قصائد جميلة تصف جمال الزهرة
- يستحضر الشاعر محمود درويش:
لا تُعينني موسوعة الأزهار لوصف زهر اللوز،
ولا ينقذني القاموس من عجزه…
إن الكلمات ستجرني نحو بلاغةٍ تسلخ المعاني وتستحسن جَرْحها،
كما يُملي مذّكرٌ على مؤنّثه مشاعره.
فكيف يمكنني أن أصف زهر اللوز بلغة تتجاوزني؟
أنا الصدى، وهو شفافة كضحكة مائية نمت على الأغصان.
وهو خفيف كعبارة بيضاء موسيقية،
وهو هشّ كلمح خاطرٍ يطلّ على أصابعنا دون أن ندوّنها.
وهو كثيف كبيت شعرٍ لا يُكتب بالحروف.
لكي أصف زهر اللوز، أحتاج إلى رحلات إلى اللاوعي،
توجهني نحو مشاعرٍ مُعلّقة على الأشجار. ما اسمه،
ما اسم هذا الشيء في شعريّات اللاشيء؟
أتطلب اختراق الجاذبية والكلام لأشعر بخفة المفردات حين تصبح طيفاً همساً،
فأصبحها وتصبحني شفافيةً بيضاء،
لا وطنٌ ولا منفى، بل ولع البياض في وصف زهر اللوز.
لا ثلجٌ ولا قطن، فما هو في
تفوقه على الأشياء والأسماء.
لو استطاع المؤلف كتابة مقطعٍ موصفٍ لزهر اللوز، لانحسر الضباب عن التلال،
وقال شعبٌ كاملٌ:
هذا هو،
هذا كلام نشيدنا الوطني!
- يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
إذا رأيت زهرةً ورديةً تتلألأ فوقها قطرات الندى،
فتأملها كآلغازٍ غامضٍ تجهل سرّه.
ولتكن عينكَ كفاً، وليكن لمسك نظره.
ليست الحمراء جمره ولا البيضاء دره،
ربما روحٌ مثل روحي غادرت الدنيا المؤذية،
فارتفعت في الجو تبحث عن مسكنٍ فوق المجرة.
لعلها تعيش قليلاً في الفضاء الحر.
تذرف الدموع عند الفجر كقطرات الندى.
قصائد جميلة عن شجرة الزيتون
- يبرز الشاعر محمود درويش:
شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك، إنها
سيدة السفوح المحتشمة، بظلها تغطي
ساقها ولا تخلع أوراقها أمام العاصفة،
تظهر كأنها جالسة، وتجلس كأنها واقفة.
تحيا أختاً لأبدية أليفة وجارة للزمن،
تعي احتواء الزيت النوراني وتنسى أسماء الغزاة،
باستثناء الرومان الذين عاشروها واستعاروا أغصانها
لتشكيل الأكاليل.
لم يعاملوها كأسيرة حرب، بل كجدة محترمة،
ينكسر السيف أمام وقارها النبيل.
في فضة حضرتها المتقشفة،
تخفى اللون من الإفصاح والرؤية له ما وراء الوصف،
فلا هي خضراء ولا فضية،
إنها لون السلام إن احتاج السلام لتصنيف.
لا يُقال لها ابحث عن الجمال،
ولكن يُقال، كم أنتِ نبيلة وعظيمة، وهي
التي تُدرّب الجنود على نزع البنادق،
وتعلمهم الحنين والتواضع: عودوا إلى
بيوتكم وأضيئوا بزيتي القناديل، ولكن
هؤلاء الجنود الجدد
يحاصرونها بالجرافات ويجتثونها من الأرض.
ينتصب أمام جدتنا، بينما انقلب جذعها في السماء.
لم تبكِ ولم تصرخ، حتى أن أحد
أحفادها الذين رأوا عملية الإعدام، رمى جندياً بحجر،
فاستشهد معها، وعندما غادر الجنود منتصرين،
دفناه هناك: في حفرة عميقة، مهد الجدة،
ولسببٍ ما، كنا متأكدين من أنه سيصبح شجرة زيتون،
شجرة زيتون شائكة وخضراء.
قصائد مؤثرة عن الوداع
- يقول الشاعر غازي القصيبي:
أبي! ألا تود أن تصحبنا؟ إنني
أتمنى أن ترافقنا… يا أبي.
وانطلقت من فمها آهة،
استقرت على الجرح، ولكنها لم تذهب.
ومضت دمعة في عينيها،
مالت على الخد، لكنها لم تسكب.
عاتبتني كبرت دميتي،
وهي التي لم تعاتبني من قبل.
أهكذا تهجرنا، يا أبي،
لبزخ العمل وللمكتب؟
يا أجمل الحلوات.. يا واحةً
في صحاري الظمأ الملهب.
أبوك منذ أن أظلم فجر الوداع،
يعيش بين الصل والعقرب.
يضحك.. لو تدرين كم ضحكة
تنبع من قلب الأسى المتعب.
يلعب، ولكن الأحزان في نفسه
كصوت الموت لم تلعب.
يودّ لولا الكبر لو أنه
أجهش عند غيابك… لا تذهبي.
يا أجمل الحلوات.. يا فرحتي،
يا نشوتي الخضراء.. يا كوكبي.
أبوك في المكتب ما زال
يشتاق إلى الطيب والأطيب،
يصنع حلماً أفضل أحلامه
أن يسعد الأطفال في الملعب،
من أجل يارا ورفيقاتها.
وهكذا، فإن العمل يحبس في قلبه الحزن، فلا تغضبي.
- ويضيف الشاعر إيليا أبو ماضي:
أزف الرحيل وحان أن نفترق،
فإلى اللقاء يا صاحبيّ، إلى اللقاء.
إن بكيتما فلقد بكيت من الأسى،
حتى كادت أدمعي تغرقني.
وتأججت عند الوداع أحشائي،
ناراً خشت منها حرارتها أن تحرقني.
ما زلت أخشى الفراق قبل وقوعه،
حتى أصبح الأمر خارجاً عن إرادتي.
يوم الصحاري، لله ما أقسى الفراق!
لولا الفراق لما أبغضت نفسي البقاء.
رحنا حيارى صامتين كأنما
نحذر من الهول أن نصمت.
تتجاذب الأفئدة وعيوننا
لا تستطيع من البكاء أن تلتقي.
تتصارع النظرات، وهي ضعيفة،
وإننا نغالب الأنفاس كي لا تُزهق.
قصائد رائعة في الغزل
- يقول الشاعر عمارة اليمني:
شأن الغرام أجل أن يسلطني،
وإن كنت الشفيق الحاني.
أنا ذلك الصب الذي قطعت به،
صلة الغرام مطامع السلوان.
نمت حشدة صبره بضميره،
فبدت خفية شأنه للشاني.
غدرت بموثقها الدموع، فغادرت،
سري أسيراً في يد الإعلان.
عنفت أجفاني فقام بعذرها،
وجه يبيح ودائع الأجفان.
يا صانعاً لي عناء ملامة،
والشوق يصرف عنه فائدة عناني.
أقصر عليك فطالما أشجاني،
ريم يهيجُ بذكره أشجاني.
كلفي بغرته الذي ألجاني،
لتخضعي وهو المسيء الجاني.
يقرأ غرامي من صحيفة خده،
بشر الرضى وتجهم الغضبان.
متعتب أهدى إلي عتابه،
وصل مشى في صورة الهجران.
إني على حذر الوشاة وخيفتي،
عين الرقيب وصولة الغيران.
ليروقني هيبة الغصون إذا انثنت،
شغفاً بقدمٍ منعمٍ ريان.
لو لم يكن في البان من أعطافه،
شبه لما حسنت غصون البان.
يا صاحبي، وفي مجانبة الهوى،
رأي الرشاد فما الذي تريان؟
قبضت على كف الصبابة سلوة،
تنهى النهى عن طاعة العصيان.
أمسى وقلبي بين صبر خاذل،
وتجلد قاص وهم دان.
قد سهلت حزن الكلام لنادب،
آل الرسول نواعب الأحزان.
فابذل مشايعة اللسان ونصره،
إن فات نصر مهند وسنان.
واجعل حديث بني الوصي،
تشبيب شكوى الدهر والخذلان.
غصبت أمية إرث آل محمد،
سفهاً وشنت غارة الشنآن.
وغدت تخالف في الخلافة أهلها،
وتقابل البرهان بالبهتان.
لم تقتنع أحلامها بركوبها،
ظهر النفاق وغارب العدوان.
وقعودهم في رتبة نبوية،
لم تبنها لهم أبو سفيان.
حتى أضافوا بعد ذلك أنهم،
أخذوا بثأر الكفر في الإيمان.
فأتى زياد في القبيح زيادة،
تركت يزيد في النقصان.
حرب بنو حرب أقاموا سوقها،
وتشبهت بهم بنو مروان.
لهفي على النفر الذين أكفهم،
غيث الورى ومعونة اللهفا.
- يقول الشاعر ابن قلاقس:
أظن البدر نازعك الكمالا،
فبات يريه إخمصك الهلالا.
وقد تركت ذوابلَك الليالي،
تدور على أسنّتها ذُبالا.
وليس الغيث إلا ما أراه،
بكفّكَ سحّ وَبلاً أو وَبالا.
لك الحسن البليغ لسان فعل،
إذا طلب المقال به استقالا.
وأين السيف من فتكات عزْم،
نهوضٍ لا كُلولَ ولا كَلالا؟
بأبيض خاطب نثر الأعادي،
وأرؤسهم يَميناً أو شِمالا.
إلى سُمْرٍ أشاعِرُهُ أُديرَت،
فنظمت الرجالَ لكَ ارتجالا.
ومثلُكَ في انفرادك بالمَعالي،
تعالى أن نُصيبَ له مِثالا.
غمام أطلع الآراء شمساً،
وشمس مدّت الأيدي ظلالا.
ومثلُك ملء عين الدهر حُسْناً،
وملء قلوب أهليه جَلالا.
له عزْم كنائلِه شباباً،
إلى حِلْم كحِنْكَتِهِ اكْتِهالا.
تقلدت الخلافة منه عضباً،
كَفاها في الجلاد به الجِدالا.
تُجرِّدُه فيكْسوها جَميلاً،
وتُغمِدُه فيكسوها جَمالا.
إذا ما همّ يعرف نُكولاً،
ولم يُنكِر أعاديه نَكالا.
بخيل كلما اندفعت قِسيّاً،
تفوّق من فوارسها نِبالا.
تَرى البيض القصار مطابقاتٍ،
على أرجائها السمرُ الطوالا.
وكفُّ النصر قد كتبت سجلاً،
بأن الحرب ما خُلقَتْ سجالا.