قصائد الشاعر أبي القاسم الشابي

نشيد الجبار

سَأستمرُّ في العيش رغماً عن الداء والأعداء،

كالنسر الذي يحلق عالياً فوق القمة الشمّاء.

أرتفع بنظري إلى الشمس اللامعة مستهزئاً،

وسط السحب والأمطار والأنواء.

لا أنظر إلى الظل الكئيب، ولا أرى،

ما في عمق الهوة السوداء.

وأمضي في عالم المشاعر حالماً،

مغرداً – وهذه سعادة الشعراء.

أصغي لموسيقى الحياة ووحّيها،

وأذيب روح الكون في إنشائي.

وأصغى للصوت الإلهي الذي،

يحيي بقلبي ما مات من الأصوات.

وأقول للقَدَر الذي لا يلين،

عن حرب آمالي بكل بلاء.

لا يطفئ اللهب المشتعل في دمي،

موج الحزن، وعواصف الأرزاء.

فاهدم فؤادي ما استطعت، فسيبقى،

مثل الصخرة الصماء.

لا يعرف الشكوى الذليلة أو البكاء،

ولا تنازلات الأطفال والضعفاء.

ويعيش جبّاراً، يحدق دائماً،

بالفجر.. بالفجر الجميل البعيد.

املأ طريقي بالمخاوف والظلام،

وزوابع الشوك والحصى.

وانشر عليه الرعب، وانثُر فوقه،

رجم الردى وصواعق البأساء.

سأظل أمشي رغم ذلك، عازفاً،

قيثارتي، مترنماً بغنائي.

أمشي بروح حالمة، متوهجة،

بين آلام وأمراض الظلام.

النور في قلبي وبين جوانحي،

فلم أعد أخشى السير في الظلمة.

أنا نايٌ لا تنتهي أنغامه،

ما دام في الأحياء.

وأنا المدى الواسع، لا تزيده،

إلا حياة سطوة الأنواء.

أما إذا خمدت حياتي، وانقضى،

عمري، وأخرست المنية نائي،

وخبا لهب الكون في قلبي الذي،

قد عاش مثل الشعلات الحمراء.

فأنا السعيد لأنني متحول،

عَنْ عالم الآثام والبغضاء.

لأذوب في فجر الجمال السرمدي،

وأرتوي من منهل الأضواء.

وأقول للجمع الذين تجرؤوا،

هَدْمي وودوا لو ينهار بنائي.

ورأوا على الأشواك ظلي هامداً،

فتخيّلوا أنني قد قضيت ذمائي.

وغدوا يشبّون اللهيب بكل ما،

وجدوا، ليشوى فوقه أشلائي.

ومضوا يمدّون الخوان ليأكلوا،

لحمي، ويرتشفوا عليه دمي.

إنّي أقول لهم ووجهي مشرق،

وعلى شِفاهي بسمة استهزاء:

إن المعاول لا تَهدم مَناكبي،

والنار لا تأتي على أعضائي.

فارموا إلى النار الحشائش والعبوا،

يا معشر الأطفال تحت سمائي.

وإذا تمرّدت العواصف، وانتشى،

بقوة قلب القبة الزرقاء.

ورأيتموني طائراً، مترنماً،

فوق الزوابع، في الفضاء البعيد.

فارموا على ظلي الحجارة، واختفوا،

خوف الرياح الهوج والأهواء.

وهناك في أمن البيوت، تَطارحوا،

أحاديث العزلة وميّت الآراء.

وتردّدوا بما شئتم بشتائمي،

وتجاهَروا بما شئتم بعدائي.

أما أنا فأجيبكم من فوقكم،

والشمس والشفق الجميل إزائي.

مَن جاشت بمشاعر الوحي الإلهية،

لم يحتفل بفداحة الأعباء.

ألا أيها الظالم المستبد

ألا أيها الظالم المستبد،

حبيب الظلام، عدو الحياة.

سخرت بأنات شعب ضعيف،

وكفك مخضوبة من دمائه.

وسرت مشوّها سحر الوجود،

وتبذر شوك الأسى في رُباه.

رويدك! لا يخدعنّك الربيع،

وصحو الفضاء، وضوء الصباح.

ففي الأفق الرحب هناك هول الظلام،

وقصف الرعود، وعصف الرياح.

حذار! فتحت الرماد اللهيب،

ومَن يبذر الشوك يجني الجراح.

تأمل! هنالك أنّى حصدت،

رؤوس الورى، وزهور الأمل.

ورويت بالدم قلب التراب،

وأشربته الدمع حتى ثمل.

سيجرفك السيل، سيل الدماء،

ويأكلك العاصف المشتعل.

أيها الحب أنت سر بلايي

أيها الحب أنت سر بلايي،

وهمومي، ورعبي، وعنائي.

ونحولي، وأدمعي، وعذابي،

وسقامي، ولوعتي، وشقائي.

أيها الحب أنت سر وُجودي،

وحياتي، وعزتي، وإبائي.

وشعاعي ما بين دياجير دهري،

وأليفي، وقُرّتي، ورجائي.

يا سلاف الفؤاد! يا سمّ نفسي،

في حياتي، يا شدتي! يا رخائي!

ألهيبٌ يثور في روضة النفس، فيـ

ـ‍‍‍‍‌الطغى، أم أنت نور السماء؟

أيها الحب، قد جرعت بك الحزن،

كؤوساً، وما اقتنصت ابْتغائي.

فبمقتضى الجمال، يا أيّها الحب!،

حنّانَيْك بي! وهوّن بلائي.

ليت شعري! يا أيها الحب، قل لي:

مِن ظلام خُلِقَتَ، أم من ضياء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top