تعتبر قيمة الحياء من أبرز مكارم الأخلاق في الإسلام، حيث يعدّ الحياء جوهر الدين وزينة للمرأة المسلمة، إذ يساهم في تحصينها من السلوكيات الفاحشة ويحفظ كرامتها، كما يشجعها على التعبير بألفاظ بعيدة عن الفحش، وقد جاء في الحديث الشريف: “إنَّ لكلِّ دينٍ خلقًا، وخُلُق الإسلام الحياء”، مما يدل على أن الإيمان لا يكتمل إلا بالحياء.
من المهم التأكيد على أن الحياء ليس خاصًا بالنساء فقط، بل يجب أن يتحلى به الرجال أيضًا. وقد قيل: “من كسى الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه”.
العلاقة بين الحياء والإيمان
-
توجد صلة وثيقة بين الإيمان والحياء، حيث يعد الحياء زينة الإيمان، وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
- “الحياء والإيمان قرنًا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر”.
- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من البكر في خدرها.
شاهد هذا:
تعريف الحياء
الحياء هو خلق من مكارم الأخلاق يزجر الإنسان عن كل ما هو قبيح ويمنعه من ارتكاب المحرمات، كما يوجهه إلى الالتزام بآداب الدين ومناهج الفضيلة.
أنواع الحياء
الحياء من الله
- يُعدّ الحياء من الله أحد الأسس الجوهرية في الإسلام حيث يعصم الإنسان عن الأخطاء.
- يجب على المسلمين أن يدركوا أن الله يراهم في كل مكان وزمان، كما يذكر في قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى).
- هذا الوعي يدفعهم لأداء الفرائض ويتجنبون المعاصي، قال الله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
- من الواجب علينا مراقبة الله في كل الأوقات والتجنب عمّا نهى عنه.
- كانت الصحابة رضي الله عنهم يستحون من الله عندما يقصرون في أداء النوافل، مما يدل على عميق إيمانهم.
- قال الفضيل بن عياض: (أدركت أقوامًا يستحيون من الله سواد الليل من طول الهجيعة).
الحياء من الملائكة
- خلق الله الملائكة لترافق الناس في كل مكان، وخاصة في مجالس الذكر والأماكن التي يُطلب فيها علم، وقد قالت الصحابة: (إن الملائكة معكم لا تفارقكم فاستحيوا منهم وأكرموهم).
-
قال الله تعالى:
- (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ).
-
وقد قال ابن القيم رحمه الله:
- (استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم واحتفظوا بما يرضي الله).
- لذلك، يجب علينا أن نتحلى بالحياء في كل الأوقات ونتجنب كل ما هو قبيح.
الحياء من الناس
- يُعتبر هذا النوع منبع كل فضيلة، حيث ينتج عنه القيام بالأعمال الصالحة والأقوال الطيبة.
- عندما يحيى الإنسان من الله ومن الملائكة، فإنه يستحي من الناس خوفًا من ملامتهم.
-
جاء رجل إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما وقال له:
- أنا رجل عاصي ولا أصبر عن المعصية، فعظني.
- فقال الحسين: (افعل خمسة وافعل ما شئت).
- قال الرجل: هات.
- فقال الحسين: (لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئت).
- قال الرجل: كيف ومن أين آكل وكل ما في الكون من رزقه؟
- فقال الحسين: (اخرج من أرض الله وأذنب ما شئت).
- قال الرجل: كيف ولا تخفى على الله خافية؟
- فقال الحسين: (اطلب موضعًا لا يراك الله فيه وأذنب ما شئت).
- قال الرجل: هذه أعظم من تلك، فأين أسكن؟
- فقال الحسين: (إذا جاءك ملك الموت فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت).
- قال الرجل: هذا مُحال.
- فقال الحسين: (إذا دخلت النار فلا تدخل فيها وأذنب ما شئت).
- قال الرجل: حسبك، لن يراني الله بعد اليوم في معصية أبدًا.
متى يستحي الله من عباده؟
- يستحي الله من عباده المؤمنين عندما يرفعون أيديهم ويتوسلون إليه، فيستحي أن يردهم خائبين.
- روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا).
- وقال يحيي بن معاذ: (من استحى من الله مطيعًا استحى الله منه وهو مذنب).
- وقد يقول الإمام الهرري: (حَيِيٌّ يعني لا يُخَيِّبُ سائِلَهُ، يَستحي أي لا يَرُدُّ دعاءً حسناً).
- الله يستحي حقًا من عباده عندما لا يحتاجون إليه، وهذا يجب أن يكون دافعًا لنا للتقرب منه.
الحياء من النفس
- يعني ذلك الحياء من العفة وحسن السريرة وصيانة الخلوات.
- من المهم الحفاظ على النفس من الفواحش وعدم الرضا بتعرضها لأي نقص.
- المؤمن كأن له نفسين يستحي إحداهما من الأخرى، كما قال العلماء: (من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر).
-
أحيانًا تكون النفس أمارة بالسوء تحث على اقتراف الذنوب، كما جاء في قوله تعالى:
- (وَمَا أبَرِّىءُ نَفسِي إنَّ النّفسَ لأَمّارَةٌ بِالسُوءِ إلاَ مَا رَحِمَ رَبِيِ إنّ رَبِي غَفُورٌ رّحِيمٌ).
متى يكون الحياء من الناس أمرًا سيئًا؟
- عندما يمتنع الإنسان عن فعل ما هو صحيح أو ترك معصية فقط للحياء من الناس، فهذا يعد مرضًا يحتاج إلى معالجة.
- يتطلب الأمر تقوية الإيمان والإدراك الجيد لعظمة الله.
- ينبغي على العبد أن يستحي من الناس بعد استحياءه من الله، لأن الناس لا تضره ولا تنفعه.
- هناك نوع من الناس لا يشعر بالحياء من الله ولا من الآخرين ولا يتورع عن المعاصي.
-
بينما النفس الثانية هي النفس المطمئنة التي قد تكون حافذًا للخير وتنهى عن المنكرات، كما قال تعالى:
- (يَا أيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنَةُ ارجِعِى إلى رَبِكِ رَاضِيَةً مَرضِيَةً فَأدخُلي في عِبادِي وَادخُلي جَنَتي).
-
يتعين علينا جميعًا تعزيز أنفسنا على أن نكون من النفوس المطمئنة التي تبشر بالجنة التي وعدنا الله بها، حيث قال الله تعالى:
- (وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنّهُمَ سُبُلُنَا وَإنّ اللّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ) (العنكبوت ـ 69).
تابع أيضًا: