القصائد الشهيرة لعباس بن الأحنف
تعتبر قصائد عباس بن الأحنف من أبرز ماِ أنتجته الشعر العربي، ومن أشهرها:
أَمِنْكَ لِلصَبِّ عِندَ الوصلِ تذكارُ
يقول فيها:
أَمِنكَ لِلصَبِّ عِندَ الوَصلِ تَذكارُ
وَكَيفَ والحُبُّ إِظهارٌ وإِضمارُ
أَمّا أَنا فإِذا أَحبَبتُ جَارِيَةً
لَم أَنسَها أَبَداً وَالناسُ أَطوارُ
يا لَيتَ مَن وَلَدَت حَوّاءُ مِن وَلَدٍ
صُفّوا اِتِّباعاً لأَمرِي ثُمَّ أَختارُ
إِنيّ بُليتُ بِشَخصٍ لَيسَ يُنصِفُني
باغٍ لِقَتلي وَرَبّي مِنهُ لي جارُ
صادَت فُؤادِيَ مِكسالٌ مُنَعَّمَةٌ
كَالبَدرِ حينَ بَدا بيضاءُ مِعطارُ
خَودٌ تُشيرُ بِرَخصٍ حَفَّ مِعصَمَهُ
دُرٌّ وَساعِدُهُ لِلوَجهِ سَتّارُ
صادَت بِعَينٍ وَثَغرٍ رَفَّ لُؤلُؤُهُ
فالعَينُ مُمرِضَةٌ وَالثَغرُ سَحّارُ
يا لَيتَ لي قَدَحاً في رَاحَتي أَبَداً
قَد مَسَّ فَاها فَفيهِ مِنهُ آثارُ
طوبَى لِثَوبٍ لَها إِنّي لَأَحسُدُه
إِذا عَلاها وَشَدَّ الثوبَ أَزرارُ
ما سُمِّيَت قَطُّ إِلاّ هِجتُ أَذكُرُها
كأَنّما أُشعِلَت في قَلبيَ النارُ
يا مَن يُسائِلُ عَن وَجدي لِأُظهِرَهُ
إِنَّ المُحِبَّ لتَبدو مِنهُ أَسرارُ
فَاِسمَع مُناقَلَتي وَاُنظُر إِلى نَظَري
إِن كانَ مِنكَ لِما في الصَدرِ إِنكارُ
أَما اِسمُها فَهوَ مَكتومٌ فَلَيسَ لَهُ
مِنّي إِلَيكَ بِإِذنِ اللَهِ إِظهارُ
كَأَنَّما القَلبُ مِن يَومِ اِبتُليتُ بِها
بَينَ السَماءِ وَبَينَ الأَرضِ طَيّارُ
ما لِلهَوى لا أَراشَ اللَهُ أَسهُمَهُ
إِنَّ الهَوى لِعِبادِ اللَهِ ضَرّارُ
أَمسى يُكَلِّفُني خَوداً مُمَنَّعَةً
مِنّي وَمِن دونِها حُجبٌ وَأَستارُ
تِلكَ الرَبابُ وَلا إِعلانَ لَو عَلِمَت
ما بي لَقَد هاجَها شَوقٌ وَتَذكارُ
طالَ الوُقوفُ بِبابِ الدارِ في عِلَلٍ
حَتّى كأَنّي لِبابِ الدارِ مِسمارُ
إِنّي أُطِيلُ وَإِن لَم أَرجُ طَلعَتَها
وَقِفي وَإِنّي إِلى الأَبوابِ نَظّارُ
أَقولُ لِلدارِ إِذ طالَ الوُقوفُ بِها
بَعدَ الكَلالِ وَماءُ العَينِ مِدرارُ
يا دارُ هَل تَفقَهينَ القَولَ عَن أَحَدٍ
أَم لَيسَ إِن قالَ يُغني عَنهُ إِكثارُ
يا دارُ إِنَّ غَزالاً فيكِ بَرَّحَ بي
لِلَّهِ دَرُّكِ ما تَحوينَ يا دارُ
ما زلت أَشكو إِلَيها حُبَّ ساكِنِها
حَتّى رَأَيتُ بِناءَ الدارِ يَنهارُ
ما لي أَزورُ أُناساً لَيسَ يَعرِفُني
مِن أَهلِهِم أَحَدٌ إِنّي لَزَوّارُ
أما لَئِن قَبِلوا عُذري لَقَد عَدَلوا
في حُكمِهِم وَلَئِن رَدّوا لَقَد جارُوا
قالوا نَسيرُ فَلا ساروا وَلا وَقَفوا
وَلا اِستقَلَّت بِهِم لِلبَينِ أَكوارُ
ما عِندَهُم فَرَجٌ في قُربِ دارِهِمُ
وَلا لَنا مِنهمُ في البُعدِ أَخبارُ
إِذا تَرَحَّلَ مَن هامَ الفُؤادُ بِهِم
فَما أُبالي أَقامَ الحَيُّ أَم ساروا
كتمتُ الهوى وهجرتُ الحبيبا
يقول فيها:
كَتَمتُ الهَوى وَهَجَرتُ الحَبيبا
وَأَضمَرتُ في القَلبِ شَوقاً عَجيبا
وَلَم يَكُ هَجريهِ عَن بِغضَةٍ
وَلَكِن خَشيتُ عَلَيهِ العُيوبا
سَأَرعى وَأَكتُمُ أَسرارَهُ
وَأَحفَظُ ما عِشتُ مِنهُ المَغيبا
فَكَم باسِطينَ إِلى وَصلِنا
أَكُفَّهُمُ لَم يَنالوا نَصيبا
فَيا مَن رَضيتُ بِما قَد لَقي
تُ مِن حُبِّهِ مُخطِئاً أَو مُصيبا
وَيا مَن دَعاني إِلَيهِ الهَوى
فَلَبَّيتُ لَمّا دَعاني مُجيبا
وَيا مَن تَعَلَّقتُهُ ناشِئاً
فَشِبتُ وَما آنَ لي أَن أَشيبا
لَعَمري لَقَد كَذَبَ الزاعِمو
نَ أَنَّ القُلوبَ تُجازي القُلوبا
وَلَو كانَ حَقّاً كَما يَزعُمونَ
لَما كانَ يَجفو حَبيبٌ حَبيبا
وَكَيفَ يَكونُ كَما أَشتَهي
حَبيبٌ يَرى حَسَناتي ذُنوبا
وَلَم أَرَ مِثلَكِ في العالَمي
نَ نِصفاً كَثيباً وَنِصفاً قَضيبا
وَأَنَّكِ لَو تَطِئينَ التُرابَ
لَزِدتِ التُرابَ عَلى الطيبِ طيبا
أَيَا مُظهر الهِجرانِ والمُضمِرَ الحُبّا
يقول فيها:
أَيا مُظهِرَ الهِجرانِ وَالمُضمِرَ الحُبّا
سَتَزدادُ حُبّاً إِن أَتَيتَهُمُ غِبّا
لَنا جارَةٌ بِالمِصرِ تُضحي كَأَنَّها
مُجاوِرَةٌ أَكنافَ جَيحانَ وَالدَربا
تَراها عُيونٌ شانِئاتٌ وَتُتَّقى
عَلَيها عُيونٌ لَيسَ تُكذِبُها الحُبّا
وَقَد وَثِقَت بِالصِدقِ مِنكَ فَأَصبَحَت
تَزيدُكَ بُعداً كُلَّما زِدتَها قُربا
فَلَو أَنَّ ما أَبكي لِبَلوى وَراءَها
سُكونٌ لِقَلبي لَم أُفِض عِبرَتي سَكبا
وَلَكِنَّما أَبكي لِجُهدٍ مُبَرِّحٍ
مَداهُ إِذا قَصَّرتُ أَن أَسكُنَ التُربا
تَبَرّأَتِ مِمّا بي وَأَنتِ حَبيبَةٌ
وَعوفيتِ مِمّا شَفَّني فَاِحمِدي الرَبّا
وَلَو ذُقتِ ما أَلقى وَخامَرَكِ الأَذى
لَسَرَّكِ أَن أَهدا وَأَن لا أَرى كَربا
تَحَصَّنتِ بِالهِجرانِ حِصناً مِنَ الهَوى
أَلا كانَ ذا مِن قَبلِ أَن تُمرِضي القَلبا
أَذاقَتكَ طَعمَ الحُبِّ ثُمَّ تَنَكَّرَت
عَلَيكَ بِوَجهٍ لَم يَكُن يَعرِفُ القَطبا
وِصالك مُظِلم فيهِ التباسٌ
يقول فيها:
وِصالُكِ مُظلِمٌ فيهِ التِباسٌ
وَعِندَكِ لَو أَرَدتِ لَهُ شِهابُ
وَقَد حُمِّلتُ مِن حُبَّيكِ ما لَو
تَقَسَّمَ بَينَ أَهلِ الأَرضِ شابوا
أَفيقي مِن عِتابِكِ في أُناسٍ
شَهِدتِ الحَظَّ مِن قَلبي وَغابوا
يَظُنُّ الناسُ بي وَبِهِم وَأَنتُم
لَكُم صَفوُ المَوَدَّةِ وَاللُبابُ
وَكُنتُ إِذا كَتَبتُ إِلَيكِ أَشكو
ظَلَمتِ وَقُلتِ لَيسَ لَهُ جَوابُ
فَعِشتُ أَقوتُ نَفسي بِالأَماني
أَقولُ لِكُلِّ جامِحَةٍ إِيابُ
وَصِرتُ إِذا اِنتَهى مِنّي كِتابٌ
إِلَيكِ لِتَعطِفي نُبِذَ الكِتابُ
وَهَيَّأتِ القَطيعَةَ لي فَأَمسى
جَوابَ تَحيَتي مِنكِ السِبابُ
وَإِنَّ الوُدَّ لَيسَ يَكادُ يَبقى
إِذا كَثُرَ التَجَنّي وَالعِتابُ
خَفَضتُ لِمَن يَلوذُ بِكُم جَناحي
وَتَلقَوني كَأَنَكُمُ غِضابُ
قدْ كنتُ أرجو وَصلكم
يقول فيها:
قَد كُنتُ أَرجو وَصلَكُم
فَظَلَلتُ مُنقَطِعَ الرَجاءِ
أَنتِ الَّتي وَكَّلتِ عَي
نِيَ بالسُهادِ وَبِالبُكاءِ
إِنَّ الهَوى لَو كانَ يَنـ
ـفُذُ فيهِ حُكمي أَو قَضائِي
لَطَلَبتُهُ وَجَمَعتُهُ
مِن كُلِّ أَرضٍ أَو سَماءِ
فَقَسَمتُهُ بَيني وَبَي
نَ حَبيبِ نَفسي بِالسَواءِ
فَنَعيشَ ما عِشنا عَلى
مَحضِ المَوَدَةِ وَالصَفاءِ
حَتّى إِذا مُتنا جَمي
عاً وَالأُمورُ إِلى فَناءِ
ماتَ الهَوى مِن بَعدِنا
أَو عاشَ في أَهلِ الوَفاءِ