قصائد الشاعر قيس بن الملوح

قصيدة ألاَ لا أرى وادي المياه يُثيب

ألاَ لا أرى وادي المياه يُثيب

ولا النفس عن وادي المياه تطيب

أحب هبوط الواديين وإنني

لمشتهر بالواديين غريب

أحقاً عباد الله أنني لست وارداً

ولا صادرًا إلا على رقيب

ولا زائرًا فردًا ولا في جماعة

من الناس إلا قيل أنت مريب

وهل ريبة في أن تحن نجيبة

إلى ألفها أو أن يحن نجيب

وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى

إلي وإن لم آته لحبيب

ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر

حبيبًا ولم يطرب إليك حبيب

لئن كثرت رقاب ليلى فطالما

لهوت بليلى ما لهن رقيب

وإن حال يأس دون ليلى فربما

أتى اليأس دون الشيء وهو حبيب

وأنتِ منيتني حتى إذا ما رأيتني

على شرف للناظرين يريب

صدتِ وأشمتِ العداة بهجرنا

أثابكِ فيما تصنعين مثيب

أبعدتُ عنك النفس والنفس صبّةٌ

بذكرك والمشى إليك قريب

مخافة أن تسعى الوشاة بظنةٍ

وأكرمكم أن يستريب مريب

فقد جعلت نفسي وأنتِ اخترمتِها

وكنتِ أعز الناس عنك تطيب

فلو شئت لم أغضب عليك ولم يزل

لكِ الدهر مني ما حييت نصيب

أما والذي يتلو السرائر كلها

ويعلم ما تبدي به وتغيب

لقد كنتِ ممن تصطفي النفس خلةً

لها دون خلان الصفاء حجوب

وإني لأستحييك حتى كأنما

علي بظهر الغيب منك رقيب

تتجنبين حتى يذهب اليأس بالهوى

وحتى تكاد النفس عنك تطيب

سأستعطف الأيام فيك لعلها

بيوم سُروري في هواك تؤوب

قصيدة لئن كثرت رقاب ليلى

لئن كثرت رقاب ليلى فطالما

لهوت بليلى ما لهن رقيب

وإن حال يأس دون ليلى فربما

أتى اليأس دون الشيء وهو حبيب

ومنّيتني حتى إذا ما رأيتني

على شرف للناظرين يريب

صدتِ وأشمتِ العداة بهجرنا

أثابكِ فيما تصنعين مثيب

أبعدتُ عنك النفس والنفس صبّةٌ

بذكرك والمشى إليك قريب

مخافة أن تسعى الوشاة مظنة

وأكرمكم أن يستريب مريب

أما والذي يبلو السرائر كلها

ويعلم ما تبدي به وتغيب

لقد كنت ممن تصطفي النفس حلةً

لها دون خلان الصفاء حجب

وإني لأستحييك حتى كأنما

علي بظهر الغيب منك رقيب

تتجنبين حتى يذهب اليأس بالهوى

وحتى تكاد النفس عنك تطيب

سأستعطف الأيام فيك لعلها

بيوم سُروري في هواك تؤوب

قصيدة هوى صاحبي

هوى صاحبي ريح الشمال إذا جرت

وأهوى لنفسي أن تهب جنوب

فويلي على العذال ما يتركونني

بغمّي، أما في العاذلين لبيبي

يقولون لو عزيت قلبك لا رعوى

فقلت وهل للعاشقين قلوب

دعاني الهوى والشوق لما ترنمت

هتوف الضحى بين الغصون طروب

تجاوب ورقاً إذ أصخن لصوتها

فكلٌّ لكلٍ مسعد ومجيب

فقلت حمام الأيك مالك باكياً

أفارقت إلْفاً أم جفاك حبيب

تذكرني ليلى على بعد دارها

وليلى قتول للرجال خلوب

وقد رابني أن الصبا لا تجيبني

وقد كان يدعوني الصبا فأجيب

سبي القلب إلا أن فيه تجلداً

غزال بأعلى الماتحين ربيب

فكلم غزال الماتحين فإنه

بدائي وإن لم يشفني لطبيب

فدومي على عهد فلست بزائل

عن العهد منكم ما أقام عسيب

قصيدة أيا ويح من أمسى يخلس عقله

أيا ويح من أمسى يخلس عقله

فأصبح مذموماً به كل مذهب

خلياً من الخلان إلا معذباً

يضاحكني من كان يهوى تجنبي

إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت

روائع قلبي من هوى متشعب

وقالوا صحيح ما به طيف جنة

ولا الهم إلا بافتراع التكدب

ولي سقطات حين أغفل ذكرها

يغوص عليها من أراد تعقبي

وشاهد وجدي دمع عيني وحبها

برى اللحم عن أحناء عظمي ومنكبي

تجنبت ليلى أن يلج بي الهوى

وهيهات كان الحب قبل التجنب

فما مغزل أدماء بات غزالها

بأسفل نهٍ ذي عرار وحلب

بأحسن من ليلى ولا أم فرقَد

غضيضة طرف رعيوه وسط بررب

نظرت خلال الركب في رونق الضحى

بعيني قطامي نما فوق عرقب

إلى ظعن تحدى كأن زهاءها

نواعم أثل أو سعيات أثلب

ولم أرَ ليلى غير موقف ساعةٍ

ببطن منى ترمي جمار المحصب

فأصبحت من ليلى الغداة كناظر

مع الصبح في أعقاب نجم مغرب

ألا إنما غادرتِ يا أم مالكٍ

ويُبدي الحصى منها إذا قذفت به

حلفت بمن أرسا ثبّيراً مكانه

عليه ضباب مثل رأس المعصب

وما يسلك المومأة من كل نقصة

طليح كجفن السيف تهدى لمركب

خوارج من نعمان أو من سفوحه

إلى البيت أو يطلعن من نجد كبكب

لقد عشت من ليلى زماناً أحبها

أرى الموت منها في مجيئي ومذهبي

ولما رأت أن التفرق فلتة

وأنا متى ما نفترق نتشعب

أشارت بموشوم كأن بنانه

من اللين هداب الدمقس المهذب

قصيدة أمن أجل غربان تصايحن غدوة

أمن أجل غربان تصايحن غدوة

ببينونة الأحباب دمعك سافح

نعم جادت العينان مني بعبرة

كما سَلّ من نظم اللآلي تطارح

ألا يا غراب البين لا صحت بعده

وأمكن من أوداج حلقك ذابح

يروع قلوب العاشقين ذوي الهوى

إذا أمنوا الشحاج أنك صائح

وعد سواء الحب واتركه خالياً

وكن رجلاً واجمح كما هو جامح

أيا هجر ليلى

أيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى

وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر

عجبت لسعي الدهر بيني وبينها

فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

فيا حبها زدني جوى كل ليلة

ويا سلوة الأيام موعدك الحشر

تكاد يدي تندى إذا ما لمستها

وينبت في أطرافها الورق النضر

ووجه له ديباجة قرشية

به تكشف البلوى ويستنزل القطر

ويهتز من تحت الثياب قوامها

كما اهتز غصن البان والفنن النضر

فيا حبذا الأحياء ما دمت فيهمِ

ويا حبذا الأموات إن ضمك القبر

وإني لتعروني لذكراك نفضة

كما انتفض العصفور بلله القطر

عسى إن حججنا واعتمرنا وحرمت

زيارة ليلى أن يكون لنا الأجر

فما هو إلا أن أراه فجاءة

فأبته لا عُرفٌ لدي ولا نكر

فلو أن ما بي بالحصا فلق الحصى

وبالصخرة الصماء لانصدع الصخر

ولو أن ما بي بالوحش لما رعت

ولا ساغا الماء النمير ولا الزهر

ولو أن ما بي بالبحار لما جرى

بأمواجها بحرٌ إذا زخر البحر

أني ري مكان البدر

أني ري مكان البدر إن أفل البدر

وقومي مقام الشمس ما استأخر الفجر

ففيك من الشمس المنيرة ضوءها

وليس لها منك التبسم والثغر

بلى لك نور الشمس والبدر كله

ولا حملت عينيك شمس ولا بدر

لك الشُرقة اللألئ والبدر طالع

وليس لها منك الترائب والنحر

ومن أين للشمس المنيرة بالضحى

بمكحولة العينين في طرفها فتر

وانى لها من دل ليلى إذا انثنت

بعيني مهاة الرمل قد مسها الذعر

تبتسم ليلى عن ثنايا كأنها

أقاح بجرعاء المراضين أو در

منعمة لو باشر الذر جلدها

لأثر منها في مدارجه الذر

إذا أقْبَلَتْ تمشي تقارب خطوها

إلى الأقرب الأدنى تقسمها البهر

شعمريضَةٍ أثناء التعطف إنها

تخاف على الأرداف يثلمها الخصر

فما أمّ خشٍ بالعقَيْقين ترعوي

إلى رشأ طفل مفاصلها خدر

مُخضلةً جاد الربيع زهاءها

رهائم وسمي سحائبه غزر

وقفنا على أطلال ليلى عشيةً

بأجرع حزوى وهي طامسة دثر

يجاد بها مزنان: أسحم باكر

وآخر معهاد الروح لها زجر

وأوفى على روض الخزامى نسيمها

وأنوارها واخضوضل الورق النضر

رواحاً وقد حنت أوائل ليلها

روائح لأظلام ألوانها كدر

تقلب عيني خازل بين مرعو

وآثار آياتٍ وقد راحت العفر

أحسن من ليلى معيدة نظرةٍ

إلى التفات حين ولت بها السفر

محاذية عيني بدمعٍ كأنما

تحلب من أشفارها درر غزر

فلن أرَ إلا مقلة لم أكَد بها

أشيم رسوم الدار ما فعل الذكر

رفعن بها خوص العيون وجوهها

ملفعة ترباً وأعينها غزر

وما زلت محمود التصبر في الذي

ينوب ولكن في الهوى ليس لي صبر

أيا ليل زند البين يقدح في صدري

أيا ليل زند البين يقدح في صدري

ونار الأسى ترمي فؤادي بالجمر

أبى حدثان الدهر إلا تشتتاً

وأي هوى يبقى على حدث الدهر

تعز فإن الدهر يجرح في الصفى

ويقدح بالعصرين في الجبل الوعر

وإني إذا ما أعوز الدمع أهله

فزعت إلى دلحاء دائمة القطر

فوالله ما أنساك ما هبت الصبا

وما ناحت الطيور في وضح الفجر

وما نطقت بالليل سارية القطا

وما صدحت في الصبح غادية الكدر

وما لاح نجم في السماء وما بكت

مطوقة شجواً على فنن السدر

وما طلعت شمس لدى كل شارق

وما هطلت عين على واضح النحر

وما اغتوطش الغربيب واسود لونه

وما مر طول الدهر ذكرك في صدري

وما حملت أنثى وما خب ذعلب

وما طفح الأذي في لجج البحر

وما زحفت تحت الرحال بركبها

قلاص تؤم البيت في البلد القفر

فلا تحسبي يا ليل أني نسيتكم

وأنستِ مني حيث كنت على ذكر

أيُبكي الحمام الورق من فقد إلفه

وتسلو وما لي عن أليفي من صبر

فأقسم لا أنساك ما ذر شارق

وما خب آل في معلمة فقر

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

أناجيكم حتى أرى غرة الفجر

لقد حملت أيدي الزمان مطيتي

على مركب مستعطل الناب والظفر

بنفس من لا بد لي أن أهاجره

بنفس من لا بد لي أن أهاجره

ومن أنا في الميسور والعسر ذاكر

ومن قد رماه الناس بي فاتقاهم

بهجري إلا ما تجن ضمائره

فمن أجلها ضاقت علي برحبها

بلادي إذ لم أرضَ عمن أجاوره

ومن أجلها أحببت من لا يحبني

وباغضت من قد كنت حين أعا شره

أتهاجر بيتاً للحبيب تعلق

به الحب والأعداء أم أنت زائره

وكيف خلاصي من جوى الحب بعدما

يسر به بطن الفؤاد وظاهره

وقد مات قبلي أول الحب فانقضى

فإن مت أضحى الحب قد مات آخره

وقد كان قبلي في حجاب يكنه

فحبك من دون الحجاب يباشره

أصد حياءً أن يلج بي الهوى

وفيك المنى لولا عدو أُحاوره

ألا أيها الشيخ

ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى

شقيت ولا هنيت في عيشك الغضا

شقيت كما أشقيتني وتركتني

أهيم مع الهلاك لا أُطعم الغمض

أما والذي أبلى بليلى بليتي

وأصفى لليلى من مودتي المحضا

لأعطيت في ليلى الرضا من يبيعها

ولو أكثروا لومي ولو أكثروا القرضا

فكم ذاكر ليلى يعيش بكربة

فينفض قلبي حين يذكرها نفضاً

وحق الهوى إني أحس من الهوى

على كبدي نارًا وفي أعظمي مرضا

كأن فؤادي في مخالب طائرٍ

إذا ذكرت ليلى يشد به قبضا

كأن فجاج الأرض حلقة خاتم

علي فما تزداد طولاً ولا عرضا

وأغشى فيُحمى لي من الأرض مضجعي

وأصرع أحياناً فأتلمس الأرضا

رضيت بقتلي في هواها لأنني

أرى حبها حتمًا وطاعتها فرضا

إذا ذكرت ليلى أهيم بذكرها

وكانت منى نفسي وكنت لها أرضى

وأن رمت صبراً أو سلوًا بغيرها

رأيت جميع الناس من دونها بعضا

قصيدة لا أيها البيت الذي لا أزوره

لا أيها البيت الذي لا أزورُه

وهجرانه مني إليه ذنوب

هجرتك مشتاقاً وزرتك خائفاً

وفيك عليّ الدهر منكَ رقيب

سأستعطف الأيام فيك لعلها

بيوم سرور في هواك تثيب

وأفرِدت إفراد الطريد وباعدت

إلى النفس حاجات وهن قريب

لئن حال يأس دون ليلى لرُبما

أتى اليأس دون الأمر فهور عصيب

ومنّيتني حتى إذا ما رأيتني

على شرف للناظرين يريب

صددتِ وأشمت العدو بصَرْمِنا

أثابكِ يا ليلى الجزاء مثيب

جري السيل فاستبكاني السيل إذ جرى

وفاضت له من مقلتي غروب

وما ذاك إلا حين أيقنت أنه

يكون بوادي أنتِ منه قريب

يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهى

إليكم تلقى طيبكم فيطيب

فيا ساكني أكنّاف نخلة كلكم

إلى القلب من أجل الحبيب حبيب

أظل غريب الدار في أرض عامرٍ

ألا كل مهجور هناك غريب

وإن الكثيب الفرد من أيمَن الحمى

إلي وإن لم آتِهِ لحبيب

فلا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر

حبيباً ولم يطرب إليك حبيب

قصيدة فواكبدة من حب من لا يحبني

فواكبدة من حب من لا يحبني

ومن زفراتٍ ما لهن فناء

أريتك إن لم أعطك الحب عن يدِ

ولم يكن عندي إذ أبيت إباء

أتاركتي للموت إني لمَيِّتٌ

وما للنفس الهالكات بقاء

إذا هي أمسنت منبت الربع دونها

ودونك إرتىٍ مسهل وعلاء

فلا وصل إلا أن يقارب بيننا

قلائص في أذنابهن صفاء

يجبن بنا عرض الفلاة وما لنا

عليهن إلا وحدهن شفاء

إذا القوم قالوا وردهن ضحى غدٍ

تواهقن حتى وردهن عشاء

إذا استخبرت ركبانهن لم يخبروا

عليهن إلا أن يكون نداء

قصيدة ومُستوحشٍ لم يُمسِ في دار غربةٍ

ومستوحشٍ لم يُمسِ في دار غربةٍ

ولكنه ممن يود غريب

إذا رام كتمان الهوى نمّ دمعه

فآهٍ لمحرزون جفاه طبيب

ألا أيها البيت الذي لا أزورُه

وهجرانه مني إليك ذنوب

هجرتك مشتاقاً وزرتك خائفاً

ومني عليّ الدهر فيك رقيب

سلام على الدار التي لا أزورها

وإن حلّها شخصٌ إليّ حبيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top