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مثالاً حياً على الإرادة الإنسانية القوية والثابتة في الإيمان، حيث ترك إرثًا خالدًا يجسّد نموذجًا يُحتذى به عبر الأجيال. فقد كان عمر- رضي الله عنه- من الشخصيات البارزة في التاريخ، معترفًا بإسهاماته التي لا تُنسى.
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله، وُلِد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة (584 م) في قبيلة بني عدي، وهي واحدة من القبائل القريشية.
حظي بلقب أبي حفص ولقب بالفاروق، نسبةً إلى إسلامه العلني في مكة، مما ساهم في التفريق بين الكفر والإيمان.
عائلته تتضمن والدًا هو الخطاب بن نفيل، وجده نفيل الذي كان واحدًا من القادة الذين تستعين بهم قريش، ووالدته هي حنتمة بنت هاشم بن المغيرة.
إسلام عمر
عندما أعلن النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- دعوته، كان عمر من المدافعين عن الدين التقليدي لقريش والذي يقوم على عبادة الأصنام.
أظهر عمر استعداده لمعارضة الدعوة الجديدة بقوة، وكان له دور بارز في اضطهاد المسلمين.
لقى عمر أحد أصحاب الرسول- صلى الله عليه وسلم- أثناء توجهه لقتل النبي، وسأله الصحابي: إلى أين أنت ذاهب يا عمر؟ ورد عمر بأنه ذاهب لقتل محمد.
نصحه الصحابي بأن يبدأ بأهله قبل التفكير في النبي، مما دفعه للذهاب إلى منزل أخته فاطمة، حيث كان يجلس عندهم خباب بن الأرت ليعلمهم القرآن.
غضب عمر وضرب أخته، لكن عندما رأى ما فعله، ندم وأراد قراءة ما في الصحيفة التي كانت بحوزتها، على الرغم من أنها رفضت إعطائها له في البداية.
بعد ذلك، اغتسل وتوضأ، وقرأ ما فيها:
«طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3) تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)»، [سورة طه].
تأثر عمر بما قرأه وآمن بأن هذا ليس من كلام البشر، ومن ثم أسلم في ذلك اليوم.
فقام بزيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- وأعلن إيمانه.
عمر الفاروق
بعد اعتناقه الإسلام، أظهر عمر- رضي الله عنه- حماسًا كبيرًا في الدفاع عن الدين الجديد بنفس القوة التي كان يواجه بها المسلمين سابقًا.
كان المسلمون قادرين على الصلاة في العلن بعد إسلامه، مما أعطى الإسلام دفعة قوية في مكة.
كان يُعتبر عمر شخصية محورية في المجتمع الإسلامي، وسرعان ما أصبح مستشارًا موثوقًا للنبي- صلى الله عليه وسلم-، وتزوج بابنته حفصة، مما عزز عرا بلغ الاثنتين.
أطلق عليه لقب “الفاروق” نظرًا لقدرته على التمييز بين الحق والباطل.
عمر في المدينة
عُرف عمر بمشاركته الفعالة في الهجرة الأولى إلى يثرب، التي سُميت لاحقًا المدينة المنورة.
شارك في المعارك الهامة مثل بدر وأحد وخيبر، وقد اشتهر بتقواه وشجاعته.
وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم
توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في المدينة عام 11 هـ (632 م)، وكان عمر في البداية مقاومًا لفكرة وفاة النبي.
لكن عندما قال أبو بكر- رضي الله عنه-: “من كان يعبد محمدًا فمحمد قد مات”، هبط برودة إنهاء الحالة، بينما أكمل أبو بكر بتلاوة الآية:
«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ على أَعْقَابِكُمْ…»، [آل عمران: 144].
تم اختيار أبو بكر كأول خلفاء المسلمين برفقة دعم عمر.
في عهد أبو بكر، أصبح عمر واحدًا من المستشارين الرئيسيين له، وتم ترشيحه كخليفة بعد وفاته.
خلافة عمر
تحت خلافة عمر، شهدت الإمبراطورية الإسلامية توسعًا كبيرًا، حيث تمتد إلى بلاد ما بين النهرين وأجزاء من بلاد فارس.
تمكن المسلمون من تحقيق انتصارات كبيرة، مثل معركة اليرموك التي حققت هزيمة ساحقة للبيزنطيين.
إنجازات عمر
عُرف عمر بن الخطاب بنمط حياته البسيط وابتعاده عن مظاهر السلطة.
أبدع في مجال علم الحديث وحث على أن تكون الأحاديث منسوبة للنبي بدقة، حيث روى قليلًا وتأمل في موثوقيتها.
شارك في جمع القرآن الكريم، حيث كلف زيد بن ثابت بالجمع قبل أن يصبح هو الخليفة.
الموت والإرث
توفي عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- عام 23 هـ (644 م) بسبب خنجر قاتل، وكان قاتله عبدًا فارسيًا معروفًا بكرهه له.
واستشهد عمر بن الخطاب خلال تأديته الصلاة في المسجد النبوي ودفن بجوار النبي وأبو بكر بإذن أم المؤمنين عائشة.
تولى عثمان الخلافة بعد عمر، بعد اختيار مجموعة من المسلمين البارزين له.
كان لعمر- رضي الله عنه- دور بارز في تحويل المجتمع ليتحول إلى إمبراطورية، حيث أنجز تنظيم الجيش وأسس الإدارة الفعالة.
تستمر صفات عمر، مثل تقواه وتواضعه، في الإلهام وإثارة إعجاب العديد من الأشخاص.
اقرأ أكثر عن: