الشعر في العصر الجاهلي
يُعتبر الشعر الجاهلي من أسمى أنواع الأدب في ذلك الزمن، ولا يزال يُعتبر كذلك من قبل العديد من النقاد حتى يومنا هذا. وكان الشعر بالنسبة للعرب أداة للتعبير عن مشاعرهم وعواطفهم، مُبرزًا الجمال بأسلوب يُثير في النفوس الإعجاب والارتياح. وقد أدرك العرب مكانة الشعر وفاعليته في تخليد تاريخهم وتمجيد إنجازاتهم. وتجدر الإشارة إلى أن بداية الشعر العربي كانت أقدم مما وصل إلينا، مما يُشير إلى ضياع جزء كبير منه، إذ لم يتبق من المحاولات الشعرية الأولى إلا مقاطع قليلة، وكانت خالية من القيود وأسلوب التعبير المحدد. ومع تطور الإنسان وخبراته، تنوعت الأوزان الشعرية في القصائد، حيث ابتدأ الأمر في السجع، حتى تم الوصول إلى الأوزان المُعقدة والمُتنوعة حتى أضحت تُعرف بالقصائد.
أبرز شعراء العصر الجاهلي
إنَّ جمال البيئة العربية كان له تأثير واضح في تشكيل الشخصية العربية الجاهلية. فقد كان الشاعر ينتمي إلى أرضه وقومه، مما جعله متعصبًا لقبيلته خاصة عند نشوب الحروب. شهدت تلك المرحلة تنافسًا كبيرًا بين الأفراد والقبائل في مجالات الفصاحة والبلاغة، مما أدى إلى زيادة عدد الشعراء وظهور نهضة شعرية لم يستطع المؤرخون حصر جميع الشعراء فيها، حيث كان كل شاعر يختلف في أسلوبه وإبداعه وشهرته. وكانت كل قبيلة تدّعي أنها الأكثر عددًا في الشعراء والأكثر موهبة. ولما سبق، حاول النقاد تقسيم الشعراء إلى فئات متعددة، فمنهم من اعتمد على الاسم والشهرة، ومن اتخذ المعاني كأساس في التصنيف، ومنهم من اتبع الأغراض الشعرية أو الخلفية الاجتماعية، أو حتى الدين، مما أعطى النقاد معايير متعددة للتقسيم. في هذا السياق، سنستعرض بإيجاز أهم شعراء الجاهلية، وعلى رأسهم شعراء المعلقات السبعة، بالإضافة إلى النابغة الذبياني، والأعشى، وعبيد بن الأبرص.
امرؤ القيس
هو امرؤ القيس بن حجر بن حارث، شاعر من اليمن ينتمي إلى قبيلة كندة، نشأ في أسرة ذات جاه وثروة، فوالده كان سيد بني أسد. عُرف بحبه للهو والشعر الغزلي. بعد مقتل والده على يد بني أسد، قال مقولته الشهيرة: (ضيعني أبي صغيرًا، وحملني دمه كبيرًا)، مُشيرًا بذلك إلى سعيه للانتقام. واستعان بقيصر الروم لاستعادة ملكه، لكن قيل إن القيصر قام بتسميمه لأسباب متعددة، مما أدى إلى تسميته بـ”ذي القروح”، وتوفي في أنقرة بينما كان عائدًا من القسطنطينية. كان شعره متنوعًا بين الغزل والوصف، ولقد أظهر فيه الحكمة وألفاظًا جزلة تعبر عن تجاربه، ويُعتبر من أفحل شعراء الجاهلية. وقد بدأ في شعره بذكر الأطلال والتغني بالمحبوبة، ويُعتبر من أفضل المستخدمين للاستعارات. ومطلع معلقته كان:
قِفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْمَلِ
طرفة بن العبد
هو طرفة بن العبد بن سفيان، من قبيلة بكر، ويُكنّى بأبي عمرو. عُرف طرفة بسلالته الرفيعة وثراء عائلته، حيث عاش يتيم الأب، وتوفي في مقتبل شبابه بعد هجائه الملك عمرو بن هند. كان شعره يتميز بألفاظه العذبة وأسلوبه الجزل، وقد نضج شعره مع مرور الوقت، حيث اتجه من الخشونة إلى الألفاظ الأكثر رقة. تغطي أغراضه الشعرية الهجاء والفخر والوصف. ومطلع معلقته هو:
لِخَولة َ أطْلالٌ بِبُرقَة ِ ثَهمَدِ، تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
زهير بن أبي سلمي
زهير بن ربيعة، من قبيلة مزينة ينتمي إلى مضر، وكان يُعرف بأبي سلمى. وُلِد في عائلة شاعرة، إذ كان والده وخاله وزوج أمه من شعراء بارزين. كانت حكمته وبلاغته من العوامل التي ساعدته في الحروب، حيث وصفه عمر بن الخطاب بأنه من أشعر شعراء العرب. كانت لديه قدرة على انتقاء الكلمات البليغة وترك الحشو، مما جعله يُعتبر من أبرز شعراء المعلقات. ومطلع معلقته الشهيرة هو:
أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِبِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
الحارث بن حلزة
الحارث بن حلزة بن مكروه هو سيد من سادات قبيلة بكر في العراق. عُرف بأنه شاعر بارع، وقد نظم معلقته لاستعراض قضايا قومه. تدور قصيدته حول أحداث وقعت بعد حرب البسوس، حيث استدرج الملك عمرو بن هند للحكم لصالح قبيلته بكر. ومطلع قصيدته هو:
آذَنَتْنَا بِبَينِهَا أَسْماءُرُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ
عمرو بن كلثوم
أبو الأسد عمرو بن كلثوم التغلبي هو شاعر ينتمي إلى قبيلة تغلب. عُرف بعائلته ذات الجاه والسلطة، وقد أصبح سيد قومه بعد وفاة والده وهو في سن صغيرة. يمتاز شعره بالسلاسة والمبالغة في الفخر. هو صاحب المعلقة السابعة التي تعتبر من أفضل ما أُلّف في الشعر الجاهلي. ومطلعها هو:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
عنترة بن شداد
عنترة بن شداد ينتمي لقبيلة عبس. طُرد عنترة من قومه بسبب عدم اعترافهم به لولادته من أمه الحبشية. ومع تقدمه في العمر، اعتُرف به من قبل والده. عُرف كشاعر فارس يمتاز بالشجاعة والطيبة. قدمت قصائد عن حبه لابنة عمه عبلة من خلال شعره. ومطلع قصيدته هو:
هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّمأم هلْ عرفتَ الدارَ بعدَ توهمِ
لبيد بن ربيعة
لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة، وهو شاعر بدوي معروف بشجاعته. أدرك الإسلام وأسلم، واعتزل الشعر بعد ذلك. يُعتبر من أصحاب المعلقات، وبرز في شعر الرثاء وقدرته على تصوير العواطف الحزينة. وُصف بأنه من أفضل شعراء الجاهلية والإسلام.
الأعشى الأكبر
ميمون بن قيس البكري وُلد عام 530 في قرية اليمامة. عُرف بلقب الأعشى لضعف بصره وارتبط بإدمانه الخمر. كان فقيرًا، لكن شعره جلب له الشهرة والدعم، حيث مدح الملوك. لدى الأعشى قصائد مشهورة في المدح والغزل، إذ يُعتبر من أبرز الشعراء في تلك الحقبة.
عبيد بن الأبرص
عبيد بن الأبرص من قبيلة مضر، وكان معروفًا بفطنته وشجاعته. عُرف بأنه من الشعراء المقربين للنابغة الذبياني، وقُتل على يد المنذر بن ماء السماء. كان لحياته تأثير كبير على شعره الذي عكس تجربته ومآسي حياته.
النابغة الذبياني
أبو أمامة زياد بن معاوية، يُعرف بالنابغة احتفاءً بمواصفاته المميزة. وُلِد في نج� و ترعرع في بيئة صحراوية أثرت في تشكيل شخصيته الشعرية. لقد كان قائدًا حكيمًا في الحروب، وكتب معلقة تُعبر عن اعتذاراته، وهي من أشهر قصائده.
فيديو أهم شعراء العرب
بينما هناك شعراء أُعدموا على يد الظروف، وآخرون كانت قصائدهم رمزاً للحب، تعرَّف على أبرز شعراء العرب عبر الفيديو: