قصيدة دموع القلم
تحدث عبد الرحمن العشماوي في قصيدته:
تجمع الجراح على قلمي،
فما يدري بماذا يُعبر عن أحزانه.
كأن هناك دواراً يتواجد في رأس ريشته،
وأنين مؤلم يُصدح من بين طياته.
عندما أمسكه لأخط حرفاً،
تتلعثم كلماته رغم فصاحته.
أداعبه بألحان القوافي،
فأشعر وكأنه يتجاهلني.
على قلبي حملٌ من الأعباء،
وفي أعماقه حزنٌ يتأوه.
يثور موجٌ من أنيني،
وتعصف بالزوارق ريحٌ شديدة.
تؤجج ألم قلبي بحبره،
فظاهر القلم كباطنه يفوح.
وكم حاولت أن أثير أساي عنه،
لكنني لم أستطع، والجروح لم تندمل.
كأن الحبر في قلمي دموعٌ،
تسيل على وجنات أوراقي.
قصيدة حينما يأتي المساء
يقول عبده صالح:
عندما يأتي المساء طويلاً،
كأجواء المساء.
حينما تغزو الشوارع،
ترانيم الشتاء.
وتصبح المدينة بلا ملامح،
في ذلك الحين،
أتذكر جميع القصص القديمة،
والذكريات البعيدة.
كل ما عانيته من الماضي،
وجرحٌ قديم يُسيطر عليّ،
أشعر بكل آلامه الآن.
أصوات غريبة تحاصرني،
تلاحقني في كل مكان،
أسترجع الذكريات، وأستذكر نفسي.
فأغوص في أحلام بعيدة جداً،
فتستفزني رائحة الأرض المبللة،
ورائحة الأرصفة المهملة.
حينما يأتي المساء،
أنظر إلى العيون الذابلة،
وأرى الوجوه الحزينة،
وكل المشاعر الاصطناعية.
أرى الطرق مقطوعة،
وأشعر بتفكك فكري،
وطريقٍ جارح مصيري.
أراكِ قريبة،
وبعيدة جداً،
وجميلة كما النجم في كبد السماء،
عندما يأتي المساء.
قصيدة لم يكن لي عرش يُثلم عرشي
يقول أبو العلاء المعري:
لم يكن لي عرش يُثلم عرشي،
كم من جراح تحملتها في زمنٍ مضى.
مقنعي في الحياة هو سترٌ ودفاع،
من لباس راقٍ يُريح العيون.
قد شربت المياه من الخزف،
وأغني عن محكماتٍ في الشدائد،
وغنيت في الأمور فنبأتني،
قدمي عن ركوب الشدائد.
أما دفرٍ، فقد هوّيتك كثيراً،
أي ضرر تركتِه من غير حرج؟
خففي الهمز في مختلف الأمور،
واحمليني على قراءة ورش.
قصيدة ظللت بحزن إن بدا البرق غدوة
يقول ابن المعتز:
ظللتُ بحزنٍ إن بدا البرق غدوة،
كما يرفع النار بصيرة قابس.
إذا استعجلته الريح، حلت نطاقه،
وهاجت له الأجواء الساخنة.
وضحك كما نشرت بكفي طُرّةً،
من البرد أقامت جروحٌ.
وشق أعراف السحاب لمعةٌ،
كما انصدعت بمنقذٍ في الفقانات.
لم يزل حتى النبت يرفع نفسه،
بهموم الروابي والعروق في الأرض.
مضى العجب عن كل شيء رأيته،
وبيّنت لعيوني الأمور اللائبة.
وإني رأيتُ الدهر في كل ساعة،
يسير بنفس الإنسان والإنسان جالس.
وتعتاد الآمال حتى تحط به،
إلى تربةٍ فيها لهم فرائس.
وأصدع شكّي باليقين، وإني،
لنفسي على بعض المساءات حابس.
قصيدة ما أضيع الصبر في جرح أداريه
يقول إبراهيم ناجي:
ما أضيع الصبر في جرح أداريه،
أريد أن أنسى الذي لا شيء يُنسيني.
وما مجانبتي من عاش في بصري،
فأينما التفتُّ، تلاقيه.
قصيدة ثورة من الداخل
يقول قاسم حداد:
ويا أماه،
أين حنانك المعطر،
أين يداكِ اللتان تنشغلان بالتجديف في شعري؟
وكيف نسيت صوت فتاتك المحتار،
همس الشوق يا أمي كهمس النار
في صدري.
ويا أماه، كيف أعيش في قبر بلا أبواب،
كالمنفى في موت بلا سرداب؟
ظلام في عيون الشمس،
ظلام في جبين الأمس.
وتغطيته بتعتيم في جروح الدهر،
وأبقى وحدة حمقاء تسقيني بكأس عذاب.
المحفور فوق الصدر بما يُعاقب،
وذاك كأوراق على بركان،
يثور الحب في قلبي من الداخل.
ويهتز الصدى في صدري يا أمي،
بلا حساب.
وأشعر نشوة الإنسان،
حين يعيش،
حين يثور،
حين الرعشة الأولى.
أحس حقيقة الإنسان.
يا أماه،
شعورٌ في شراييني كدفق دماي،
أحس به يُحييني،
أشعر أنه معناي.
فليس لثورتي حدود، إذا انفجرت،
فأين يداكِ تحرسني، وعيناكِ لتحميني؟
لقد جاء الذي ما جاء لولاه انطلاق هواي،
وماتت (البخنق) الملعونة في صدري،
كموتٍ يحدث.
أيا أمي، أريد حياة،
سئمتُ تحجر الكلمات فوق جدارنا الصخري،
سئمتُ الموت يتسلل عبر حياتنا.
أريد حياتي الكبرى، يا أمي، بلا سجان،
بلا قبرٍ تكتنفه الجدران.
بلا سور يحجز حقيقة الإنسان،
أريد الحلم، أصنعه بلا قضبان،
أريد الحب، أشعره كما الإنسان.
أنا إنسانٌ يا أمي،
أنا إنسان.
يا أمي،
يصيح بكائي المتعب،
حنين الشوق يسكب أنهر الأحزان،
ويكسر خاطري المكسور، شوق الحب.
أتوق إليه،
أتوق لعالمي الموعود،
أبغي كسر هذا الطوق،
أحن لفوق،
حيث يداه تُخرجاني إلى سقف الحب.
ألقاه،
ونحيا الحب دون حدود.
ثار الحب في قلبي من الداخل،
يا أماه…
في قلبي من الداخل.
قصيدة جسد ناحل وقلب جريح
يقول بلبل الغرام الحاجري:
جسد ناحل وقلب جريح،
ودموع على الخدود تسيل،
وحبيبٌ مُر التجني، لكن،
كل ما يفعله الجميل جميل.
يا خلي القلب قد ملا الوجع،
فؤادي وتبرح التبريح.
اجعل وصلَك مرفأً، أو اتركه،
فيه موتي، لعلي أستريح.
كيف أصحو هوى وطرفك كاسٌ،
بابليةٌ يطيب منها الصبوح.
أنت قلبي في المكانة، قلب،
ولروحي على الحقيقة روح.
بخضوعي، والوصل منك عزيز،
وانكساري، والطرف منك صحيح.
ارحميني من لواعج وغرام،
أنا منه ميت، وأنت المسيح.
قد كتمت الهوى بجُهدي، وإن دا،
ما عليّ الغرام سوف أُبوح.
يا غزال له الحشائش مرعى،
لا خزامى بالرُقمتين وشيح.
أنت قَصدي من الغُوَير ونجد،
حين أكون مسائلاً وأروح.
قصيدة يا رامياً قلباً جريح
يقول أبو الفيض الكتاني:
يا رامياً قلباً جريح،
مهلاً، ألمس في الجمال،
إن لم يكن وصل صحيح،
رضا المتيم بالصدود?
أمنن على سمعي، يا حسن،
إن عز وصلك يا حسن.
فأنا المتيم بالفتن،
بين المناهل والورود،
ملك تفرد بالدلال،
أبلى الفؤاد وما وصل.
مهلا عليّ، أنا غزال،
حي المراسم والعهود،
ما في الفؤاد سواك،
وأنا قتيل سواك.
فأرسل إليّ أراكم،
كي تنجلي تلك السعود.
تفنى الدهور وما هوى،
مني الفؤاد سوى الهوى،
مني له ذل غوى.
ليت الصدود له حدود،
طعم الهوى مر وال،
كلما وصلت حلا،
تسقي المتيم بالسلاذ.
إنها تنسي العقود،
يا ما أميلحة غزال.
يفني المتيم بالدلال،
منه التجني والتبال،
ليت الصدود له حدود،
على أنني صب رقيق،
لآلامي تسقي الرحيق،
لجمالها وجدي شقيف،
ليت الوصال غداً يعود.