يُقال إنّ فيك انقباضاً، لكن
يقول الشاعر أبو الحسن الجرجاني:
يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما
رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما
أرى الناسَ من داناهُمُ هان عندهم
<الأكرَمُ عَزَّةُ النّفس أكرِما
ولم أُقضِ حَقَّ العلمِ إن كان كُلَّمَا
بدا طَمَعٌ صَيَّرتُه لي سُلَّما
وما زلتُ مُنحازاً بعرضي جانباً
من الذلِّ أعتبر الصيانةَ مَغنما
إذا قيلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قد أرى
ولكنَّ نفسَ الحرِّ تحتملَ الظَّمَا
أُنزِّهها عن بعض ما لا يشينُها
مخافةَ أقوال العدا فيم أو لما
فأصبحُ عن عيبِ اللئيمِ مُسلَّما
وقد رحتُ في نفسِ الكريمِ مُعَظَّما
وإني إذا ما فاتني الأمرُ لم أبت
أقلِّبُ فكري إثره مُتَنَدِّما
ولكنه إن جاء عَفواً قبلتُه
وإن مَالَ لم أُتبعه هَلاً وليتَما
وأقبضُ خَطوي عن حُظوظٍ كثيرةٍ
إذا لم أَنلها وأفرض العرض مُكرما
وأكرمُ نفسي أن أُضاحكَ عابساً
وأن أَتلقَّى بالمديح مُذمَّما
وكم طالبٍ رقي بنعماه لم يَصِل
إليه وإن كَانَ الرَّئيسَ المُعظَما
وكم نعمة كانت على الحرِّ نقمَةً
وكم مغنمٍ يَعتَده الحرُّ مَغرَما
ولم أبتذل في خدمة العلمِ مُهجَتي
لأَخدمَ من لاقيتُ لكن لأُخدما
أأشقى به غَرساً وأجنيه ذِلةً
إذن فاتباعُ الجهل قد كان أَحزَما
ولو أن أهل العلمِ صانوه صانَهُم
ولو عَظَّمُوه في النفوس لَعُظِّما
ولكن أهانوه فهانون ودَنَّسُوا
مُحَيَّاه بالأطماعِ حتى تَجهَّما
فإن قُلتَ جَدُّ العلم كابٍ فإنما
كباً حين لم يحرس حماه وأُسلما
وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني
ولا كلُّ من في الأرضِ أرضاه مُنَعَّما
ولكن إذا ما اضطرني الضُّرُّ لم أَبتِ
أُقلبُ فكري مُنجداً ثم مُتهما
إلى أن أرى ما لا أغَصُّ بذِكره
إذا قلتُ قد أسدى إليَّ وأنعما
مهانة النفس بعد العزة
يقول حيدر بن سليمان الحلي:
إليكم تذل النفس من بعد عزة
وليست تذل النفس إلا لمن تهوى
فلا تحو جوها بالسؤال لغيركم
فتسألَ مَن يسوى ومَن لم يكن يسوى
اقتنع ولا تطمع، فإن الفتى
يقول عماد الدين الأصبهاني في عزة النفس:
اقنع ولا تطمع فإن الفتى
كماله في عزة النفس
وإنما ينقص بدر الدجى
لأخذه الضوء من الشمس
العزم وأبناؤه
يقول محمد مهدي الجواهري في قصيدته:
ومن لم يجد إلا ذعاف مذلة
وروداً فموت العز مورده عذب
وهل يظمأ اللاوي من الذل جانباً
وبيض الظبا رقراقها علل سكب
إذا رمت دفع الشك بالعلم فاختبر
بعينك ماذا تفعل الأسد الغلب
أما والهضاب الراسيات ولم أقل
عظيماً، فكل دون موقفه الهضب
لئن أسلمتهم عزة النفس للردى
فما عودتهم أن يلم بهم عتب
وكرامتي نالت الاهتمام منا
يقول أحيحة بن الجلاح في الكرامة:
وَكَريمٍ نالَ الكَرامِةِ مِنّا
وَلَئيمٍ ذي نَخوَةٍ قَد أَهَنّا
ثُمَّ لَم يَرجِعِ الكَلامُ إِلَينا
لَو تَرى في الكَلامِ أَن قَد أَذِنّا
لكل واحد كرامة
يقول عبد الواسع السقاف:
سأبكيك إذا ما الليل قام
وأبكيك إلى يوم القيامةْ
وأبكي حسرتي وهواي لما
ذبحت مشاعري ذبح اليمامة
ولم تُبدي لآلامي اعتباراً
ولا وجلاً ولم تلقي ملامة
وقررت الرحيل بكل غدرٍ
وأثرت السعادة والسلامة
أفي جنبيك قلبٌ أم جدارٌ!
أنا ما عُدت أدري ما العلامة!
أجيبيني بربك كيف تقوي
على هذي القساوة والصرامة
دموعي فوق خدي هاطلات
وأنت على محياك ابتسامة
علامَ الغبنُ رُدي هل تظني
بأن الحُبَّ في قلبي شهامة
أنا لن أرتضي في الوصلِ ذٌلاً
لأنَّ بخافقي أيضاً كرامة
الهدف
يقول صالح بن سعد الزهراني:
أنتَ علمتني لغة النخل
أنشودة الزهو في هفهفات السعف
أنت علمتني خفقة الباز حين سما واختلفْ
قلت لي: النخل لا ينحني
والشاهين لا تستسيغ الجِيفْ
وتعلمت أن الكرامة لا تشترى في المزادات
أنَّ الحياة الشرفْ
ومضينا احتملنا السُّرى، كانت البيد تهمي دمى
والأعاصير تلوي خيوط الأسفْ
وفي وسط الدرب مالت خطى المُدلجين على المنعطفْ
فأقبلت تحكي زماناً سلفْ
فأبصرتُ نخلاً بعينيك ينحني
وصقراً يطأطئ لمّا وقفْ
ولما سألتك عمّا جرى
أجبت بأن المدارَ اختلفْ
تتاجر باسمي ثمانين عاماً
وتأكل لحمي ثمانين عاماً
وعند الختامِ أكون “الهدف”
حِكاية الكلبِ معَ الحمامَة
يقول أحمد شوقي:
حِكاية الكلبِ معَ الحمامَة
تشهدُ للجِنسَيْنِ بالكرامَة
يقالُ: كان الكلبُ ذاتَ يومِ
بينَ الرياضِ غارقاً في النَّوم
فجاءَ من ورائه الثعبانُ
مُنتفِخاً كأَنه الشيطانُ
وهمَّ أن يغدرَ بالأمينِ
فرقَّتِ الورْقاءُ لِلمِسكينِ
ونزلتْ توَّا تغيثُ الكلب
ونقرتهُ نقرةً، فهبا
فحمدَ اللهَ على السلامة
وحَفِظ الجميلَ للحمامَة
إذ مَرَّ ما مرّ من الزمانِ
ثم أتى المالكُ للبستانِ
فسَبَقَ الكلب لتلك الشجرَة
ليُنْذر الطيرَ كما قد أَنذرَه
واتخذ النبحَ له علامة
ففهمتْ حديثهُ الحمامة
وأَقلعتْ في الحالِ للخلاصِ
فسَلِمتْ من طائِرِ الرَّصاصِ
هذا هو المعروفُ بأهل الفطنْ
الناسُ بالناسِ، ومَن يُعِن يُعَنْ!
فرط التمني
يقول إبراهيم محمد إبراهيم عن عزة النفس في الحب:
دَعِي عِزّةَ النّفْس ِتُنجيكِ مِنّي
فقد ماتَ بين الضلوع ِالحنينْ
لقد أنهكَ العُمرَ فَرْطُ التمنّى
وقلبُكِ في جفوةٍ لا يلينْ
فأنَّى لقلبي أن يُسْتَرقَّ
وأنى لقلبِكِ أن يَسْتكينْ
لقد سقطَ الحبُّ من راحتيكِ
وأنتِ كما أنتِ لا تعلمينْ
الشهداء
يقول عادل البعيني في كرامة الشهيد:
يا فارساً عرشَ العُلا تتربَّعُ
صُمُّ الجبالِ أمامَ عزمِكَ تَركعُ
أذللْتَ حُبَّاً للحياةِ و نزعةً
وَهَببْتَ طوعاً عنْ دِيارك تَدْفعُ
ظَمِئَتْ جراحُك للعُلا فسَقَيْتَها
نبلاً ومَجْداً بالشَّهادَةِ يُتْرَعُ
ووسَعَيْتَ للأَمجادِ تَطْرُقُ بابَها
بابُ الشَّهادةِ خير بابٍ يُقْرَعُ
وإذا الكرامةُ والنَّبالةُ والفِدا
إكليلُ غارٍ فوقَ هامِكَ يُوضَعُ
مَنْ كالشَّهيدِ وقدْ سَمَت أخلاقُهُ
هذا نِداؤهُ للعُلافلْتَسْمَعوا