قصائد نزار قباني المعبرة عن الحب

قصيدة شيزوفرينيا

بينك وبيني علاقة حب معقدة، لا أفكر في مقاومتها أو التظاهر بعدم وجودها. فالحب الكبير دائماً ما يكون صعباً، وليس صحيحاً أنه يأتي لنا على عربة تجرها الملائكة. ولا صحيح أننا نجده مختبئاً كالقمر تحت شراشفنا أو كشامة زرقاء تحت خاصرتنا اليسرى. وهنالك كلام لم يتعلم بعد كل الكلام، وذهب وبهار هندي. بيني وبينك، كهنة وعرافون، وفناجين قهوة لم تُفتح بعد، وعلامات حب قادم تشبه علامات يوم القيامة. هناك نبوءات عن أنهار ستفيض وكنوز ستتوهج وأطفال سيذهبون كل صباح إلى مدرسة البنفسج.

بيني وبينكِ طقس رمادي يميل إلى المطر، أتوق إليكِ تحت المطر وبعده، أعشاب البراري. بيني وبينكِ حالة من الشعر لم أكتبها بعد، وحالة من النبوة لم أبشر بها الناس بعد، وحالة من الانخلاع تجعلني سيد الدراويش. هناك أسئلة لا أريد لها أن تُجاب، وتناقضات جميلة ليس من مصلحة الحب أن تنتهي، وخصومات طفولية ليس من مصلحة الشعر أن تُحل. عادات صغيرة تتسلق على رفوف الكتب وورق الجدران وتتراكم مع البن في فناجين القهوة.

بيننا فضيحة غير معلنة وزلازل مجهولة التوقيت، وجريمة عشق قابلة للتنفيذ في أي لحظة. بيني وبينك شوارع نصف مضيئة وقطارات ليلية أسمع صفيرها دون أن أراها، وأهذي في نومي. هناك بلاد تعاني من العطش، ومُنحرفون شعرياً وجنسياً يرفضون أنوثتك كما يرفضون قصائدي. بيننا طغاة ومخبرون ومراكز قوى، وشركات مساهمة لمكافحة الحب والثورة والكتابة. هناك نساء يبعن أساورهن ويقطعن أيديهن من أجل الشعر، ومجتمع من الصيارفة لا يمكن اختراقه، ومجتمع من البطاركة لا يعترف حتى الآن بشرعية عينيك. فقهاء ومجتهدون ومفسرون قرروا بالإجماع سفك دماء وشطب شعري من مناهج وزارة التربية حتى لا تتكحل به بنات القبيلة.

قصيدة قارئة الفنجان

جلست والخوف في عينيها تتأمل فنجاني المقلوب، وقالت: “يا ولدي، لا تحزن، فالحب عليك هو المكتوب. يا ولدي، قد مات شهيداً من مات على دين المحبوب.” فنجانك دنيا مرعبة، وحياتك أسفار وحروب. ستحب كثيراً يا ولدي، وتموت كثيراً، وستعشق كل نساء الأرض، وترجع كالملك المغلوب. في حياتك يا ولدي، امرأة عيناها، سبحان المعبود، وفمها مرسوم كالعنقود، وضحكتها موسيقى وورود. لكن سماءك ممطرة وطريقك مسدود.

فحبيبة قلبك، يا ولدي، نائمة في قصر مرصود، والقصر كبير وكلاب تحرسه، وجنود. وأميرة قلبك نائمة، ومن يدخل حجرته مفقود، ومن يطلب يدها، ومن يدنو من سور حديقتها مفقود. من حاول فك ضفائرها… يا ولدي، مفقود. بصّرت ونجّمت كثيراً، لكنني لم أقرأ أبداً فنجاناً يشبه فنجانك، لم أكن أعرف أحزاناً تشبه أحزانكم. مقدورك أن تمشي أبداً في الحب على حد الخنجر، وتظل وحيداً كالأصداف، وتظل حزيناً كالصفصاف. مقدورك أن تمضي أبداً في بحر الحب دون قوارب، وتحب ملايين المرات… ثم ترجع كالملك المخلوع.

قصيدة حبيبتي هي القانون

أيتها الأنثى التي في صوتها تمتزج الفضة بالنبيذ والأمطار، ومن مرايا ركبتيها يطلع النهار ويستعد العمر للإبحار. أيتها الأنثى التي يختلط البحر بعينيها مع الزيتون، يا وردة يتوج تاج رأسها. ربما أكون مشاغباً أو فوضوي الفكر أو مجنون. إن كنت مجنوناً، فهذا ممكن، فأنتِ يا سيدتي مسؤولة عن ذلك الجنون. أو كنت ملعونا، وهذا ممكن، فكل من يمارس الحب بلا إجازة في العالم الثالث يا سيدتي ملعون.

سامحيني مرة واحدة إذا خرجت عن حرفية القانون، فما الذي أصنع يا ريحانتي؟ إن كان كل امرأة أحببتها صارت هي القانون.

قصيدة أحبك جداً

أحبك جداً، وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويل، وأعرف أنك ست النساء، وليس لدي بديل. وأعرف أن زمان الحنين انتهى، ومات الكلام الجميل. أنت ست النساء، ماذا نقول؟ أحبك جداً… أحبك جداً. وأعرف أني أعيش بمنفى، وأنت بمنفى، وبينك وبيني ريح وغيم وبرق ورعد وثلج ونار.

أعرف أن الوصول لعينيك وهم، وأعرف أن الوصول إليك انتحار. ويسعدني أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية. ولو خيروني لأن أكرر حبك للمرة الثانية، يا من غزلت قميصك من ورقات الشجر، يا من حميتك بالصبر من قطرات المطر، أحبك جداً.

أعلم أني أسافر في بحر عينيك دون يقين، وأترك عقلي ورائي وأركض، أركض، أركض خلف جنوني. يا امرأة تمسك القلب بين يديها، سألتك بالله لا تتركيني، لا تتركيني، فماذا أكون أنا إذا لم تكوني؟ أحبك جداً، وجداً، وجداً، وأرفض من نار حبك أن أستقيل. وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيل؟ وما همني إن خرجت من الحب حياً، وما همني إن خرجت قتيلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top