ما هو سبب نزول سورة الحشر؟
عندما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، بدأ بتنظيم العلاقات بين الأفراد بسبب تنوع الطوائف الموجودة هناك. من بين هذه التنظيمات، تم إعداد وثيقة تحدد العلاقة بين المسلمين واليهود. وقد اتفق رسول الله مع بني النضير على عدم التعاون مع أعدائه، سواء بالتحالف أو بالعداء. إلا أنه بعد غزوة أحد، نكثوا العهد، حيث خرج كعب بن الأشرف إلى مكة والتحق بقريش ضد رسول الله. وقد أرسل الله جبريل ليخبر الرسول بما جرى، بالإضافة إلى ما شهد من خيانة عند محاولة الاقتراب منهم لجمع الدية للمسلمين من بني عامر، حيث همّوا بإلقاء حجر عليه.
نتيجة لذلك، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بني النضير بالخروج من المدينة، ومنحهم مهلة قدرها عشرة أيام بسبب نقضهم للعهد. وفي المقابل، قام بعض المنافقين في المدينة بالتواصل مع اليهود، محذرين إياهم بعدم الخروج، عارضين مساعدتهم في حال هاجمهم الرسول. وأكدوا لهم أن عدم مغادرتهم سيؤدي إلى رحيلهم معهم إذا ما أُجبروا على مغادرة المدينة. وإثر ذلك، رفض يهود بني النضير الخروج وأرسلوا تنبيهاً للرسول بأن يُنفذ ما يراه مناسباً.
وبالفعل، اتجه الرسول وصحبه نحو بني النضير الذين كانوا يتحصنون في حصونهم. وشرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هدم بيوتهم، مما أدى إلى نشر الرعب في قلوبهم. وعندما فقدوا الأمل في نصرة المنافقين، طلبوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السماح لهم بالخروج من المدينة. وافق الرسول على خروجهم محمّلين بأمتعتهم التي تستطيع الإبل حملها فقط، مع ترك أسلحتهم وراءهم.
استنكر يهود بني النضير حرق الأشجار وهدم البيوت من قبل المسلمين، حيث إن المسلمين كانوا قد ادعوا أنهم جاؤوا للإصلاح وليس للإفساد. لذلك، أُنزِلت سورة الحشر لتخبرهم بأن الأفعال التي قام بها المسلمون كانت بتوجيه من الله -سبحانه وتعالى-.
مكان نزول سورة الحشر
سورة الحشر هي سورة مدنيّة بالاتفاق، وقد نزلت في المدينة المنورة في بداية السنة الرابعة للهجرة، بعد غزوة أحد وقبل غزوة الأحزاب.
ترتيب نزول سورة الحشر
تعتبر سورة الحشر السورة رقم ثمانية وتسعين في ترتيب النزول، حيث نزلت بعد سورة البينة وقبل سورة النصر.
سبب تسمية سورة الحشر بهذا الاسم
تمت تسمية سورة الحشر بهذا الاسم نظراً لذكر حشر بني النضير من المدينة المنورة وإجلائهم إلى أريحا في بلاد الشام، كما تُعرف أيضًا بسورة بني النضير، نظرًا لاحتوائها على قصة بني النضير.
دروس مستفادة من سورة الحشر
إليك بعض الدروس المستفادة من سورة الحشر:
- نقض العهود أمر بالغ الأهمية، ويستحق الخائن العقاب.
- معصية الله -سبحانه وتعالى- والإصرار عليها قد تؤدي إلى العقاب في الدنيا قبل الآخرة.
- تعتبر هجرة المسلم من الذنوب والمعاصي، أو من الأماكن التي يُعصى فيها الله -سبحانه وتعالى- مستحبة، وتستحق الثناء من الله.
- النظام الاقتصادي الإسلامي يشجع على مساعدة المتعثرين مع دعم الملكية الفردية، كوسيلة لتعزيز العمل والإنتاج، ويتضح ذلك في توزيع غنائم غزوة بني النضير التي ذهبت للمهاجرين دون الأنصار، بسبب ثروتهم.
- يدرك الداعية أن طريق الدعوة مليء بالتحديات والعقبات، وعليه المضي قدمًا بثبات، لأن الثواب يأتي من الله.
- ينبغي على المسلم ألا يغفل عن الاستعداد للآخرة بالتقوى والعمل الصالح.
باختصار، سورة الحشر هي سورة مدنيّة نزلت بعد غزوة أحد، حيث نكث بني النضير عهدهم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-. رغم أن بني النضير قد عاهدوا بعدم الوقوف ضد دعوة الإسلام، إلا أنهم خانوا هذا العهد. لذلك، أمر الرسول بإخراجهم من المدينة المنورة، حيث تخلت المنافقون عن تقديم العون لهم بعد تحريضهم على عدم مغادرة المدينة.