تحذيرات الشريعة من الكذب
يعتبر الكذب نقيض الصدق، ويكتسب معناه من إفادة ما يتعارض مع الحقيقة مع العلم بذلك. وقد جاء التحذير من الكذب في القرآن الكريم بطريقة واضحة وصريحة، حيث قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ). كما أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- بشكل متكرر إلى حقيقة الكذب، ووصفه بأنه أحد سمات المنافقين، وذلك في العديد من الأحاديث النبوية. فهذا التنبيه يأتي كتحذير للمسلمين من مخاطر الكذب وشروره. فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا: من إذا حدَّث كذَب). وأوضح الماوردي -رحمه الله- أن الكذب يمثل جوهر كل شر وأصل لكل عيب لسوء عواقبه وخبث نتائجه.
آثار الكذب السلبية
لا شك أن الله تعالى لا ينهى عن فعل أو يرشد عنه إلا لكونه قبيحًا أو مجلبًا للضرر على فاعله. وهذا ينطبق بالتأكيد على الكذب وتأثيراته السلبية على صاحبه. فإن للكذب عواقب وخيمة، سوف نستعرض بعضًا منها:
- فقدان الشعور بالأمان والطمأنينة في الحياة، فالصدق يمنح الاطمئنان بينما الكذب يزرع الشك والريبة.
- الكذب يسبب توتراً عاطفياً وقلقاً شديداً في نفس الكاذب.
- الكذب يؤدي إلى فقدان البركة وقلة الرزق؛ فكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فإن صَدَقَا وبَيَّنَا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَتَمَا وكَذَّبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بيَعْهِمَا).
- الكذب يؤدي إلى نفور الملائكة من كاذبه، حيث ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كذب العبدُ تباعد الملَكُ عنه مِيلًا من نتنِ ما جاء به).
- الكذب يتسبب في انعدام ثقة الناس في الشخص الكاذب، مما يجعلهم ينفرون منه ويفقده احترامهم.
- الكاذب يحرم نفسه من هداية الله وتوفيقه، كما جاء في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
- الكذب يجلب اللعنة على صاحبه، مما يؤدي به إلى الطرد من رحمة الله، كما جاء في قوله تعالى: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين).
- الكذب يقود إلى الفجور، وهو الميل عن الحق، مما يسهم في سوء الخاتمة، حيث يرتبط العمل السيئ بعاقبة وخيمة.
- يعتذر الله عن الكاذب يوم القيامة، فلا يكلمه ولا ينظر إليه؛ بسبب كذبه وسوء عمله. يقول الله تعالى: (ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ، ولا ينظرُ إليهم).
أنواع الكذب
للكذب أشكال متعددة، وأشدها عذابًا عند الله هو الكذب بحق الله أو على رسوله أو كتابه. وهذا يشوه الدين ويضل الحق. يقول الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ). فيما يلي نُسِلط الضوء على بعض أنواع الكذب:
- الخداع والاحتيال، والتملق بالأكاذيب، وغالبًا ما ينطوي ذلك على مصالح شخصية أو إفساد العلاقات، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا النوع.
- الكذب أثناء البيع والشراء، حيث قد يلجأ البعض لتضليل المستهلكين؛ وهو محرم بشكل قاطع.
- شهادة الزور في المحاكم تعد من أقسى أنواع الكذب، إذ يمكن أن تنجم عنها أحكام بحق أبرياء أو تبرئة مجرمين.
- الكذب من قبل الحكام على رعاياهم، وهذا يتسبب في نشر الفتن والشائعات التي تؤذي المجتمع.
- الكذب عن الرؤى، حيث يدعي البعض رؤى لم يروا شيئًا منها، وهو محرم لأنه كذب على الله في ما يخص الوحي.