تعبير الرثاء للموتى يُستخدم للتعبير عن الذكريات الطيبة والتوجه نحو الدعاء للمتوفى بالرحمة والمغفرة، حيث نرجو من الله أن يكون موقعهم في الجنة رفيعًا.
يعد الرثاء أحد الأشكال الأدبية في الشعر العربي، ويُعتبر وسيلة للبكاء على الفقيد من خلال تقديم مدح له وتذكير بمزاياه الحميدة.
قصائد رثاء للموتى
الرثاء يعتبر من الأدب الراقي الذي يعكس قيم التقدير والاحترام تجاه الميت، حيث يتم تأليفه لتخليد ذكره. وقد أشار حسان بن ثابت عقب وفاة سعد بن معاذ في إحدى قصائده:
لقد سجمت من دمع عيني عبرة… وحُق لعيني أن تفيض على سعد
قتيل ثوى في معرك فجعت به… عيون ذواري الدمع دائمـة الوجد
على ملّة الرحمن وارث جنةٍ… مع الشهداء وفـدها أكـرم الوفـد
فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد… كريم وأثواب المكارم والحـمد
بحكمك في حيّي قريظة بالذي… قضى الله فيهم ما قضيت على عمد
قصائد رثاء للموتى من نزار قباني
كتب الشاعر المعروف نزار قباني قصيدة مؤثرة يرثي فيها زوجته بلقيس الراوي التي فقدها في تفجيرات السفارة العراقية. قال فيها:
شُكرًا لكم شُكرًا لكم
فحبيبتي قُتِلَت، وصار بوُسْعِكُم أنْ تشربوا كأسًا على قبر الشهيدةْ
وقصيدتي اغتيلت..
وهَلْ من أُمَّةٍ في الأرضِ.. – إلاَّ نحنُ – تغتالُ القصيدة؟
بلقيسُ …
كانت أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابل
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراق
كانتْ إذا تمشي ..
ترافقها طواويسٌ ..
وتتبعها أيائِلْ ..
بلقيسُ .. يا وَجَعِي ..
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمسها الأنامل
هل يا تُرى ..
من بعد شعركِ سوف ترتفعُ السنابل؟
يا نَيْنَوَى الخضراء ..
يا غجريتي الشقراء ..
يا أمواجَ دجلةَ..
تلبسُ في الربيعِ بساقِها
أحلى الخلاخِلْ ..
قتلوكِ يا بلقيسُ ..
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ ..
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ؟
أين السَّمَوْأَلُ؟
والمُهَلْهَلُ؟
والغطاريفُ الأوائل؟
فقبائلٌ أكلتْ قبائل..
وثعالبٌ قتلتْ ثعالب..
وعناكبٌ قتلتْ عناكب..
قسماً بعينيكِ اللتين إليهما..
تأوي ملايينُ الكواكب..
سأقول، يا قَمَرِي، عن العرب العجائب..
فهل البطولة كِذْبَةٌ عربيةٌ؟
أم مثلنا التاريخ كاذب؟
بلقيسُ
لا تتغيبي عنّي
فإن الشمس بعدكِ
لا تُضيءُ على السواحل..
سأقول في التحقيق:
إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل
وأقول في التحقيق:
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول..
وأقول:
إن حكاية الإشعاع، أسخف نكتةٍ قيلت..
فنحن قبيلة بين القبائل..
هذا هو التاريخ.. يا بلقيس..
كيف يُفَرِّقُ الإنسان..
ما بين الحدائقِ والمزابل؟
بلقيسُ ..
أيَّتها الشهيدةُ .. والقصيدةُ ..
والمطهرةُ النقية..
سبأٌ تفتشُ عن مليكتها
فرددي للجماهير التحية..
يا أعظمَ الملِكات..
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السومرية..
بلقيسُ ..
قصائد رثاء مؤلمة للموتى
الرثاء لا يقتصر على الإنسان، بل قد يُطلق أيضاً على الحيوانات أو المدن أو أي شيء آخر فقده الشخص مما سبب له الألم. وعلى الرغم من أن الموت حقيقة يدركها الجميع، إلا أن خُسارته تمس قلوبنا بشدة، ومن بين الأبيات المؤلمة التي تصلح مثالًا:
فكم مدائن في الآفاق قد بُنيت
أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
لا تركننّ إلى الدنيا وما فيها
فالموت لا شكّ يفنينا ويفنيها
لكل نفس وإن كانت على وجل
من المنيّة آمال تقوّيها
المرء يبسطها والدهر يقبضها
والنفس تنشرها والموت يطويها
إنما المكارم أخلاق مطهّرة
الدين أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها
والجود خامسها والفضل سادسها
والبرّ سابعها والشكر ثامنها
والصبر تاسعها واللين باقيها
والنفس تعلم أنّي لا أصادقها
ولست أرشد إلا حين أعصيها
واعمل لدار غداً رضوان خازنها
والجار أحمد والرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها
والزعفران حشيش نابت فيها
أنهارها لبن محمض ومن عسل
والخمر يجري رحيقاً في مجاريها
والطير تجري على الأغصان عاكفةً
تسبحُ الله جهراً في مغانيها
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها
بركعة في ظلام الليل يحييها.
قصائد رثاء للأب المتوفي
كتب الشاعر محمود درويش بعض الأشعار الحزينة التي تخلد ذكرى الأب، ومن أبرزها تلك القصيدة التي تحمل عنوان “أبي” حيث قال:
غضّ طرفا عن القمر
وانحنى يحضن التراب
وصلّى..
لسماء بلا مطر،
ونهاني عن السفر!
أشعل البرق أودية
كان فيها أبي
يربي الحجارة
من قديم.. ويخلق الأشجار
جلده يندف الندى
يده تورق الشجر
فبكى الأفق أغنية:
_ كان أوديس فارسا..
كان في البيت أرغفه
ونبيذ، وأغطية
وخيول، وأحذية
وأبي قال مرة
حين صلى على حجر:
غض طرقا عن القمر
واحذر البحر.. و السفر!
يوم كان الإله يجلد عبده
قلت: يا ناس! نكفر؟
فروى لي أبي.. وطأطأ زنده:
في حوار مع العذاب
كان أيوب يشكر
خالق الدود.. والسحاب
خلق الجرح لي أنا
لا لميت.. ولا صنم
فدح الجرح والألم
وأعني على الندم!
مرّ في الأفق كوكب
نازلا.. نازلا
وكان قميصي
بين نار، وبين ريح
وعيوني تفكر
برسوم على التراب
وأبي قال مرة:
الذي ما له وطن
ما له في الثرى ضريح
ونهاني عن السفر ..
قصائد رثاء للوالدين
كتب الشاعر العظيم أحمد شوقي أبيات رثاء مخصصة للوالدين، والتي تثير مشاعر الأسى والحزن، ومن ضمنها:
سألوني لِمَ لمْ أرْثِ أبــي؟…..ورثـــاءُ الأبوينِ دينٌ أيُّ دين
أيهــا اللـــوّامُ, مــا أظــمكم……أين العقــلُ الذي يُسعدُ أين؟
يا أبي مـا أنتَ فــي ذا أولٌ…..كلُ نفسٍ للمنايا فرضُ عينْ
هـلكـت قبــلـك ناسٌ وقرى……ونعى الناعون خيـرَ الثقلين
غاية المرءِوان طـــــالَ المدى…..آخــذٌ يـاخــذه الاصـغـريــنْ
وطبيبٌ يـتــولـــى عـاجـــزا…….نافضــاً مـن طبِّهِ خفـيْ حنين
إن للمــوتِ يـداً إن ضربَتْ……أوشكتْ تصْدعُ شملَ الفرقدينْ
تنفذ الجــوَّ علــى عقبـانـــهِ……وتــلاقـي الليثَ بيــن الجبلين
وتحـطُ الـفـــرخَ مـن أيـكـتِـهِ……وتـنــال الببَّغا فـــــي المئتين
أنا من مـاتَ, ومن مــــاتَ أنا…….لـقـي المـوتَ كـلانـا مـرتين
نـحـنُ كنـا مـهجـةً فـي بدنٍ……..ثم صـرنا مـهـجةً فــي بدنين
ثـم عُـدنـا مـهجـةً فـي بــدنٍ…….ثم نُـلـقـى جـثـةً فــــي كفنين
ثـم نحـيا فــي علـيٍّ بـعـدنـا…….وبـهِ نـبـعـثُ أولــى الـبَعْثيَيْنْ
أنظر الكونَ وقلْ في وصــفهِ…….قل هما الرحمةُ في مرْحَمتينْ
فــقـدا الـجنـةَ فــي ايجادنــا…….ونـعـمْـنا مـنـهما فـي جنتينْ
وهـما العـــذرُ إذا ما أُغْضِـبا……..وهمـا الصفـحُ لنا مُسْتَرْضَيَينْ
ليت شعري أيُّ حيٍّ لمْ يَدن……..بـالـذي دنــا بـهِ مُـبْـتَـدئـيـنْ؟
مــا أبـــي الا أخٌ فـــــارقْـتُهُ………وأمــاتَ الـرُّسلَ الا الوالدين
طـالـمـا قـمنـا إلى مـائـدةٍ………كانتِ الكِسْـرةُ فيـها كِسْـرتين
وشـربـنـا مـن أنـــــــاء واحدٍ……..وغســلنا بعـدُ فـي ذا الـيـدينْ
وتمشــينا يــدي فــي يـــده……..مـن رآنــا قـــالَ عــنا أخوين
نظــرَ الـدهــرُ الينــا نظرةً………ســوَّتَ الشــرَّ فكانت نظرتين
يا أبي والمــوتُ كأسٌ مرةٌ……..لا تــذوقُ النفــس منـهـا مرتين