قصائد مميزة لنزار قباني

قصيدة اختاري

لقد اخترتك، فتفضلي بالاختيار

ما بينَ الموت الذي يعيق صدري

أو الموت المدوَّن فوق ورق أشعاري

اختاري الحب أو اللامَحب

فإن التردد في اتخاذ القرار هو بؤسٌ كبير

لا توجد منطقة وسطى

بين الجنة والنار

اِرمِ أوراقكِ بمطلقها..

وسأكون راضيًا عن أيّ خيارٍ تتخذينه

قولي. انطلقي، انفجري

لا تتوقفي كالمسمار

لا يمكنني أن أبقى أبدًا

كالقشة تحت الأمطار

اختاري مصيركِ بين خيارين

فما أشد قسوة مصيري..

أنتِ مُرهقةٌ وخائفة

وطريق مشواري طويلٌ جداً

اغوصي في أعماق البحر أو ابتعدي

فلن تجدِي بحرًا بدون دوار

الحب هو تحدٍ كبير

إبحار ضد التيار

ألمُ ومعاناة ودموع

ورحيلٌ بين الكواكب

يسحقني جبنُكِ، أيتها المرأة

التي تلهو وراء الستار

إنني لا أؤمن بحبٍ

لا يحمل شغف الثوار

لا يهدم كل الأسوار

لا يضرب كالإعصار

آهٍ.. لو أن حبكِ يبتلعني

يقتلعني كالإعصار

إنني اخترتكِ، فتفضلي بالاختيار

بين الموت الذي يثقل صدري

أو دفتري المليء بالشعر

فلا توجد منطقة وسطى

بين الجنة والنار

من قصيدة ساعي البريد

أغلى العطور أريدها

وزاهية الثياب

فإذا أتتني رسالتها

بعد الفراق

وقد طويتُ في صدري الخطاب

أقمتُ في ذهني الآمال

وأمرت بأن يُسقَى المساء

معي الشراب

وهبتُ لليل النجوم

بلا حساب, بلا حساب

أنا عند شباكي الذي

يمتص شرايين الغياب

وشجيرة النارنج

ذابلة

مُضَيَّعة لشبابها

وموزع الأشواق

يترك فرحة في كل باب

خطواته

في شوارعنا

حديثٌ شهي

وحقيبة الآمال

تعبق بالتحارير الرطبة

هذا غلافي القرمزي

يكاد يتوهج

وأكاد ألتهم النقاب الفستقي

ولا أي نقاب

أنا قبل أن كان الجواب

طيبان لي. طيب الحروف

وطيب كاتبة الكتاب

أطفو على الحرف الذي صلى على يدها وتاب

خطٌ

من الضوء النقي

فكل فاصلة شهاب

هذا غلافي لا أشك

يرفُّ بجروح العتاب

عنوان منزلنا المحاط بالسحاب

عنواننا..

عند النجوم الحافية

على الهضاب

قصيدة رسالة تحت الماء

إن كنتَ صديقي، ساعدني

لكي أرحل عنك

أو إن كنتَ حبيبي، ساعدني

لكي أشفى منك

لو كنتُ أعلم أن الحب خطير للغاية

ما أحببتُ

لو كنتُ أعلم أن البحر عميق جداً

ما أبحرتُ

لو كنتُ أعلم خاتمتي

ما بدأتُ

اشتقتُ إليكَ فأعلمني

كيف أفتقدك دون أن أشتاق

علمني

كيف أقصّ جذور هواك من الأعماق

علمني

كيف تموتُ الدموع في الأحداق

علمني

كيف يموت القلب وتنتحر الأشواق

إن كنت نبياً، خلصني

من هذا السحر

من هذا الكفر

حبك كالكفر، فطهرني

من هذا الكفر

إن كنتَ قويًا، أخرجني

من هذا اليمّ

فأنا لا أعلم فن العوم

الموج الأزرق في عينيك يجرني نحو الأعماق

وليس لدي تجربة

في الحب، ولا زورق

إن كنت أعز عليك، فخذ بيدي

فأنا عاشقة من رأسي حتى قدميّ

إني أتنفس تحت الماء

إنني أغرق

أغرق

أغرق

قصيدة سبتمبر

الشعر يأتي دائمًا

مع المطر

ووجهك الجميل يأتي دائمًا

مع المطر

والحب لا يبدأ إلا عندما

تبدأ موسيقى المطر

إذا أتى سبتمبر، يا حبيبتي

أسأل عن عينيك كل غيمة

كأن حبي لك

مرتبط بتوقيت المطر

مشاهد الخريف تستفزني

شحوبك الجميل يستفزني

وكنزة الكشمير

والمظلة الصفراء والخضراء تستفزني

جريدة الصباح

مثل امرأة كثيرة الكلام تستفزني

رائحة القهوة فوق الورق اليابس

تستفزني..

فما الذي أفعله؟

بين اشتعال البرق في أصابعي

وبين أقوال المسيح المنتظر

ينتابني في أول الخريف

إحساس غريب بالأمان والخطر

أخاف أن تقتربي

أخاف أن تبتعدي

أخشى على حضارة الرخام من أظافري

وأخشى على منمنمات الصدف من مشاعري

أخاف أن يجرفني موج القضاء والقدر

هل شهر سبتمبر هو الذي يكتبني؟

أم أن من يكتبني هو المطر؟؟

أنت جنون شتوي نادر

يا ليتني أعرف، يا سيدتي

علاقة الجنون بالمطر!!

سيدتي

التي تمر كالدهشة في أرض البشر

حاملةً في يدها قصيدة

وفي اليد الأخرى قمر

يا امرأة أحبها

تفجر الشعر إذا داست على أي حجر

يا امرأة تحمل في شحوبها

جميع أحزان الشجر

ما أجمل المنفى إذا كنا معًا

يا امرأة تلخص تاريخي

وتاريخ المطر!!

من قصيدة خمس رسائل إلى أمي

صباح الخير، يا حلوة

صباح الخير، يا قديستي الحلوة

مضى عامان على الولد الذي أبحر

برحلة أسطورية

خبأ في حقائبه

صباح بلاده الأخضر

وأنجمها، وأنهارها، وكل شقيقها الأحمر

وخبأ في ملابسه

طرابين من النعناع والزعتر

وليلكة دمشقية..

أنا وحدي

دخان سجائري يضجر

ومقعدي يضجر

وأحزاني كالعصافير

تفتش عن بيدر

عرفت نساء أوروبا

عرفت عواطف الإسمنت والخشب

عرفت حضارة التعب

وطفتُ الهند والسند والعالم الأصفر

ولم أعثر

على امرأة تمشط شعري الأشقر

وتحمل في حقيبتها

إلي عرائس السكر

و تكسوني إذا أعرى

وتنشيني إذا أعثر

أيا أمي

أيا أمي

أنا الولد الذي أبحر

ولا زالت بخاطره

تعيش عروسة السكر

فكيف غدوت أبًا

ولم أكبر؟

صباح الخير من مدريد

ما أخبارها الفلّة؟

بها أوصيكِ يا أمي

تلك الطفلة، فقد كانت أحب حبيبة لأبي

يدللها كطفلته

ويدعوها إلى فنجان قهوته

ويسقيها

ويطعمها

ويغمرها برحمته

ومات أبي

ولا زالت تعيش بحلم عودته

وتبحث عنه في أرجاء غرفته

وتسأل عن عباءته

وتسأل عن جريدته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top