أشعار تعبر عن الحب والفراق والتوبيخ

الفراق

الفراق هو شعور عميق بالألم يشتعل في النفوس ويثير الذكريات في القلوب. وأمام هذه المعاناة، لا تجد العيون مفرًا من ذرف الدموع لتخفيف نيران الحزن المتقدة. يُعتبر الفراق علامة جرح عميق يتركه الزمن في قلب الأحباء، وهو كالسهم القاتل الذي يخترق القلوب قبل أن تدركه الأعين. لطالما كان الابتعاد عن الأصدقاء وشركاء الحياة بمثابة معاناة قاسية. وقد عكس الشعراء هذه المشاعر والأحاسيس من خلال قصائدهم المعبرة، ومن بين أجمل قصائد الحب والعتاب والفراق ما يلي.

يا نورة الهجر حلقت الصفا

أما الجاحظ، فهو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكُناية، وُلد في عام 776 ميلادي في العراق. يعتبر الجاحظ واحدًا من أبرز الأدباء العرب الذين تركوا بصمة واضحة في العصر العباسي. وقد لقب بـ “الحدقي” بسبب جحوظ عينه. من أهم مؤلفاته كتاب “البخلاء” و”كتاب الحيوان”. توفي عن عمر يناهز التسعين عامًا في عام 868 ميلادي نتيجة إصابته بشلل. ومن قصائده الشهيرة في العتاب:

يا نورَةِ الهَجرِ حَلَّقَت الصَفا

لِما بَدَت لي ليفَةُ الصَد

يا مِئزَرُ الأَسقامِ حَتّى مَتى

تَنقَعُ في حَوضٍ مِنَ الجُهدِ

أَوقَد أَتونَ الوَصلِ لي مَرَّةً

مِنكَ بِزَنبيلٍ مِنَ الوُد

فَالبَينُ مُذ أَوقَدَ حَمامَة

قَد هاجَ قَلبي مَسلَخ الوَجد

أَفسَدَ خَطمي الصَفا وَالهَوى

Nَخالَة الناقِضِ لِلَعَهدِ

أوصيك بالحزن لا أوصيك بالجلد

أبو فراس الحمداني، المعروف أيضًا بأبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان، وُلد في عام 932 ميلادي في “الموصل” بالعراق، وبرز كشاعر وقائد عسكري في فترة ضعف اللغة العربية خلال الدولة العباسية. وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني. أسره الروم في إحدى المعارك عام 959 ميلادي وتوفي في سوريا عام 968 ميلادي. ومن أبرز قصائده المتعلقة بالفراق:

أوصيكَ بالحزنِ لا أوصيكَ بالجلدِ

جلَّ المصابُ عن التعنيفِ والفندِ

إني أجلكَ أن تكفى بتعزية

عَنْ خَيرِ مُفْتَقَدٍ يا خَيرَ مُفتقِدِ

هيَ الرّزِيّة ُ إنْ ضَنّتْ بِمَا مَلَكَتْ

منها الجفونُ فما تسخو على أحدِ

بي مثلُ ما بكَ منْ جزنٍ ومنْ جزعٍ

وَقَدْ لجَأتُ إلى صَبرٍ فَلَمُ أجِدِ

لمْ يَنْتَقِصْنيَ بُعدي عَنْكَ من حُزُنٍ

هيَ المواساة ُ في قربٍ وفي بعدِ

لأشركنكَ في اللأواءِ إنْ طرقتْ

كما شركتكَ في النعماء والرغدِ

أبكي بدَمْعٍ لَهُ من حسرَتي مَدَدٌ

وَأسْتَرِيحُ إلى صَبْرٍ بِلا مَدَدِ

وَلا أُسَوِّغُ نَفْسي فَرْحَة ً أبَداً

وقدْ عرفتُ الذي تلقاهُ منْ كمدِ

وأمنعُ النومَ عيني أنْ يلمَّ بها

عِلْمَاً بإنّكَ مَوْقُوفٌ عَلى السُّهُدِ

يا مُفْرَداً بَاتَ يَبكي لا مُعِينَ لَهُ

أعانَكَ اللَّهُ بِالتّسْلِيمِ والجَلَدِ

هَذا الأسِيرُ المُبَقّى لا فِدَاءَ لَهُ

يَفديكَ بالنّفسِ والأَهْلينَ وَالوَلَدِ

أريد سلوكم والقلب يأبى

أحمد شوقي، أديب عربي يُعتبر من أعظم شعراء العصر الحديث، وقد أبدع في عدة مجالات أدبية. من أبرز أعماله ديوان “الشوقيات” الذي جُمعت فيه أربع أجزاء متميزة، إلى جانب تجاربه المسرحية. وفي قصيدته الرائعة في الحب، يعكس شوقي مشاعر عميقة:

أَريدُ سُلوَّكم والقلبُ يأْبَى

وعتبكُم وملءُ النفس عُتْبى

وأَهجركم فيهجرني رُقادي

ويُضوِيني الظلامُ أَسًى وكرْبا

واذكركم برؤية ِ كلِّ حُسْنٍ

فيصبو ناظري والقلب أصبى

وأَشكو من عذابي في هواكم

وأَجزيكم عن التعذيبِ حُبّا

وأَعلمُ أَن دَأْبكُمُ جَفَائي

فما بالي جعلتُ الحبَّ دأْبا

ورُبَّ مُعاتِبٍ كالعيش ، يشكى

وملءُ النفس منه هَوًى وعُتْبى

أتَجزيني عن الزُّلْفَى نِفاراً

عَتَبَتكَ بالهوى وكفاك عَتبا

فكلّ ملاحة ٍ في الناس ذنبٌ

إذا عُدّ النِّفارُ عليكَ ذنبا

أخذتُ هواك عن عيني وقلبي

فعيني قد دَعَتْ والقلبُ لَبّى

وأَنتَ من المحاسن في مِثال

فديتكَ قالَباً فيه وقَلْبا

أُحِبُّكَ حين تثني الجيدَ تِيهاً

وأَخشى أَن يصيرَ التِّيهُ دَأْبا

وقالوا : في البديل رضاً ورووحٌ

لقد رُمتُ البديلَ، فرمتُ صَعبا

وراجعتُ الرشادَ عَساي أَسلو

فما بالي مع السُّلوانِ أَصْبى

إذا ما الكأْسُ لم تُذْهِبْ همومي

فقد تَبَّتْ يدُ الساقي وتَبّا

على أَني أَعَفُّ من احتساها

وأَكرمُ مِنْ عَذَارَى الدير شربا

ولي نفسٌ أُورَيها فتزهو

كزهر الورد نَدَّوْهُ فهبَّا

لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي

جميل بثينة هو شاعر أموي يُعرف بقصائده العاطفية. يُكنّى أبا عمرو، وقد عُرف بمشاعره الصادقة تجاه محبوبته بثينة من قبيلة عذرة. في هذه القصيدة، يُعاتب جميل محبوبته على تصديقها للواشين:

لقد فرحَ الواشون أن صرمتْ حبلي

بُثينة ُأو أبدتْ لنا جانبَ البُخلِ

يقولون مهلاً يا جميلُ وإنني

لأقسِمُ ما لي عن بُثينة َ من مَهلِ

أحِلماً فقبلَ اليوم كان أوانُه

أمَ اخشى فقبلَ اليوم أوعدتُ بالقتلِ

لقد أنكحوا جهلاً نبيهاً ظعينة

لطيفة طيِّ الكَشحِ ذاتَ شوًى خَدل

وكم قد رأينا ساعياً بنميمة

لأخرَ لم يعمدِ بكفٍ ولا رجلٍ

إذا ما تراجعنا الذي كان بيننا

جرى الدمعُ من عينَي بُثينة َ بالكُحل

ولو تركتْ عقلي معي ما طلبتها

ولكنْ طلابيها لما فات من عقلي

فيا ويحَ نفسي حسبُ نفسي الذي بها

ويا ويحَ أهلي ما أصيب به أهلي

وقالتْ لأترابٍ لها لا زعانفٍ

قِصارٍ ولا كُسّ الثنايا ولا ثُعْل

إذا حَمِيَتْ شمسُ النهار اتّقينها

بأكسية ِ الديباجِ والخزّ ذي الحملِ

تداعينَ فاستعجمنَ مشياً بذي الغضا

دبيبَ القطا الكُدريّ في الدمِثِ السّهل

إذا ارتعنَ أو فزعنَ قمنَ حوالها

قِيامَ بناتِ الماءِ في جانبِ الضَّحل

أرانيّ لا ألقَى بُثينة َ مرة

من الدهرِ إلاّ خائفا أو على رَحْل

خليليّ فيما عِشتما هَلْ رَأيتُما

قتيلاً بكى من حبّ قاتلهِ قبلي

أبيتُ مع الهلاك ضيفاً لأهلها

وأهلي قريبٌ موسعونَ ذوو فضلِ

ألا أيّها البيت الذي حِيلَ دونه

بنا أنت من بيتٍ وأهلُكَ من أهلِ

بنا أنت من بيتٍ وحولكَ لذة

وظِلُّكَ لو يُسطاعُ بالباردِ السّهل

ثلاثة ُ أبياتٍ فبيتٌ أحبه

وبيتان ليسا من هَوايَ ولا شَكلي

كِلانا بكى أو كاد يبكي صَبابَة

إلى إلفِه واستعجلتْ عبرَة ً قبلي

أعاذلتي أكثرتِ جهلاً من العذلِ

على غيرِ شيءٍ من مَلامي ومن عذلي

نأيتُ فلم يحدثْ ليَ النأيُ سلوة

ولم ألفِ طولَ النأي عن خلة ٍ يسلي

ولستُ على بذلِ الصّفاءِ هَوِيتُها

ولكن سَبتني بالدلالِ وبالبُخل

ألا لا أرى اثنَينِ أحسنَ شِيمَة

على حدثان الدهر مني ومن جملِ

فإن وُجدَتْ نَعْلٌ بأرضٍ مَضِلّة

من الأرضِ يوماً فاعلمي أنها نعلي

ومما شجاني أنها يوم ودعت

قيس بن الملوح، المعروف بمجنون ليلى، هو أحد أبرز شعراء العصر الأموي. وُلد قيس في نجد وكان يُعاني من حب عميق لليلى. يصف في قصيدته هذا الحزن المؤلم الذي يشعر به عند وداع محبوبته:

وَمِمّا شَجاني أَنَّها يَومَ وَدَّعَت

تَقولُ لَنا أَستَودِعُ اللَهَ مَن أَدري

وَكَيفَ أُعَزّي النَفسَ بَعدَ فِراقِها

وَقَد ضاقَ بِالكِتمانِ مِن حُبِّها صَدري

فَوَاللَهِ وَاللَهِ العَزيزِ مَكانُهُ

لَقَد كادَ روحي أَن يَزولَ بِلا أَمري

خَليلَيَّ مُرّا بَعدَ مَوتي بِتُربَتي

وَقولا لِلَيلى ذا قَتيلٌ مِنَ الهَجرِ

أحبك حتى ترتفع السماء

نزار بن توفيق القباني هو شاعر معاصر ودبلوماسي بارز من دمشق، حيث درس الحقوق في الجامعة السورية. قدّم نزار مساهمات هائلة في الشعر العربي وكتب ما يُناهز 35 ديوانًا، من بينها “طفولة نهد” و”الرسم بالكلمات”. اشتهر بمشاعره الرقيقة تجاه المرأة. ومن قصائده الدافئة التي تبرز حبه:

كي أستعيد عافيتي

وعافية كلماتي

وأخرج من حزام التلوث

الذي يلف قلبي

فالأرض بدونك

كذبةٌ كبيرة

وتفاحةٌ فاسدة

حتى أدخل في دين الياسمين

وأدافع عن حضارة الشعر

وزرقة البحر

واخضرار الغابات

أريد أن أحبك

حتى أطمئن

لا تزال بخير

لا تزال بخير

وأسماك الشعر التي تسبح في دمي

لا تزال بخير

أريد أن أحبك

حتى أتخلص من يباسي

وملوحتي

وتكلس أصابعي

وفراشاتي الملونة

وقدرتي على البكاء

أريد أن أحبك

حتى أسترجع تفاصيل بيتنا الدمشقي

غرفةً غرفة

بلاطةً بلاطة

حمامةً حمامة

وأتكلم مع خمسين صفيحة فل

كما يستعرض الصائغ

أريد أن أحبك يا سيدتي

في زمنٍ

أصبح فيه الحب معاقاً

واللغة معاقة

وكتب الشعر معاقة

فلا الأشجار قادرةٌ على الوقوف على قدميها

ولا العصافير قادرةٌ على استعمال أجنحتها

ولا النجوم قادرةٌ على التنقل

أريد أن أحبك

من غزلان الحرية

وآخر رسالةٍ

من رسائل المحبين

وتشنق آخر قصيدةٍ

مكتوبةٍ باللغة العربية

أريد أن أحبك

قبل أن يصدر مرسومٌ فاشستي

وأريد أن أتناول فنجاناً من القهوة معك

وأريد أن أجلس معك لدقيقتين

قبل أن تسحب الشرطة السرية من تحتنا الكراسي

وأريد أن أعانقك

قبل أن يلقوا القبض على فمي وذراعي

وأريد أن أبكي بين يديك

قبل أن يفرضوا ضريبةً جمركيةً

على دموعي

أريد أن أحبك يا سيدتي

وأغير التقاويم

وأعيد تسمية الشهور والأيام

وأضبط ساعات العالم

على إيقاع خطواتك

ورائحة عطرك

التي تدخل إلى المقهى

قبل دخولك

إني أحبك يا سيدتي

دفاعاً عن حق الفرس

في أن تصهل كما تشاء

وحق المرأة في أن تختار فارسها

كما تشاء

وحق الشجرة في أن تغير أوراقها

وحق الشعوب في أن تغير حكامها

متى تشاء

أريد أن أحبك

حتى أعيد إلى بيروت رأسها المقطوع

وإلى بحرها معطفه الأزرق

وإلى شعرائها دفاترهم المحترقة

أريد أن أعيد

لتشايكوفسكي بجعته البيضاء

ولبول ايلوار مفاتيح باريس

ولفان كوخ زهرة دوار الشمس

ولأراغون عيون إلزا

ولقيس بن الملوح

أمشاط ليلى العامرية

أريدك أن تكوني حبيبتي

حتى تنتصر القصيدة

على المسدس الكاتم للصوت

وينتصر التلاميذ

وتنتصر الوردة

وتنتصر المكتبات

على مصانع الأسلحة

أريد أن أحبك

حتى أستعيد الأشياء التي تشبهني

والأشجار التي كانت تتبعني

والقطط الشامية التي كانت تخرمشني

والكتابات التي كانت تكتبني

أريد أن أفتح كل الجوارير

التي كانت أمي تخبئ فيها

خاتم زواجها

ومسبحتها الحجازية

بقيت تحتفظ بها

منذ يوم ولادتي

كل شيءٍ يا سيدتي

دخل في الكوما

فالأقمار الصناعية

إنتصرت على قمر الشعراء

والحاسبات الالكترونية

تفوقت على نشيد الإنشاد

وبابلو نيرودا

أريد أن أحبك يا سيدتي

قبل أن يصبح قلبي

قطعة غيارٍ تباع في الصيدليات

فأطباء القلوب في كليفلاند

يصنعون القلوب بالجمله

كما تصنع الأحذية

السماء يا سيدتي أصبحت واطئة

والغيوم العالية

أصبحت تتسكع على الأسفلت

وجمهورية أفلاطون

وشريعة حمورابي

ووصايا الأنبياء

صارت دون مستوى سطح البحر

ومشايخ الطرق الصوفية

أن أحبك

حتى ترتفع السماء قليلاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top