قصائد المدح للشاعر المتنبي

كفى بك داءً

لقد مدح أبو الطيب كافور الإخشيدي في القصيدة التالية:

كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً

وحسب المنايا أن تكن أمانيا

تمنيتَها لما تمنيتَ أن ترى

صديقاً فأعيا أو عدواً مداجيا

إذا كنت ترضى أن تعيش بذلةٍ

فلا تستعدلن الحسام اليمنيا

ولا تستطيلن الرماح لغارةٍ

ولا تستجيدن العتاق المذاكيا

فما ينفع الأسود الحياء من الطوى

ولا تتقى حتى تكون ضوارياتٍ

حببتُك قلبي قبل حبك من نأى

وقد كان غدّاراً فكن أنت وافياً

وأعلمُ أن البين يشكيك بعده

فلست فؤادي إن رأيتُك شاكياً

فإن دموع العين غدرٌ بربها

إذا كنا إثر الغادرين جواريا

إذا الجود لم يرزق خلاصاً من الأذى

فلا الحمد مكسوباً ولا المال باقياً

وللنفس أخلاق تدل على الفتى

أكان سخاءً ما أتى أم تساخيا

أقل اشتياقاً أيها القلب ربّما

رأيتُك تصفي الود ممن ليس جازيا

خلقت ألوفاً لو رحلت إلى الصبا

لفارقتَ شيبي موجع القلب باكياً

ولكن بالفسطاط بحراً أزرتُهُ

حياتي ونُصحي والهوى والقوافي

وجرداً مددنا بين آذانها القنا

فبتنا خفافاً يتبعن العواليا

تماشى بأيدٍ كلما وافَتِ الصفا

نقشنَ به صدر البزاة حوافيا

وتنظر من سود صوادق في الدجى

يرين بعيدات الشخوص كما هي

وتنصب للجّرس الخفي سوامعاً

يخلن مناجاة الضمير تناديا

تجاذب فرسان الصباح أعنتةً

كأن على الأعناق منها أفاعيا

بعزم يسير الجسم في السرج راكباً

به ويسير القلب في الجسم ماشياً

قواصد كافور تبارك غيره

ومن قصد البحر استقل السوابق

فجاءت بنا إنسان عين زمانه

وخلت بياضاً خلفها وماقيًا

نجوز عليها المحسنين إلى الذي

نرى عندهم إحسانه والأيادي

نرى عندهم إحسانه والأيادي

إلى عصره إلا نرجى التلاقي

ترفع عن عون المكارم قدره

فما يفعل الفعلات إلا عذاريا

يبيد عداوات البغاة بلطفه

فإن لم تبِد منهم أباد الأعاديا

أبا المسك ذا الوجه الذي كنتُ تائقاً

إليه وهذا الوقت الذي كنتُ راجياً

لقيتُ الممرى والشناخيب دونه

وجبتُ هجيراً يترك الماء صادياً

أبا كل طيبٍ لا أبا المسك وحده

وكل سحاب لا أخص الغواديا

يدل بمعنى واحد كل فاخرٍ

وقد جمع الرحمن فيك المعانيا

إذا كسب الناس المعالي بالندى

فإنك تعطي في نداك المعاليا

وغير كثير أن يزورك راجلٌ

فيرجع ملكاً للعراقين واليا

فقد تهب الجيش الذي جاء غازياً

لسائلك الفرد الذي جاء عافيا

وتحتقر الدنيا احتقار مجربٍ

يرى كل ما فيها وحاشاك فانياً

وما كنت ممن أدرك الملك بالمنا

ولكن بأيام أشبنَ النواصيا

عداك تراها في البلاد مساعيا

وأنت تراها في السماء مراقيا

لبست لها كدر العجاج كأنما

ترى غير صافٍ أن ترى الجو صافياً

وقُدت إلى كل أجرَد سابحٍ

يؤديك غضباناً ويثنيك راضياً

ومختلطٍ ماضٍ يطيعك آمراً

ويعصي إذا استثنيت لو كنت ناهياً

وأسمَر ذا عشرين ترضاه وارداً

ويرضاك في إيراده الخيل ساقياً

كتائب ما انفكّت تجوس عُمائِرَ

من الأرض قد جست إليها فيافياً

غزوت بها دور الملوك فباشرت

سنابكها هاماتهم والمغانيا

وأنت الذي تغشى الأسنة أولاً

وتأنف أن تغشى الأسنة ثانياً

إذا الهند سوت بين سيفين كريهتين

فسيفك في كفٍ تزيل التساويا

ومن قول سامٍ لو رآك لنَسله

فدى ابن أخي نسلي ونفسي وماليا

مدىً بلّغ الأستاذ أقصاه ربه

ونفسٌ له لم ترضَ إلا التناهيا

دعته فلَبّاها إلى المجد والعلا

وقد خالف الناس النفوس الدواعيا

فأصبح فوق العالمين يرونه

وإن كان يدنيه التكريم نائيا

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

مدح أبو الطيب سيف الدولة في القصيدة التالية:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ

وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

وتعظم في عين الصغير صغارُها

وتصغر في عين العظيم العظائمُ

يكلف سيف الدولة الجيش همَهُ

وقد عجزت عنه الجيوش الخضارمُ

ويطلب عند الناس ما عند نفسه

وذلك ما لا تدعيه الضراغمُ

يفدي أتم الطير عمراً سلاحه

نسور الفلا أحداثها والقشاعمُ

وما ضرها خلق بغري مَخالبٍ

وقد خلقت أسيافه والقوائمُ

هل الحدث الحمراء تعرف لونها

وتعلم أي الساقيين الغمائمُ

سقتها الغمام الغُر قبل نزوله

فلما دنا منها سقتها الجماجمُ

بناها فأعلى والقنا يقرع القنا

وموج المنيا حولها متلاطمُ

وكان بها مثل الجنون فأصبحت

ومن جثث القتلى عليها تمائمُ

طريدة دهْرٍ ساقها فرددتها

على الدين بالخطي والدهر راغمُ

تفيت الليالي كل شيء أخذته

وهن لما يأخذن منك غوارمُ

إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً

مضى قبل أن تلقي عليه الجوازمُ

وكيف ترجى الروم والروس هدمها

وذا الطعن أساسٌ لها ودعائمُ

وقد حاكمُوها والمنيا حواكمٌ

فما مات مظلومٌ ولا عاش ظالمُ

أتواكَ يجرّون الحديد كأنهم

سرَوا بجِيَادٍ ما لَهُن قَوَائِمُ

إذا برقوا لم تُعْرَفِ البيضُ منهمُ

ثيابهم من مثلها والعمائمُ

خميسٌ بشرق الأرض والغرب زحفهُ

وفي أذن الجوزاء منه زمازيمُ

تجمع فيه كل لسن وأمّةٍ

فما يفهم الحداث إلا الترَاجمُ

فلله وقتٌ ذوب الغش نارُهُ

فلَم يبقَ إلا صارمٌ أو ضبارمُ

تقطع ما لا يقطع الدرع والقنا

وفرّ من الفُرسان من لا يصادمُ

وقفت وما في الموت شكٌ لواقفٍ

كأنك في جفن الردى وهو نائمُ

تمرّ بك الأبطال كَلْمَى هزيمةً

ووجهُكَ وضاحٌ وثغرك باسِمُ

تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى

إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالمُ

ضمت جناحيهم على القلب ضمّةً

تموت الخوافى تحتها والقوادِمُ

بضرب أتَى الهامات والنصر غائبٌ

وصار إلى اللبات والنصر قادمُ

حقّرتُ الردينيّات حتى طرحتها

وحتى كأن السيف للرّمح شاتمُ

في الخد أن عزم الخليط رحيلا

مدح أبو الطيب بدر بن عمّار في القصيدة التالية:

في الخَدّ أنْ عَزَمَ الخَليطُ رَحيلا

مَطَرٌ تَزيدُ بهِ الخُدودُ مُحُولا

يا نظرةً نفَتِ الرقاد وغادَرَتْ

في حدّ قلبي ما حييتُ فُلُولا

كانت من الكحلاء سؤلي إنما

أجلي تمثل في فؤادي سُولا

أجد الجفاء على سواك مروءةً

والصبر إلاّ في نواك جميلا

وأرى تدللّكِ الكثير مُحَبَّباً

وأرى قليل تدللٍ مملولاً

حدقُ الحسانِ من الغواني هِجنَ لي

يوم الفراق صبابةً وغليلا

حدقٌ يذمّ من القاتلين غيرَها

بدرُ بنُ عمارِ بنِ إسماعيلًا

ألفارِجُ الكُرَبَ العظامَ بمثلِها

والتارِكُ الملكَ العزيزَ ذليلا

محكٌّ إذا مطَلَ الغريمُ بدَيْنهِ

جعلَ الحُسامَ بما أراد كفيلا

نَطقٌ إذا حطّ الكلامُ لثامهُ

أعطى بمنطقه القلوبَ عُقُولا

أعدى الزمانَ سَخاؤهُ فَسَخا بهِ

ولقد يكون بذلك الزمانُ بَخيلا

وكأن بَرقًا في متون غمامةٍ

هنديوّهُ في كفّهِ مسلُولا

ومحلُّ قائِمِهِ يسيلُ مَواهِبًا

لو كنّ سيلًا ما وجدْنَ مسيلا

رَقّت مَضارِبُهُ فهنّ كأنمَا

يُبدين مِن عشق الرّقاب نُحُولا

أمعفّرَ اللّيثِ الهزبرِ بسوطهِ

لمن ادّخرْتَ الصّارِمَ المَصْقُولا

وقعتْ على الأُردُنّ منهُ بَليّةٌ

نُضِدَتْ بها هامُ الرّفاق تُلولًا

وردٌ إذا وردَ البحيرةَ شارِبًا

وردَ الفراتَ زئيرُهُ والنّيلا

متخضّبٌ بدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ

في غيلِهِ مِن لبدتيهِ غيلا

ما قُوبِلَتْ عَيْناهُ إلاّ ظُنَّتا

تحتَ الدجى نارَ الفريقِ حُلولا

في وحدة الرهبانِ إلاّ أنّهُ

لا يعرفُ التحريمَ والتّحليلا

يَطَأُ الثّرَى مترفقاً مِن تِيهِهِ

فكأنّهُ آسٌ يَجُسّ عليلا

ويَردّ عُفْرَتَه إلى يَأفُوخِهِ

حتى تصيرَ لرأسهِ إكليلا

وتظنّهُ ممّا يُزَمْجِرُ نَفْسُهُ

عَنْها لشِدّة غيظِهِ مشغولاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top