عتاب الحبيب
يُقال إن العتاب، مثل الحب، يُقدَّم لمن يستحق فقط. فهو يُعبر عن الخوف على المشاعر من أن تتوجه نحو شخص آخر، وغالباً ما يرتبط العتاب بعلاقة المحبة. وإذا فقدت المحبة من القلب، فإن العتاب يصبح مجرد ذكرى بلا قيمة. العديد من الشعراء تناولوا موضوع العتاب في قصائدهم، وفي هذا المقال نلقي الضوء على بعضٍ منها.
أهلاً بطيف زار بعد جفائه
محمد الساعاتي هو فخر الدين ابن رضوان، وُلِد وتوفي في دمشق. نشأ تحت رعاية والده المهندس المبدع محمد الساعاتي، وعُيّن رضوان في بلاط الملك الفائز إبراهيم (ابن أخ صلاح الدين الأيوبي). اكتسب فخر العلم من والده في مجالات متعددة مثل الفلك والميكانيك، مما جعل منه شخصية متميزة وذات مكانة مرموقة في مجتمعه.
أهلاً بطيفٍ زار بعدَ جفائهِ
ركبَ الهوى فدنا على عداوئهِ
نثرتْ عقودُ الزمن ليلةَ هديه
والبرق يبسمُ في متون سمائه
عرسٌ من الأحلام زفُّ لمقلتي
فيه زفاف البدر في ظلمائه
فأتى الذّ منَ الكرى في مقلةٍ
سهدت ومثل الهدي عند التائه
قمر تنقَّلَ من سحابِ لثامهِ
يومَ الوداع إلى سرارِ خبائه
قلبي وطرفي منزلاهُ إنما
نخشى حلولَ الطرفَ من أنوائه
وقضيبِ بانٍ كان نرجس طرفه
يوم التلاقي شوكَ وردِ حيائه
يرضى ويغضب فهو محيٍ قاتلٌ
في حالتيه بوصلهِ وجفائه
ذو الوجه يخصر ماؤه من نارهِ
ويضيءُ جذوةَ ناره في مائه
أسر الكرى فتخذتُ وجدي شافعاً
فيه وكان الدمعُ من طلقائه
وهب الجداية منهُ طولُ نفاره
وحبا قضيبَ البانِ من خيلائه
يا عاذلَ الصبِّ الكئيب وقلبهُ
سرُّ الهوى العذريِّ في سودائه
ما كان رخصُ الدمع لولا أنَّهُ
سامَ الوصالَ فصدَّه بغلائه
ومن العجائب أنَّ نيلَ دموعهِ
متزّيدٌ والجدبُ في أحشائه
لو ذقتَ طعمَ دنوّهِ وبعادهِ
لعرفت سهلَ الشوق من برحائه
منعتْ ظباءُ المنحنى بأسوده
وأشدُّ ما اشكوهُ فتك ظبائه
فعلتْ بنا وهي الصديق لحاظها
كظبى صلاحِ الدين في أعدائه
عندما يكون العتاب دليلاً على الحب
عبد الرحمن بن صالح العشماوي هو شاعر سعودي بارز، ويعتبر من أبرز الشعراء المعاصرين. اشتهر بشعره الإسلامي، وُلِد سنة 1956م وعمل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى أصبح أستاذاً مساعداً في “النقد الحديث” بكلية اللغة العربية. يُعرف العشماوي بقصائده التي تدعو إلى بزوغ فجر جديد في الأمة بأسلوبه الحماسي.
عصى الدمع عيني فلم يهطل
وقلبي بنار الأسى يصطلي
أيا مقلتي أنا في حاجة
إلى دمع عيني فلا تبخلي
فما يغسل الحزن عن خاطري
سوى الدمع همي به ينجلي
أيا ساكنا” في فؤادي متى
تريح وترتاح يامشغلي
وأين أراك على دربنا
تسير على عهدك الأول
حملتك في القلب ريحانة”
فكيف تحولت كالمنجل
حصدت السعادة في خاطري
ولم تتمهل ولم تمهل
لقد كنت كالشهد في طعمه
فصرت أمر من الحنظل
أيا راحلا” خلف أهوائه
تأمل حنيني ولا ترحل
نزلت إلى السفح مستسلما”
فياليت أنك لم تنزل
وياليت أنك أدركت ما
وراء السراب ولم تغفل
وسالمتني ثم حاربتني
فهل كنت تبحث عن مقتلي؟
وكيف جعلت ربيع المنى
خريفا” وقد كنت كالجدول؟
لقد ذبل الزرع في روضتي
ولولا جفاؤك لم يذبل
فكيف أمد إليك يدا”
وسهمك مازال في المفصل؟
أيا صاحبي لا تدعني على
طريق الظنون بلا موئل
إذا صدق الناس في سعيهم
فسوف يسيرون للأفضل
لي صاحب قد كنت آمل نفعه
ابن الرومي هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، شاعر من شعراء العصر العباسي. وُلِد بالعقيقة في بغداد سنة 836م، وهو من طبقة بشار والمتنبي. عانى كثيراً في حياته مما أثر بشكل كبير على قصائده، لذا تنوعت أشعاره بين المدح والهجاء والفخر والرثاء، وله ديوان شعر مطبوع.
لي صاحبٌ قد كنتُ آمُلُ نفعَهُ
سَبقتْ صواعقُهُ إليَّ صبيبَهُ
رجَّيْتُهُ للنائبات فساءني
حتى جعلتُ النائباتِ حسيبَهُ
ولَما سألتُ زمانَهُ إعناتَهُ
لكن سألتُ زمانه تأديبَهُ
وعسى معوِّجُهُ يكونُ ثِقَافَهُ
ولعلَّ مُمرضَهُ يكونُ طبيبَهُ
يا من بذلتُ له المحبة َ مخلصاً
في كلّ أحوالي وكنتُ حبيبهُ
ورعيتُ ما يرعى ومِلتُ إلى الذي
وردَتْهُ همتُهُ فكنتُ شَريبَهُ
شاركتُهُ في جِدِّهِ ورأيتُهُ
في هزله كُفْوي فكنتُ لعيبَهُ
أيامَ نسرحُ في مَرَادٍ واحدٍ
للعلم تنتجعُ القلوبُ غريبَهُ
وكذاك نشرع في غديرٍ واحدٍ
يصف الصفاءُ لوارديه طِيبَهُ
أَيسوؤُني مَنْ لم أكنْ لأسوءَهُ
ويُريبني من لم أكن لأُريبَهُ
ما هكذا يرعى الصديقُ صديقَهُ
ورفيقَهُ وشقيقَهُ ونسيبَهُ
أأقولُ شعراً لا يُعابُ شبِيهُهُ
فتكونَ أوّلَ عائبٍ تشبيبَهُ
ما كلُّ من يُعطَى نصيبَ بلاغة ٍ
يُنسيهِ من رَعْي الصديقِ نصيبَهُ
أَنَفِسْتَ أن أمررتُ عند خَصَاصة
سببَ الثراءِ وما وردتُ قليبَهُ
إني أَراك لدى الورود مُواثبي
وإذا بدا أمرٌ أراك عقيبَهُ
ولقد رَعَيْتَ الخِصبَ قبلي برهة
ورعيتُ من مرعى المعاشِ جديبَهُ
فرأيتُ ذلك كلَّه لك تافهاً
وسخطتُ حظَّك واحتقرتُ رغيبَهُ
شهد الذي أبْديتَ أنك كاشحٌ
لكنَّ معرفتي تَرَى تكذيبَهُ
وإذا أرابَ الرأيُ من ذي هفوة ٍ
ضمنتْ إنابة ُ رأيهِ تأنيبَهُ
ولقد عَمِرْتُ أظنُّ أنك لو بدا
منّي مَعيبٌ لم تكن لتعيبَهُ
نُبِّئْتُ قوماً عابني سفهاؤُهُمْ
وشهدتَ مَحْفِلَهُمْ وكنتَ خطيبَهُ
عابوا وعبْتَ بغير حقٍ منطقاً
لو طال رميُك لم تكن لتصيبَهُ
ونَكِرتُمُ أنْ كان صدرُ قصيدة
ذِكْرَايَ غُصْنَ مُنعَّمٍ وكثيبَهُ
فكأنكم لم تسمعوا بمُشَبِّهٍ
قبلي ولم تتعودوا تصويبَهُ
الآنَ حين طلعتُ كلَّ ثَنيَّة
ووطئتُ أبكارَ الكلامِ وَثيبَهُ
يتعنتُ المتعنِّتُون قصائدي
جَهِلَ المرتِّبُ منطقي ترتيبَهُ
الآنَ حين زَأَرْتُ واستمع العدا
زأْري وأَنذرَ كَلْبُ شَرٍّ ذِيبَهُ
يتعرض المتعرضون عداوتي
حتى يُهِرَّ ليَ المُهِرُّ كَلِيبَهُ
الآنَ حين سبقتُ كلَّ مسابقٍ
فتركتُ أسرعَ جريهِ تقريبَهُ
يتكلَّفُ المتكلفون رياضتي
لِيُطِلْ بذاك مُعَجِّبٌ تعجيبَهُ
وَهَبِ القضاءَ كما قضيتَ ألم يكنْ
في محضِ شِعري ما يجيز ضريبَهُ
هلاَّ وقد ذُوِّقْتَ دَرَّ قريحتي
فذممتَ حَازِرَهُ حَمَدْتَ حليبَهُ
بل هبه عيباً لا يجوز ألم يكن
من حق خِلِّكَ أن تحوط مغيَبهُ
فتكونَ ثَمَّ نصيرَهُ وظهيرَهُ
وخصيم عَائِب شِعْرِهِ ومُجِيبَهُ
بل ما رضيتَ له بتركِك نصرَهُ
حتى نَعَبْتَ مع السَّفِيهِ نعيبَهُ
فَثَلَبْتَ معنى محسِّنٍ وكلامَهُ
ثلباً جعلتَ كَبَدْيِهِ تعقيبَهُ
حتى كأنك قاصدٌ تعويقَهُ
عمَّا ابتغاهُ وطالبٌ تخييبَهُ
وأمَا وما بيني وبينَكَ إنَّهُ
عهدٌ رعيْتُ بعيدَهُ وقريبَهُ
لولا كراهة ُ أن أُملِّكَ شهوتي
قهرَ الصديقِ محبتي تلبيبَهُ
أو أن أجاوزَ بالعتاب حدودَهُ
فأكونَ عائبَ صاحبٍ ومَعيبَهُ
سيَّرتُ قافية ً إليك غريبة
مَنْ سيَّرَتْهُ تضمنتْ تغريبَهُ
فيا رب حببني إليها
جميل بن معمر القُضاعي، المعروف بلقب “أبو عمر”، هو شاعر وروائي بارع. كان له شغف عميق بشعر الجمال، وكان لسانه خاصًا بما يتعلق بالقول. أحب واحدة من بنات قريته وأصبح هاوياً لها، متوجهاً إليها سراً. وقد كان أيضاً شاعراً وراوية “للحطيئة”، أحد الشعراء المخضرمين.
أَهاجَكَ أَم لا بِالمَداخِلِ مَربَعُ
وَدارٌ بِأَجراعِ الغَديرَينِ بَلقَعُ
ديارٌ لِسَلمى إِذ نَحِلُّ بِها مَعاً
وَإِذ نَحنُ مِنها بِالمَوَدَّةِ نَطمَعُ
وَإِن تَكُ قَد شَطَّت نَواها وَدارُها
فَإِنَّ النَوى مِمّا تُشِتُّ وَتَجمَعُ
إِلى اللَهِ أَشكو لا إِلى الناسِ حُبَّها
وَلا بُدَّ مِن شَكوى حَبيبٍ يُرَوَّعُ
أَلا تَتَّقينَ اللَهَ فيمَن قَتَلتِهِ
فَأَمسى إِلَيكُم خاشِعاً يَتَضَرَّعُ
فَإِن يَكُ جُثماني بِأَرض سِواكُمُ
فَإِنَّ فُؤادي عِندكِ الدَهرَ أَجمَعُ
إِذا قُلتُ هَذا حينَ أَسلو وَأَجتَري
عَلى هَجرِها ظَلَّت لَها النَفسُ تَشفَعُ
أَلا تَتَّقينَ اللَهَ في قَتلِ عاشِقٍ
لَهُ كَبِدٌ حَرّى عَلَيكِ تَقَطَّعُ
غَريبٌ مَشوقٌ مولَعٌ بِاِدِّكارِكُم
وَكُلُّ غَريبِ الدارِ بِالشَوقِ مولَعُ
فَأَصبَحتُ مِمّا أَحدَثَ الدَهرُ موجِعاً
وَكُنتُ لِرَيبِ الدَهرِ لا أَتَخَشَّعُ
فَيا رَبِّ حَبِّبني إِلَيها وَأَعطِني
المَوَدَّةَ مِنها أَنتَ تُعطي وَتَمنَعُ
وَإِلّا فَصَبِّرني وَإِن كُنتُ كارِهاً
فَإِنّي بِها يا ذا المَعارِجِ مولَعُ
وَإِن رمتُ نَفسي كَيفَ آتي لِصَرمِها
وَرمتُ صدوداً ظَلَّتِ العَينُ تَدمَعُ
جَزِعتُ حِذارَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلوا
وَمَن كانَ مِثلي يا بُثَينَةُ يَجزَعُ
تَمَتَّعتُ مِنها يَومَ بانوا بِنَظرَةٍ
وَهَل عاشِقٌ مِن نَظرَةٍ يَتَمَتَّعُ
كَفى حَزَناً لِلمَرءِ ما عاشَ أَنَّهُ
بِبَينِ حَبيبٍ لا يَزالُ يُرَوَّعُ
فَوا حَزَناً لَو يَنفَعُ الحزنُ أَهلَهُ
وَواجَزَعاً لَو كانَ لِلنَفسِ مَجزَعُ
فَأَيُّ فُؤادٍ لا يَذوبُ لِما أَرى
وَأَيُّ عُيونٍ لا تَجودُ فَتَدمَعُ