قصيدة لصديق
يقول إيليا أبو ماضي:
يا من اقترن قلبك بفؤادي،
وأنت بعيد عن نظري،
شوقي إليك أكبر من
شوق السليم إلى راحته.
أرغب بلقائك كما
يهوى من أحتاج الماء ورودَها،
لكن الفراق بيننا
يمنعني، وأنا أبتعد عن هذا التجافي.
وصلتني بذكرى وجهك
الذي براق كالجواهر،
فكأن حديثك لؤلؤ
وكأن الكتابة زينة.
أشكو إليك، ولا عتب
إذا اشتكى الأسير قيوده.
عشت دهراً طويلاً ما نلت
وداداً إلا من القلوب الخاوية.
ومعاشر لا تجد بين أفرادهم
إن أتيتهم شيئا غير الوعود.
متفرجون وما لفراغهم
سوى الجحود لحياتهم.
لا يعرفون من الشجاعة
سوى ما سبق وعرفته القردة.
سواء قالوا الرضا
أو السخط الشديد عني،
فمن لا يصدق الوعود
فلا يصدق في الوعيد.
شخص إذا عُدّ الرجال
احتسبته في عداد الراحلين،
تأبى الطبيعية السماح لهم،
فليس كل ذي مال يجود.
أسخى منهم بعطائه
أصلب من الحجر الصلد،
جاف البنان بعرضه،
يفدي الفضة من الرفاق،
ويخاف من ضيوفه
كما يخاف الصغير من الغرباء.
تعبت من رجل لا يفيد
ولا أرى غيره يضطرني.
وأنا أرى عديم النفع،
إذ وجوده كضرر الوجود.
قصيدة الصديق لعبد السلام الكبسي
يقول عبد السلام الكبسي:
دلني،
يا صديقي،
على طريق الشعر،
في كل منعطف جميل للعبارة،
في زرقة البحر،
والسنابل القصيرة،
في غيمة تتكسر ياقوتها ويفيض العقيق
على شجن الجلنار المتكرر،
من حلم الصوت الأشقر،
يجمعنا بين المعاني شتاتاً.
أو دلني،
يا صديقي، بلا ثمن مرتفع،
على صديقٍ بديل،
للصديق الذي يكشف الأسرار.
ألف صديق،
والصداقة
تمنحنا الخبز،
والأصدقاء يوفرون الأمان.
ليس هناك من صديق للموتى،
ولا للبخيل،
فاليوم الطويل دون أصحاب،
والذي لا يحتمل الذهاب وحده إلى البحر
لا يجهل المستحيل.
نادراً ما تكون طعنة الظهر
التي يحصل عليها الغرباء.
قصيدة الصديق لحميد العقابي
يقول حميد العقابي:
كان يجلس أمامي بوجهه الكئيب وعنده النحيل,
يبتسم عندما أبتسم، ويعبس عندما أعبس.
أتذكر أنني رأيته
مرة عندما كنا نلعب على شرفات قصر الله,
ومرة أخرى في الجحيم.
لماذا اختارني من بين هؤلاء الجالسين؟
ولماذا لم يذهب مع محبي الكرة لمشاهدة التلفاز؟
أراه غريباً،
ينفض عن رأسه أفكاراً كتراب القبر,
أقرأ في وجهه
ثلاثين عاماً من الحيرة,
وثلاثين عاماً من الرحيل إلى مدن الأحلام المغلقة,
وثلاثين عاماً من السهر.
يقرأ كتابي،
ويرتدي كفناً.
لماذا غامت عينيه عندما رآني أغازل تلك الشقراء؟
هل يشعر بالغيرة؟
ــ أحبك.
يضحك ويتمتم بكلمات لا أسمعها.
والآن سأتركه يمارس اللعبة وحده,
ولكن حين خرجت,
تذكرت أنني نسيته,
فعُدتُ.
وجدته يبحث عني
بوجهه الكئيب وعنده النحيل.
قصيدة صديق يداري الحزن عنك ممهّد
يقول مهيار الديلمي:
صديق يداري الحزن عنك ممهّد،
ودموع تغيم العين فيك منافق.
وقلب إذا عانى الأسى طلب
راحة من رقّ ودكّ آبق.
بكى القاطنون ظاعنين وقاوضَتهم
النواعق صاحت بالفراق.
ولكن بالأمس لم تسير ناقة
بارتجال مني، ولم يحدد سائق.
سلا عنه في أي المفاوز فاتني
وطرفي له راع وطرفي سابق.
تباغضتنا الدنيا على حبّنا، وإن
رأت مللاً بقيت خدّاعة.
عندما نعاني، نعيشه والآجلاتُ صواعق.
تصدّت بزوار حسنٍ أرادت أن تقنصنا، وما
زخارفها إلا ربا وخنادق.
تبسم والثغر المقبّل ناهش،
وتحسر والكف المصافحة حابق.
أتأمل منها حظوة وهي عانس،
ولم يحظ أقوام بما هي عاتق.
أخي مات في الود أم غاض زاخراً،
من العيش عنّي أم تقوَّض شاهق.
أظل غمام ثمّ طلّ حمامه،
وقد كنتُ في عمياء وهي بوارق.
أعد له الأيام أرجو شفاءه،
ولا علم لي أن المنون تسابق.
وأعدل بالخوف الشكوك تعلّلاً،
فيا سوءَ ما جرّت عليّ الحقائق.
بمن لست أنسى من رواح وبكّر
مضى صابح بالأمس قبلي وغابق.
دعوت فما لي لم أجب إنّ عائقاً
أصمَّ عنّي أن يلبي لعائق.
تخطّى الدواء الداء وهو مجرّب،
وفات طبيب رأيّه وهو حاذق.
خفرناك حقّ الودّ إذ أنت آمن
وخناك يوم الموت كنت واثق.
قمنا فأوسعنا إليكَ طريقه
وحولك منا حجفل متضايق.
نخالفك القصد اعتمادًا وكنت
ممن تساق إلى أهوائنا فتوافق.
رحيباً على الطرّاق منا فما لنا
بعلنا جميعاً يوم باعك طارق.
طوى معشر ذاك التنافس واستوى
الحسود المعادي فيكَ لي والموافق.
وغاضت مودّات أقضّت وقطعت،
عرى كنت وصالاً لها وعلائق.
سروري حبيس في سبيلك وقفته،
ولذّة عيشي بعد يومكَ طالق.
تمسّك بما كنا عليه ولا تحل،
عهود وغن حال الرّدى ومواثق.
وكن لي على ما كنت أمس معوّدي
غداً مستعداً إنني بك لاحق.
أتتك السواري الغاديات فأفرغت
عليك ملاءً والجواري الشوارق.
ولو لم يكن إلا البكاء لأنبتت
بما تجري الحداق.
رثيت بعلمي فيك حتى كان كأنّها
تملّي علي القول تلك الخلائق.
وهل يبلغ القول الذي كنت فاعلاً
ولم تسمع الحق الذي أنا ناطق.
واقسم ما أعطتك فضل فضيلة
أقول بها في مائق وهو فائق.
وكيف يناجي نازح السمع فائتٌ
عليه مهيلاً من ثرى متطابق.
إذا الحي يوماً في الحي كاذباً
نفاقاً فإن الحي في الميت صادق.
مضى صاحبي عنّي وقد شاب ودّنا
فيا ليت هذا والوداد مراهق.
بجهدك لا تألف خليلاً فإنها
بقدر مسرات الألوف البوائق.
قصيدة لي صاحب إن خانني دهري وفى
يقول صفي الدين الحلي:
لي صاحب إن خانني دَهري وفى،
وإذا تكَدّرت المناهل لي صفا.
تبدو محبّتُه ويظهر ودُّه
نحوي إذا ما الودّ بالمزيف اختفى.
أجفو، فيمنحني المودّة طالباً
قُربي، وأمنحُهُ الودادَ إذا جَفَا.
كلٌ يَقول: لصاحبي عندي يدٌ،
إذ كان لي دون الأنامِ قد اصطفَى.