قصيدة خالطَ القلبَ همومٌ وحزنٌ
- يقول الشاعر الأعشى:
لقد خالطَ القلبَ همومٌ وحزنٌ،
وذكرياتٌ أظهرت سكوناً كان يحيط بي.
إنه مشغوفٌ بتلك الهند التي تهيم بها الأفئدة،
يرتاج أحياناً، وأخرى يحنّ إليها.
كأنها لعوبٌ برائحة عطرٍ طيبة،
تتلألأ كالأطراف الندية، كالرئم المُغنّي.
وإذا ما جلستْ بجوار عالجٍ،
فإني أعي تماماً ما تخلقه من فتنة.
تجعلني أقدّم طاعةً لشغفي،
وربما يطول الوشاحان إلى حبلةٍ،
وكأنما تربطها بقلبي كالرّسن.
فما خلقت هندٌ إلا لجذب القلوب،
فتظهر الفتنة للنّاس دون أدنى تكلف.
لم أرها قط في خلوةٍ،
بل كانت تخاطبني في حياءٍ مؤثر.
ثمّ أرسلت لها أنني،
أعتذر، وردّي سيكون،
أقلقها برقة مثلما يحدث مع القواد.
ربما يوماً ما تُغدِقِ علينا،
بعطايا لا شائبة فيها.
أنتِ سليمى همّ روحي، لذا تذكّري،
فلا ثمن لحياتي إن غفلت.
مع اللذائذ والظلال الباردة،
ومشروباتٍ من المسك، تناسب سعادة الروح.
أو عطرٍ خاصٍ به، حين يُجرّب،
فينطلق الشّيخ بغطاءٍ من الفرح.
تتجلى الأصوات الجميلة،
بمجرد لمس الأوتار.
وإذا ما خفّ له الجسيم،
إستمعنا إلى الأصداء المفعمة بالحنين.
وعندما نغترف بلذاته،
نجعل من الحديث عن المجهول مودةً.
إذًا، يستمر الأنس مع الأدباء،
صداقات تبني لنا المزيد من الهدايا.
هكذا ترونهم، في شغفٍ واضح،
وسط احتدامٍ من ضوء تقدير.
حتى تنقضينا الأمسيات،
دون أن نشعر بمرور الزمن.
ثم يرحل البعض، وكانت الشمس في الأفق،
يرتوي القلوب قليلاً، ونحن في عالمنا القليل.
بدون ناتج، فلتذكر الأدب وأحوال اليمن،
فالأشعث قيسٌ، يسعى لحمدٍ خاص،
جئته ذات يوم، فاستقبلني بحفاوة،
وبلّغني بكرمٍ، فأسعدني.
وثمانون عشارٌ، كانت لها قصص عظام،
مع خيولٍ من أصولٍ ممتازة.
إذ لم يتوانى في أي مركب.
قصيدة خففي يا هموم عن كبدي
- يقول الشاعر فوزي معلوف:
خففي، أيتها الهموم، عن كبدي،
فقد كفى بي ما أجرح جلدي.
أمسٍ كان مملوءاً بالآلام،
واليوم يتربص بغدي.
ما أعجب الذاكرة، وما أروعها،
فهي ابنة الصفاء والمشقة.
تشبه الخمر، كلما عتقت،
تفجّرت بمشاعر جديدة.
لن أنسى يوماً عند المنارة،
حيث تأملنا مستقبلنا.
شمسٌ تغرب، غادرةً،
ترمقنا بنظرٍ يبعث على الحسد.
تنفض نورها من خيوط شعرها،
مشرقةً كذهبٍ فوق الفضة.
ثم تهوي في بحر الحياة،
تترك خلفها صفرة الكمد.
صفرةٌ لم تطل، فتلاشت،
يختفي ضوءها في زرقة المدى.
كشعلةٍ في مياهٍ طافية،
أترانا سنلتقي من جديد؟
وهنا، الموج ثار كجيشٍ،
ثائرٌ غاضبٌ يواجه الصخور.
وها هو ذا المَدّ يتحرك،
باستعداد لأمواجٍ جديدة.
الموجة تقفز كالحيوان،
محتدمةً نحو العدم.
وإذا بالهدير يعاود الانتشار،
موجٌ عارٍ يتحدى السكون.
أنتم الصحب والصداقة،
فاصمتوا الآن، وتناسبوا.
الأسباب هي التي ارتهنت!
أفلم تدركوا زخات الوداد؟
صعدت زفرةً ولم تُدمج.
أو لم تروني كيف لامست،
لأخطو نحو الحياة والأمل؟
فكتمت ما بداخلي من شوق،
فوق حواف العيون المتقدة.
فحسبناه في قلوبنا،
وظللنا نتطلع نحو الأفق.
بشفاهٍ مغلقةٍ،
ولسانٍ يحاور القلب،
فإذا ما طلبت، أو طلبت،
لم أجد شيئاً جديداً.
تحدث القلب بالحب، لكن،
لا أستطيع تجسيده.
هذا هو الأمل المبني على الأوهام،
فرصةٌ ضاعت، ولم يعد هناك.
كنت بالقرب من السعادة، لو،
شئت لجعلته لي.
كنتُ كالعصافير بجوار الساقية،
لكنني كنت ظامئاً ولم أرغب!
قصيدة أزِلْ همومَ الفُؤادِ واصبِرْ
- يقول الشاعر أبو العلاء المعري:
أزِلْ همومَ الفُؤادِ واصبِرْ،
فإنما إزالة الهموم في معارك الحياة.
وليس فيمن ترى منهم خيرٌ،
فأحسن عدّه، وابدأ من جديد.
فالغزل للرقيق والغواني،
شئانٌ يُعدّان من البديهيات.
والشمس كالغزّالة، لكنها،
كانت واضحة في غزالتها.
قصيدة تلومني الدنيا
- يقول الشاعر نزار قباني:
تلومني الدنيا إن أحببته!
كأنني.. أنا من جعل الحبّ،
وكأنني أنا من رسمتُه على خدود الورد.
كأنني أنا، التي..
علّمت الطيور في السماء،
وزرعته في حقول القمح.
لو كنتُ أدري أنه..
نوعٌ من الإدمان، ما أقدمت عليه،
لو كنتُ أدري أنه..
بابٌ كثير الريح، ما فتحته.
هذا الهوى.. أعنف حبٍّ عشته،
فليتني حين أتى فاتحاً،
بيدي.. رددته.
هذا الهوى الذي أراه في الليل،
خلف ستائري،
أراه في ثوبي،
وفي عطري، وفي أساوري.
لو أخبروني أنهُ
طفلٌ كثير اللهو،
ما أدخلتهُ،
لو أخبروني أنهُ..
سيكسر الزجاج في قلبي، لما تركته.
قصيدة ليتَ لي أن أعيشَ هذهِ الدنيّا
- يقول الشاعر أبو القاسم الشابي:
ليتَ لي أن أعيشَ في هذهِ الدنيّا،
سعيداً بوحشتي وانفرادي.
أَصرفُ العُمركَ في الجبالِ وفي الغاباتِ،
بينَ الصنوبَر الميّادِ.
ليس لي من مشاغل العيش ما يصرفُ،
نفسي عن استماع فؤادي.
أرقب الموتَ، والحياةَ، وأصغي،
لحديثِ الأزليين والآباد.
وأغني مع البلابل في الغاب،
وأصغي إلى خرير الوادي.
وأناجي النجوم والفجر والأَطيار،
والنهر والضياء الهادي.
عيشاً للجمال والفن، أبغيها،
بعيداً عن أمتي وبلادي.
لا أعني نفسي بأحزان شعبي،
فهو حيٌ يعيشُ كالحجر.
وأكتفي من الأسى بما بنفسي،
من مشاعر قديمة وجديدة.
وبعيداً عن المدينة والناس،
بعيداً عن ضجيج تلك النوادي.
فهو من معدن السخافة والإفك،
ومن ذاك الهراء العادي.
أين هو من خرير ساقية الوادي،
وخفقِ الصدى، وشدو الشادي.
ومع حفيف الغصون، التي ينمقها الطل،
وهمس النسيم للأوراد.
هذهِ عيشةٌ تقدّسها نفسي،
وأدعو لها بالمجد وأنادي.