الفراق والوداع
يُعرّف الفراق بأنه انفصال بين شخصين أو شيئين بشكل نهائي، مما يثير مشاعر سلبية يتعرض لها الأفراد عند الوداع. بينما يُعتبر الوداع نوعاً من الفراق، ولكن مع وجود أمل في اللقاء مجدداً. وقد عبّر العديد من الشعراء عن مشاعر الفراق في قصائدهم، كان من بينهم جميل بن معمر والشاعر الملك الأمجد وقاسم حداد وعمارة اليمني وأبو فراس الحمداني. في هذا المقال، نستعرض لكم أبرز الأشعار التي تتناول موضوع الفراق والوداع.
أعيذك بالرحمن
جميل بن معمر هو شاعر أموي وُلد في القرن السابع، وعُرِف بلقب “جميل بثينة” بسبب حبه العميق لمحبوبته. توفي في مصر عام 701. تُعتبر قصائد الفراق من بين أجمل ما كتب، ومن أبرزها تلك التي تناولت مأساته عندما زُوّجت محبوبته من شخص آخر:
أَلا نادِ عيراً مِن بُثَينَةَ تَرتَعي
نُودِع عَلى شَحطِ النَوى وَتُوَدِّعِ
وَحُثّوا عَلى جَمعِ الرِكابِ وَقَرِّبوا
جِمالاً وَنوقاً جِلَّةً لَم تَضَعضَعِ
أُعيذُكِ بِالرَحمَنِ مِن عَيشِ شِقوَةٍ
وَأَن تَطمَعي يَوماً إِلى غَيرِ مَطمَعِ
إِذا ما اِبنُ مَلعونٍ تَحَدَّرَ رَشحُهُ
عَلَيكِ فَموتي بَعدَ ذَلِكَ أَو دَعي
مَلِلنَ وَلَم أَملَل وَما كُنتُ سائِماً
لِأَجمالِ سُعدى ما أَنَخنَ بِجَعجَعِ
أَلا قَد أَرى إِلّا بُثَينَةَ هَهُنا
لَنا بَعدَ ذا المُصطافِ وَالمُتَرَبَّعِ
ألم الفراق نفى الرقاد ونفرا
قصيدة للشاعر الملك الأمجد من العصر الأيوبي، الذي عاش في دمشق وتعرض للقتل على يد أحد أفراد مملكته. قدم العديد من الأعمال الأدبية، ويُعتبر من أبرز الشعراء الذين كتبوا عن الفراق، حيث قال:
أَلَمُ الفراقِ نَفَى الرُّقادَ وَنفَّرا
فلذاكَ جَفْنِيَ لا يلائمُه الكرى
جسدٌ يذوبُ مِنَ الحنينِ ومقلةٌ
حكمَ البعادُ وجَوْرُهُ أن تَسْهَرا
يا منزلاً أستافُ رَوْحَ صعيده
فكأننَّي أستافُ مسكاً أذفَرا
وكأنَّني لمّا نشقتُ عبيرَهُ
أودعتُ أسرابَ الخياشمِ عنبرا
جادَ القِطارُ ثرى ربوعِكَ وانثنى
فيها السحابُ كماءِ دمعي مُمطِرا
وأما ودمعٍ كلَّما نهنهتُهُ
جمَحَتْ بوادرُ غربِه فتحدَّرا
اِنّي أُجِلُّ ترابكنَّ بأن يُرى
يوماً بغيرِ ملثهِّنَّ مُغرفَرا
ولقد شكرتُ الطيفَ لما زارني
بعدَ الهُدُوِّ وحَقُّهُ أن يُشكَرا
أسرى اليَّ وقد نحلتُ فوالهوى
لولا الأنينُ لكادَ بي أن يعثرا
ومن البليَّةِ أن صيِّبَ أدمعي
أضحى عنِ السرِّ المصونِ مُعَبَّرا
ومولَّهٍ في الوجدِ حدَّثَ دمعُهُ
بأليمِ ما يلقاهُ فيه وخبَّرا
ما أومضَ البرقُ اليمانِ على الغَضا
اِلاّ تشوَّقَ عهدَهُ وتذكَّرا
واِذا رمى بعدَ الخليطِ بطرفهِ
نحوَ الديارِ رأى الحمى فاستعبرا
يهوى النسيمَ بليلةً أردانُه
عَبِقَ المهبَّةِ بالعبيرِ مُعَطَّرا
يسري إلى قَلِقِ الوسادِ وكلَّما
ذكَر الأحبَّةَ والشبابَ تحسَّرا
قد كانَ في الزمِن الحميدِ هبوبُه
أنَّى تنسَّمَ باللقاءِ مبشِّرا
يا حارِ لو يسطيعُ يومَ سُوَيقَةٍ
قلبي التصبُّرَ عنهمُ لتصبَّرا
ظعنوا فلو حلَّ الذي قد نالَه
بالصخرِ بعدَ نواهمُ لتفطَّرا
للّهِ كم وجدِ هناكَ أثارَهُ
للصبِّ حادي العيسِ ساعةَ ثوَّرا
نظرَ الديارَ وقد تنكَّرَ حسنُها
فشجاهُ ربعٌ بالغُوَيرِ تنكَّرا
وتغيَّرتْ حالاتُه بعدَ النوى
وقُصارُ حالِ المرءِ أن يتغيَّرا
شِيَمٌ بها عُرِفَ الزمانُ وكلُّ ما
قد سرَّ أو ما ساءَ منه تكرَّرا
ومسهَّدينَ مِنَ الغرامِ تخالُهمْ
عَقِبَ السُّهادِ كأنْ تعاطَوا مُسكِرا
مِن كلَّ مسلوبِ القرارِ مدلَّهٍ
فوقَ المطيَّ تراهُ أشعثَ أغبَرا
يرمي بها أعراضَ كلَّ تنوفةٍ
لو جابَ مجهلَها القطا لتحيَّرا
كَلَفاً بغِزلانِ الصريمِ ولوعةً
منعتْ كراه صبابةً وتفكُّرا
فتروقُه فيه الظباءُ سوانحاً
فيها طلاً فضحَ القضيبَ تأطُّرا
ويَظَلُّ في عرصاتهنَّ محاوراً
ظبياً يقلَّبُ ثَمَّ طرفاً أحورا
يرضى على عَنَتِ الزمانِ وحكمِه
منه بما منحَ الهوى وتيسَّرا
مِن شَعرِه وجبينهِ انا ناظرٌ
ليلاً أَضِلُّ به وصبحاً مسفرا
ما كانَ ظنَّي بعدَ طولِ وفائهِ
وهو الخليقُ بمثلِه أن يَهجُرا
أُمسي سميرَ النجمِ وهو محيَّرٌ
والعيسُ تقطعُ بي اليبابَ المقفرا
يخشى الدليلُ به فليس يُفيدُهُ
تحت الدُّجُنَّةِ أن يهابَ ويحذرا
في مهمهٍ ينضي المطيةَ خرقُهُ
فتراهُ مُنْطَمِسَ المعالمِ أزورا
تَخدي وأُنشِدُ مِن غرامٍ فوقَها
شعري فتجنحُ في الأزمَّةِ والبُرى
شِعراً إذا ما الفكرُ غالبَ صعبَه
جعلَ التحكُّمَ لي فقلتُ مخيَّرا
ما ضرَّهُ لمّا تقدَّمَ غيرُه
في الأعصرِ الأولى وجاءَ مؤخَّرا
وضِعَتْ عقودُ الدَّر منه لخاطري
فَطَفِقْتُ أنظمُ منه هذا الجوهرا
ما زلتُ مخيَّرا ولأجلِهِ
ما زالَ مِن دونِ القريضِ مُخيَّرا
يحدوه فضلُ جزالةٍ وطلاوةٍ
فيه وكلُّ الصيدِ في جوفِ الفَرا
حروفنا
قاسم حداد هو شاعر معاصر وُلد في البحرين عام 1948، وقد شغل منصب رئيس تحرير مجلة “كلمات” التي أُصدِرت عام 1987. وهو عضو مؤسس في فرقة مسرح “أوال”، وله العديد من الدواوين والقصائد. ومن أبرز أعماله في مجال الفراق:
لأن حروفنا نار
لأن جميع من وقفوا ومن ساروا
ومن قتلوا بعين الشمس
أحسوا النبض طوفانا وأعصارا
لأن حروفنا الخضراء والحمراء ملء مخاضها ثوره
فتخرج في دم المسلول والمصدور
تصبغ دربنا ثورة
لأن حروفنا صخرة
تدق الباب
تطلب عمارة اليمني يا ربيع الأرض يا شمسا ويازهرة
وتقتل كلمة الكذاب بالصخرة
لأن حروفنا يا صاح تأبى ذل من خسروا
ومن داروا
على بوابة الدنيا
فما دخلوا وما ساروا
رفاقي في طريق الشمس
جيرانـي أحبائي
لأن حروفنا نار
ستحرق في أصابعنا
وتأكل من كواهلنا
إلى أن ينتهي العار
لأن جميع من صرخوا ومن ثاروا
ومن حملوا شعار الحب للإنسان
أحسوا ضيعة الإنسان
ما انخذلوا وما انهاروا
سنبقى عاشقين الحرف
سنبقى لا يكل العزف
فإن ماتت قصائدهم
وإن ماتوا
تظل حروفنا نارا
حرام على قلبي يرى وهو ساكن
عمارة اليمني هو نجم الدين كاتب وشاعر يمني، عاش في القرن السادس الهجري وكتب عدة مؤلفات، من بينها “أرض اليمن وتاريخها”. كان زاهداً قوي الإيمان، وأدى فريضة الحج، وقُتل في عام 569. من أشهر أشعاره عن الفراق:
حرام على قلبي يرى وهو ساكن
غدية قالوا ظاعن عنك ظاعن
فتى إن تغب عنا محاسن وجهه
فلما يغب إحسانه والمحاسن
فتى يستوي منه وفاء وسؤدد
ظواهر من أخلاقه وبواطن
سلام عليه حيث حل ركابه
محافظة إن ضيع العهد خائن
أغيثت سمنود بعالي ركابه
فعز لها أنف ذليل ومازن
فكل فساد عن سمنود راحل
وكل صلاح في سمنود قاطن
فأعوز مطلوب بها اليوم خائف
وأكثر موجود بها اليوم آمن
فتى ظاؤه في السلم غير مصحف
وإن قربت يوم الوغى فهو طاعن
بذلت له الود المصون ومدحةً
لها مانع مني غيور وصائن
وإني وإن كنت البخيل ببذلها
وأنت لها زين وغيرك شائن
ووعدك رهن فالتفت نحو فكه
فإن مواعيد الكرام رهائن
وما أنت بالمعذور عن بذل حاجة
لها كافل بالنجح منك وضامن
أوصيك بالحزن لا أوصيك بالجلد
أبو فراس الحمداني، المعروف بالحارث بن سعيد هو شاعر من العصر العباسي وقائد عسكري. وُلد في العراق وتوفي بعد معركة ضد الروم في سوريا. على الرغم من أن العديد من قصائده لم تُجمع، إلا أن ابن خالوية قام بجمعها لاحقاً. ومن أشهر قصائده في الفراق:
أوصيكَ بالحزنِ لا أوصيكَ بالجلدِ
جلَّ المصابُ عن التعنيفِ والفندِ
إني أجلكَ أن تكفى بتعزية
عَنْ خَيرِ مُفْتَقَدٍ يا خَيرَ مُفتقِدِ
هيَ الرّزِيّة ُ إنْ ضَنّتْ بِمَا مَلَكَتْ
منها الجفونُ فما تسخو على أحدِ
بي مثلُ ما بكَ منْ جزنٍ ومنْ جزعٍ
وَقَدْ لجَأتُ إلى صَبرٍ فَلَمُ أجِدِ
لمْ يَنْتَقِصْنيَ بُعدي عَنْكَ من حُزُنٍ
هيَ المواساة ُ في قربٍ وفي بعدِ
لأشركنكَ في اللأواءِ إنْ طرقتْ
كما شركتكَ في النعماءِ والرغدِ
أبكي بدَمعٍ لَهُ من حسرَتي مَدَدٌ
وَأسْتَرِيحُ إلى صَبْرٍ بِلا مَدَدِ
وَلا أُسَوِّغُ نَفْسي فَرْحَة ً أبَداً
و قدْ عرفتُ الذي تلقاهُ منْ كمدِ
وأمنعُ النومَ عيني أنْ يلمَّ بها
عِلْمَاً بإنّكَ مَوْقُوفٌ عَلى السُّهُدِ
يا مُفْرَداً بَاتَ يَبكي لا مُعِينَ لَهُ
أعانَكَ اللَّهُ بِالتّسْلِيمِ والجَلَدِ
هَذا الأسِيرُ المُبَقّى لا فِدَاءَ لَهُ
يَفديكَ بالنّفسِ والأَهْلينَ وَالوَلَدِ