قصيدة هل كان حبًّا
كتب الشاعر العراقي بدر شاكر السياب:
هل تُسمّينَ الذي ألقى هيامًا؟
أَم جنونًا بالأماني؟ أم غرامًا؟
ما يكون الحبُّ؟ نَوْحًا وابتسامًا؟
أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرّى، عندما يحينُ التلاقي
بين عينينا، فأطرقتُ، فرارًا باشتياقي
عن سماءٍ لا تسقيني، إذا ما؟
جئتُها مستسقياً، إلاّ أوامًا
…
العيون الحور، لو أصبحنَ ظلاً في شرابي
جفّتِ الأقداحُ في أيدي صحابي
دون أن يَحْضَينَ حتى بالحبابِ
هيئي، يا كأسُ، من حافاتك السكرى، مكانًا
تتلاقى فيه، يومًا، شفتانا
في خفوقٍ والتهابِ
وابتعادٍ شاعَ في آفاقهِ ظلُّ اقترابِ
…
كم تَمَنَّى قلبيَ المكلومُ لو لم تستجيبي
من بعيدٍ للهوى، أو من قريبِ
آهِ لو لم تعرفي، قبل التلاقي، من حبيبِ!
أيُّ ثغرٍ مَسَّ هاتيك الشفاها
ساكبًا شكواهُ آهاً… ثم آها؟
غير أنّي جاهلٌ معنى سؤالي عن هواها
أهو شيءٌ من هواها… يا هواها؟
…
أَحْسدُ الضوءَ الطروبا
مُوشكًا، مما يلاقي، أن يذوبا
في رباطٍ أوسع الشَّعرَ التثاما،
السماء البكرُ من ألوانه آناً، وآنا
لا يُنيلُ الطرفَ إلاّ أرجوانا
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذلك الضوء السجينِ
أهو حبٌّ كلُّ هذا؟! خبّريني
قصيدة لا تزيديه لوعة
يقول بدر شاكر السياب أيضًا:
لا تزيديه لوعة فهو يلقاك
لينسى لديك بعض اكتئابه
قربي مقلتيك من وجهه الذاوي
تري في الشحوب سر انتحابه
وانظري في غصونه صرخة اليأس
أشباح غابر لا من شبابه:
لهفة تسرق الخطى بين جفنيه
وحلم يموت في أهدابه
واسْمَعِيْهِ إذا اشتكى ساعة البين
وخاف الرحيل- يقوم اللقاء
واحجبي ناظريه، في صدرك المعطار
وعن ذاك الرصيف المضاء
عن شراع يراه في الوهم ينساب
وموج يحسه في المساء:
الوداع الحزين!! شذى ذراعيك
عليه على الأسى والشقاء
حدثي حديثيه عن ذلك الكوخ
وراء النخيل بين الروابي
حلم أيامه الطوال الكئيبات
فلا تحرميه حلم الشباب
أوهميه بأنه سوف يلقاك
على النهر تحت ستر الضباب
وأضيئي الشموع في ذلك الكوخ
وإن كان كله من سراب
كلما ضج شاكياً في ذراعيك
انتهاء الهوى صرخت انتهارا
فارتمي أين يرتمي صدره الجـ
ـاش حزناً وحيرة وانتظارا؟
اغضبي وادفعيه عن صدرك
القاسي وأرخي على هواه الستارا
أوصدي الباب خلفه.. واتركيه
مثلما كان.. للدجى والصحارى!
قصيدة لن نفترق
ويقول أيضًا:
هبت تغمغم: سوف نفترق
روح على شفتيك تخترق
صوت كأن ضرام صاعقة
ينداح فيه… وقلبي الأفق
ضاق الفضاء وغام في بصري
ضوء النجوم وحطم الألق
فعلى جفوني الشاحبات وفي
دمعي شظايا منه أو مزق
فيم الفراق؟ أليس يجمعنا
حب نظل عليه نعتنق؟
حب ترقرق في الوعود سنا
منه ورف على الخطى عبق
أختاه، صمتك ملؤه الريب؟
فيما الفراق؟ أما له سبب؟
الحزن في عينيك مرتجف
واليأس في شفتيك يضطرب
ويداك باردتان: مثل غدي
وعلى جبينك خاطر شجب
ما زال سرك لا تجنحه
آه مأججة: ولا يثب
حتى ضجرت به وأسأمه
طول الثواء وآده التعب
إني أخاف عليك وأختلجت
شفة إلى القبلات تلتهب
ثم إنثنيت مهيضة الجلد
تتنهدين وتعصرين يدي
وترددين وأنت ذاهلة
إني أخاف عليك حزن غد
فتكاد نتتثر النجوم أسى
في جوهن كذائب البرد
لا تتركي لا تتركي لغدي
تعكير يومي ما يكون غدي
وإذا ابتسمت اليوم من فرح
فلتعبسن ملامح الأبد
ما كان عمري قبل موعدنا
إلا السنين تدب في جسد
أختاه لذّ على الهوى ألمي
فاستمتعي بهواك وابتسمي
هاتي اللهيب فلست أرهبه
ما كان حبك أول الحمم
ما زلت محترقاً تلقفني
نار من الأوهام كالظلم
سوداء لا نور يضيء بها
جذلان يرقص عاري القدم
هاتي لهيبك إن فيه سناً
يهدي خطاي ولو إلى العدم
كل ما في الكون حب وجمال
يقول الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري:
كلُّ ما في الكون حب وجمالُ
بتجليك وان عز المنالُ
بسط النور فكم ثائر بحر
هادئًا بات، وكم ماجت رمال
ورياض ضاحَكَ الزهرَ بها
ثغرُك الصافي وناجاها الخيال
وسهول كاد يعرو هَضْبَها
نزقٌ من صبوة لولا الجلال
ما لمن يهوى جمالًا زائلاً
وعلى البدر جمال ما يُزال
لا عدمِناك مروجًا للهوى
جدَة فيها، وللدهر اقتبال
عيشُنا غض وميدان الصبا
فيه مجرىً للتصابي ومجال
يا أحباي وكم من عثرة
سلفت ما بالُ هذي لا تقال
علّلوننا بوعود منكم
ربما قد علل الظمآنَ آل
وعدوني بسوى القرب فقد
شفَّني الهجرانُ منكم والوصال
لا أمَّل العيش ما شئتم فكونوا
لسوى حبكم يحلو الملال
أمن العدل وما جُزْتُ الصبا
ومداه يألف الشيبَ القذال
إنها أنفُسُ لم تخلق سدى
ورقيقات قلوب لا جبال
أشتكى منكم وأشكو لكمُ
إنَّ دائي في هواكم لعُضال
فعلى الرفق! كفاني في الهوى
ما أُلاقي، وكفاكم ذا المِطال
ألذنبٍ تصطلي حَرَّ الجْوى
مهجٌ كانت لها فيكم ظِلال
أرتجيها صفوة منكم وأن
زَعَموها بغيةً ليست تنال
إنما أغرى زماني بكم
نِعَمٌ طابت وأيام طِوال
لا أذُم الدهر هذي سُنة:
للهنا حال وللأحزان حال
قد حثثناها مطايا صبوة
لكُمُ أوشك يعروها الكلال
ورجعنا منكمُ خِلواً ولو
أكلت منهن آمال هزال
لا تقولوا: هجرُنا عن علة
ربما سَرَّ حسوداً ما يقال
أنا من جربتموه ذلك الطاهرُ
الحبِ إذا شِينت خِصال
شيم هذَّبْنَ طبعي في الهوى
مثلَّما يجلو من السيف الصِّقال
أيها الناعمُ في لذاته:
لذةُ النفس على الروح وَبال
شهوة غرَّتك فانقدْتَ لها
ومُنى المرء شعور وكمال
قصيدة بين القلب والاستقال
ويقول محمد مهدي الجواهري أيضًا:
وهواجس في الليل رامت حملها
شهب فعثن بشملها المجموع
ما أنصفت فيه الطبيعة حبّها
لما دعا للشوق غير سميع
أبت الجوانح أن تقر، فمن يطق
ملكا فلست بمالك لضلوعي
حبّ الرجوع إلى الشباب ولم أجد
في مرِّه ما يرتجى لرجوع
بين الأضالع صخرة لكنّها
مما جنى الأحباب ذات صدوع
قلب عليه تحالفت زمر الهوى
فمنيعه للذُّل غير منيع
قالوا استقلَّ عن الهموم فقلت لا
فهو التبيع لظالممتبوع