حال الكافرين يوم القيامة
يبين الله تعالى في كتابه العزيز مصير الذين أعرضوا عن دينهم خلال حياتهم الدنيا، ويعزز النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى في الأحاديث النبوية. فلا يوجد متكبر عن طاعة الله وعبادته إلا وسيدخل النار التي أعدها الله كعقوبة للمجرمين، حيث يختلف نوع العذاب المخصص لكل منهم حسب إجرامه وظلمه وفظاعته في الدنيا. وقد أعطى الله تعالى لهذا التنبيه أهمية كبيرة، لدرجة أن كل سورة في القرآن الكريم تقريبًا تشير إلى العقاب الذي سيواجهه الكافرون يوم القيامة. ولم يقتصر الأمر على التحذير من العذاب فحسب، بل سرد الله تعالى أشكاله وألوانه، وجعل النار جهنم تتكون من طبقات، مُطلِقًا عليها أسماء تجعل المتلقي يتصور صعوبة حال من يدخلها، ليكون ذلك ذكرى وتنبيهًا وتحذيرًا له.
أسماء نار جهنّم
صافى الله تعالى جهنّم بعدة أوصاف، منها “السموم” و”دار البوار” و”بئس الورد المورود” و”بئس المصير”. وقد ذكر الله تعالى لها أسماء متعددة، يحمل كل اسم منها معنى مختلف يصف جانبًا من العذاب الذي سيناله الكافرون. من أسماء جهنّم المذكورة في القرآن الكريم ما يأتي:
- الهاوية: ورد هذا الاسم في قول الله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ* فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ* نَارٌ حَامِيَةٌ)، وفي هذا السياق، الفراهيدي يوضح أن الهاوية تعني كل مَهْواة لا يُعرف قَعْرُها، بينما يذكر القرطبي أنها سُمّيت هاوية لأنها يُهوى فيها مع بُعد قعرها.
- اللّظى: ورد في قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى* نَزَّاعَةً لِلشَّوَى)، ويرى الفراهيدي أن اللظى هو لهب خالص، بمعنى تلظّى أي التهَب.
- الحطمة: ورد هذا الاسم مرتين في القرآن في قوله: (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ* نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ)، وسُمّيت الحطمة لأنها تحطم ما يدخلها.
- الجحيم: ذكر هذا الاسم كثيرًا في القرآن، مثل قوله: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى). ابن فارس يشير إلى أن اسم الجحيم يرتبط بشدة الحرارة.
- جهنّم: ورد اسم جهنم أكثر من سبعين مرة في القرآن، مثل قوله: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا* لِلطَّاغِينَ مَآبًا). ابن منظور يوضح أن جهنّم تُشير إلى قَعْر بعيد.
- سقر: جاءت هذه الكلمة أكثر من مرة، مثل قوله: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ* لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ). سقر تعني ما يذوب فيه الجسم والروح.
- السعير: وذكر في قوله: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ)، ويشير السعير إلى اشتعال النار وارتفاع لهيبها.
- سجّين: ورد في قوله: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ* كِتَابٌ مَرْقُومٌ). ابن فارس يصف سجّين أنه يشير إلى مفهوم الحبس.
ألوان العذاب في جهنّم
يُحذر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الناس أن عذاب النار الذي وُعد به الكافرون والمجرمون ليس كالنار التي يرونها في حياتهم الدنيا، بل هي أكثر حرارة وأشد إحراقًا. يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (نارُكم الَّتي تُوقِدونَ جزءٌ مِن سبعينَ جزءًا مِن نارِ جَهنَّمَ… إنَّها فُضِّلَتْ عليها بتسعةٍ وسِتِّينَ جزءًا). كما يُشير النبي إلى أن جهنّم قد اشتكت من حرارتها وأذن لها الله تعالى بنفَسَين -أحدهما في الصيف والآخر في الشتاء- وتجربة أهل النار هي تجربة مستمرة من الألم، حيث يُربطون بالسلاسل والأغلال، مما يزيد آلامهم. قال الله تعالى: (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ).
أما غذاء أهل النار، فيشمل الغسلين والزقّوم، وهم يأكلونه مجبرين حيث لا يُشبع جوعهم ولا يعزز طاقتهم، بل هو مرٌّ وقبيح. وعندما يحتاجون للشرب، يأتيهم حميمٌ يغلي، مما يؤدي إلى تمزق أمعائهم. الله تعالى قال: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ). أما ملابسهم وفراشهم، فكلها مصنوعة من النار، لتضيف ألماً فوق آلامهم. ويصف النبي -صلى الله عليه وسلم- شكل الكافر في ظل هذه الألوان من العذاب بقوله: (ضِرسُ الكافرِ أو نابُ الكافرِ مثلُ أُحُدٍ وغِلَظُ جلدِه مسيرَةُ ثلاثٍ).