قصيدة القلب أعلم يا عذول بدائه
القلب أعلم، أيها العذول، بدائِهِ
وَأحقُّ منك بجفنِهِ وبمائِهِ
فَمَنْ أُحِبُّ لن أعصيكَ في الهوى
قسماً به وبحسنِهِ وبهائِهِ
هل أُحِبّهُ وأحبُّ فيه ملامةً؟
إنّ الملامةَ فيه من أعدائِهِ
عجبَ الوشاةُ من اللُّحاة وقولِهمْ
دَعْ ما نَراكَ ضعفتَ عن إخفائِهِ
ما الخَلُّ إلا من أودُّ بقلبِهِ
وأرى بطرفٍ لا يرى بسوائِهِ
إن المُعِينَ على الصبابةِ بالأسى
أولى برحمةِ ربّهَا وإخائِهِ
مهلاً، فإن العذل من أسقامهِ
وَترفُّقاً فالسمعُ من أعضائِهِ
وهبِ الملامة في اللذاذةِ كالكرى
مطرودةً بسهادِهِ وبكائِهِ
لا تعذلِ المشتاقَ في أشواقهِ
حتى يكون حَشاكَ في أحشائِهِ
إن القتيلَ مُضرَّجاً بدموعِهِ
مثل القتيلِ مُضرَّجاً بدمائِهِ
والعشقُ كالمعشوقِ يَعذُبُ قربُهُ
للمبتلى وينالُ من حوبائِهِ
لو قُلْتَ للدنِفِ الحزينِ فديتُهُ
مِمّا به لأغرتهُ بفدائِه
وُقِيَ الأميرُ هوى العيونِ فإنّهُ
ما لا يزولُ ببأسهِ وسخائِهِ
يستأسِرُ البطلَ الكمِيَّ بنظرةٍ
ويحولُ بينَ فؤادِهِ وعزائِهِ
إنّي دعوتُكَ للنوائبِ دعوةً
لم يُدْعَ سامعُها إلى أكفائِهِ
فأتيتَ من فوقِ الزمانِ وتحتِهِ
مُتصلصلاً وأمامهِ وورائِهِ
من للسيوفِ بأن يكونَ سَمِيّهَا
في أصلِهِ وفرندهِ ووفائِهِ
طُبِعَ الحديدُ فكانَ من أجناسِهِ
وعليٌ المطبوعُ من آبائِهِ
قصيدة على قدر أهل العزم تأتي العزائم
على قدرِ أهلِ العزم تأتي العزائِمُ
وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ
وتعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارُها
وتصغرُ في عين العظيمِ العظائِمُ
يُكلّفُ سيفُ الدولةِ الجيشَ همّهُ
وقد عجزت عنهُ الجيوشُ الخِضارمُ
ويطلبُ عندَ الناسِ ما عندَ نفسِه
وذلكَ ما لا تدّعيهِ الضراغمُ
يُفدي أتمُّ الطيرِ عمراً سلاحَهُ
نسورُ الفلا أحداثُها والقشاعمُ
وما ضرّها خلقٌ بغيرِ مخالبٍ
وقد خلقتْ أسيابهُ والقوائمُ
هل الحدثُ الحمراءُ تَعرِفُ لونَها
وتعلمُ أيُّ الساقيينِ الغمائمُ
سقتها الغمامُ الغرُّ قبلَ نزولِهِ
فلمّا دَنَا منها سقتها الجماجمُ
بناهَا فأعلى والقنا يقرعُ القنا
وموجُ المنايا حولها متلاطمُ
وكانَ بها مثلُ الجنونِ فأصبحتْ
ومن جثثِ القتلى عليها تمائمُ
طريدةُ دهرٍ ساقها فرددتها
على الدينِ بالخطّيّ والدهرُ راغمُ
تُفيتُ الليالي كُلَّ شيءٍ أخذتهُ
وهنَّ لما يأخذنَ منكَ غوارمُ
إذا كان ما تنويهِ فعلاً مضارعاً
مضى قبلَ أن تُلقى عليهِ الجوازمُ
وكيف تُرَجّي الرومُ والرُّوسُ هدمها
وذا الطعنُ آساسٌ لها ودعائمُ
وقد حاكموها والمنايا حُوكمٌ
فما ماتَ مظلومٌ ولا عاشَ ظالمُ
أتوكَ يجُرّونَ الحديدَ كأَنَّهُمْ
سروا بجيادٍ ما لها قوائمُ
إذا برقُوا لم تُعرَفِ البيضُ منهُمُ
ثيابُهُم من مثلِها والعمائمُ
خميسٌ بشرقِ الأرضِ والغربِ زحفُهُ
وفي أذنِ الجوزاءِ منهُ زمازِمُ
تجمّعَ فيهِ كلُّ لسنٍ وأمّةٍ
فما يُفهِمُ الحُداثَ إلا التراجِمُ
فللّهِ وقتٌ ذوّبَ الغشَّ نارُهُ
فلم يبقَ إلا صارِمٌ أو ضبارِمُ
تقطّعَ ما لا يقطعُ الدرعَ والقنا
وفرّ من الفرسانِ من لا يُصادِمُ
وقفتَ وما في الموتِ شكٌّ لواقفٍ
كأنّكَ في جفنِ الردَى وهو نائمُ
تمرّ بكَ الأبطالُ كلمَى هزيمةً
ووجهكَ وضّاحٌ وثغرُكَ باسِمُ
تجاوزتَ مقدارَ الشجاعةِ والنُّهَى
إلى قولِ قومٍ أنت بالغيبِ عالمُ
ضممتَ جناحَيهِمْ على القلبِ ضمّةً
تموتُ الخوافي تحتها والقوادمُ
بضربٍ أتَى الهاماتِ والنصرُ غائبٌ
وصارَ إلى اللّبّاتِ والنصرُ قادمٌ
حقَرْتَ الرّدينيّاتِ حتى طرحتها
وحتى كأنّ السيفَ للرّمحِ شاتمُ
ومن طلبَ الفتحَ الجليلَ فإنّمَا
مفاتِيحُهُ البيضُ الخفافُ الصوارمُ
نثرتهُمُ فوقَ الأُحيدبِ كلّهِ
كما نُثِرَتْ فوقَ العروسِ الدراهمُ
تدوسُ بك الخيلُ الوكورَ على الذُرَى
وقد كثُرَتْ حولَ الوُكورِ المطاعمُ
تظنّ فراخُ الفتحِ أنّكَ زرتها
بأُمّاتها وهي العتاقُ الصلادمُ
إذا زلقتْ مشيْتَها ببُطونِهَا
كما تتمشّى في الصعيدِ الأراقِمُ
أفي كلّ يومٍ ذا الدُّمستقُ مُقدِمٌ
قفاهُ على الإقدامِ للوجهِ لائمُ
أينكرُ ريحَ الليثِ حتّى يذوقَهُ
وقد عرفتْ ريحَ الليوثِ البهائمُ
وقد فجعتهُ بابنِهِ وابنِ صهرِهِ
وبالصهرِ حملاتُ الأميرِ الغواشِمُ
مضى يشكُرُ الأصحابَ في فوتهِ الظُّبَى
لما شغلتهَا هامُهُمْ والمعاصِمُ
ويفهَمُ صوتَ المشرفِيّةِ فيهِمِ
على أنّ أصواتَ السيوفِ أعاجمُ
يُسَرّ بما أعطاكَ لا عن جهالةٍ
ولكنّ مغنُوماً نجا منكَ غانِمُ
ولستَ مليكاً هازِماً لنظيرِهِ
ولكنّكَ التوحيدُ للشركِ هازِمُ
تشرّف عدنانٌ بهِ لا ربيعةٌ
وتفتخرُ الدنيا بهِ لا العواصِمُ
لك الحمدُ في الدُرّ الذي لي لفظُهُ
فإنّكَ معطيهِ وإنّي ناظِمُ
وإنّي لتعدو بي عطاياكَ في الوغَى
فلا أنا مذمومٌ ولا أنتَ نادمُ
على كلّ طيّارٍ إليهَا برجلِهِ
إذا وقعت في مِسْمَعَيْهِ الغماغِمُ
ألا أيّها السيفُ الذي ليس مُغمداً
ولا فيهِ مرتابٌ ولا منهُ عاصِمُ
هنيئاً لضربِ الهامِ والمجدِ والعُلى
وراجيكَ والإسلامِ أنّكَ سالِمُ
ولم لا يقي الرحمن حدّيك ما وقى
وتفليقُهُ هامَ العِدَى بكَ دائِمُ
قصيدة أرق على أرق
أرقٌ على أرقٍ ومثليَ يأرقُ
وجوىً يزيدُ وعبرةٌ تترقرقُ
جهدُ الصبابةِ أن تكونَ كما أرى
عينٌ مُسهَّدَةٌ وقلبٌ يخفقُ
ما لاح برقٌ أو ترنمَ طائرٌ
إلّا انثنيتُ ولي فؤادٌ شيّقُ
جرَّبتُ من نارِ الهوى ما تنطفي
نارُ الغضَى وتكلُّ عمّا تُحرِقُ
وعذلتُ أهلَ العشقِ حتّى ذقتُهُ
فعجبتُ كيفَ يموتُ من لا يعشَقُ
وعذرتُهُم وعرفتُ ذنبيَ أنَّني
عيَّرتُهُم فلقيتُ فيهِ ما لقوا
أبني أبينا نحنُ أهلُ منازلٍ
أبداً غرابُ البينِ فيها ينعقُ
نبكي على الدنيا وما من معشَرٍ
جمعتهُمُ الدنيا فلم يتفرقوا
أينَ الأَكاسِرةُ الجبابِرَةُ الأُلى
كنزوا الكنوزَ فما بقينَ ولا بقوا
من كلِّ من ضاقَ الفضاءُ بجيشِهِ
حتّى ثوى فحواهُ لحدٌ ضيقُ
خُرسٌ إِذا نودوا كأَن لم يعلموا
أنَّ الكلامَ لهم حلالٌ مُطلقُ
والموتُ آتٍ والنفوسُ نفائسٌ
والمُستغِرُّ بما لديهِ الأحمقُ
والمرءُ يأمُلُ والحياةُ شهيَّةٌ
والشيبُ أوقرُ والشبيبةُ أنزقُ
ولقد بكيتُ على الشبابِ ولمّتي
مُسوَدَّةٌ ولماءِ وجهيَ رونقُ
حذراً عليهِ قبل يومِ فراقِهِ
حتّى لكدتُ بماءِ جفنيَ أُشرَقُ
أما بنو أوسِ ابنِ معنِ ابنِ الرضا
فأعزُّ من تُحدى إليهِ الأينُقُ
كبَّرتُ حولَ ديارهِم لمّا بدت
منها الشموسُ وليسَ فيها المشرقُ
وعجبتُ من أرضٍ سحابُ أكُفِّهِم
من فوقها وصخورُها لا تورِقُ
وتفوحُ من طيبِ الثناءِ روائحٌ
لهُمُ بكلِّ مكانةٍ تُستَنشَقُ
مسكيَّةُ النفحاتِ إلّا أنَّها
وحشيَّةٌ بسواهُمُ لا تعبقُ
أمُريدَ مثل محمَّدٍ في عصرِنا
لا تبلُنا بطلابِ ما لا يلحقُ
لم يخلُقِ الرحمنُ مثل محمَّدٍ
أبداً وظنّي أنَّهُ لا يخلُقُ
يا ذا الذي يهبُ الجزيلَ وعِندَهُ
أنّي عليهِ بأَخذِهِ أتصدَّقُ
أمطِر عليَّ سحابَ جودكَ ثرَّةً
وانظُر إلَيَّ برحمةٍ لا أغرقُ
كذبَ ابنُ فاعلةٍ يقولُ بجهلِهِ
ماتَ الكرامُ وأنتَ حيٌّ تُرزقُ
قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني
واحـرّ قلبـاهُ مـمّن قلبُـهُ شبِـمُ
ومن بجسمـي وحالي عندهُ سقـمُ
ما لي أُكتِّمُ حبًّا قد بـرَى جسـدي
وتدّعي حبّ سيفِ الدولـةِ الأُمَـمُ
إن كـانَ يجمعُنَـا حبٌّ لغرّتِـهِ
فليتَ أنّـا بقَـدْرِ الحبّ نقتسِمُ
قد زرتُهُ وسيوفُ الهندِ مغمَدَةٌ
وقد نظَرتُ إليهِ والسيوفُ دمُ
فكـانَ أحسـنَ خلقِ الله كلّهِمِ
وكان أحسنَ ما فِي الأحسن الشيـمُ
فوتُ العــدوّ الذي يمّمتَـهُ ظفـرٌ
فـي طيّـهِ أسـفٌ في طيّـهِ نعـمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصطنعتْ
لك المهـابـةُ ما لا تصنـعُ البهـمُ
ألزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئـاً لَيـسَ يَلزَمُهـا
أنْ لا يُـوارِيَهُـمْ أرْضٌ وَلا عَـلَـمُ
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشـاً فانْثَنَـى هَرَبـاً
تَصَرّفَـتْ بِـكَ فِي آثَـارِهِ الهِمَـمُ
عَلَيْـكَ هَزْمُهُمُ فِي كـلّ مُعْتَـرَكٍ
وَمَا عَلَيْكَ بِهِمْ عَـارٌ إذا انهَزَمُـوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْـواً سِـوَى ظَفَـرٍ
تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الـهِنْدِ وَاللِّمـمُ
يا أعدَلَ النّـاسِ إلاّ فِـي مُعامَلَتـي
فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَـمُ
أُعِيذُهـا نَظَـراتٍ مِنْـكَ صادِقَـةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمـهُ وَرَمُ
وما انتفـاعُ أخـي الدنيـا بناظرهِ
إذا استوت عنـدهُ الأنـوارُ والظّلـمُ
سيعلَمُ الجمعُ مـمّن ضـمّ مجلسُنـا
بأنّني خيـرُ من تسعـى بـهِ قدمُ
أنا الذي نظـرَ الأعمَـى إلى أدبـي
وأسمعت كلماتـي من بـهِ صمـمُ
أنامُ مِلْء جفونـي عن شواردِهَـا
ويسهـرُ الخلـقُ جرّاهَـا ويختصـمُ
وجاهلٍ مـدّهُ في جَهْلـه ضحكـي
حتّى أتتـه يـدٌ فـرّاسَـةٌ وفـمُ
إذا رأيـتَ نيـوبَ اللّيثِ بـارزةً
فـلا تظـنّـنّ أنّ اللّيثَ يبتسِـمُ
ومهجَةٍ مهجَتـي من هَمّ صَاحِبـها
أدركتها بجوادٍ ظـهـرُه حـرمُ
رِجلاهُ في الركضِ رجلٌ واليدانِ يـدٌ
وفعلُـهُ ما تُريـدُ الكـفُّ والقَـدَمُ
ومرهَفٍ سرتُ بينَ الجحفليـنِ بـهِ
حتّى ضربتُ وموجُ المـوْتِ يلتطِـمُ
الخيـلُ واللّيـلُ والبيـداءُ تعرفُنـي
والسّيفُ والرّمحُ والقرطاسُ والقلـمُ
صحبتُ في الفلواتِ الوحشَ منفـرداً
حتى تعجب منـي القـورُ والأكـمُ
يا مـن يعـزّ علينـا أن نفارقهـم
وجداننا كُلَّ شـيءٍ بعدكـمْ عـدمُ
ما كـان أخلقَنَـا منكُـمْ بتكرِمَـةٍ
لَـوْ أنّ أمرَكُـمُ مـن أمرِنَـا أمَـمُ
إنْ كـانَ سرّكُـمُ ما قالَ حاسدنَـا
فمـا لجـرْحٍ إذا أرضـاكُـمُ ألـمُ
وبيننـا لـو رعيتـم ذاكَ معـرفَـةٌ
إنّ المعارِفَ في أهْـلِ النّهَـى ذِمَـمُ
كم تطلُبُونَ لنـا عيبـاً فيُعجزُكـمْ
ويكـرَهُ الله مـا تأتُـون والكـرمُ
ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ من شرفِـي
أنَـا الثّريّـا وذانِ الشّيـبُ والهـرمُ
ليت الغمامَ الذي عنـدي صواعقُـهُ
يُزيلُهُـنّ إلـى مـن عنـدهُ الدِّيَـمُ
أرى النّـوَى يقتضينـي كلَّ مرحلـةٍ
لا تستقـلّ بهـا الوخّـادةُ الرسُـمُ
لَئِـن تركْـنَ ضُمَيـراً عن ميامننـا
ليحدُثـنّ لـمن ودعتهـم نـدمُ
إذا ترحّلـتَ عن قـومٍ وقد قـدروا
أن لا تفـارِقهُـمْ فالرّاحلـونَ هُمُ
شرُّ البـلادِ مكانٌ لا صديـقَ بـهِ
وشرُّ ما يكسبُ الإنسـانُ ما يصـمُ
وشـرُّ ما قنّصتـهُ راحتـي قنـصٌ
شهبُ البُـزاةِ سـواءٌ فيهِ والرّخمُ
بأيّ لفـظٍ تقـولُ الشعـرَ زعنفـةٌ
تجوزُ عنـدكَ لا عـربٌ ولا عجـمُ
هـذا عتـابُـكَ إلّا أنّـهُ مِـقَـةٌ
قـد ضُمّـنَ الـدُّرَّ إلّا أنّهُ كلـمُ